الأمة العربية.. والدفع الرباعي

> تطورات الحرب الحالية في غزة، والطريقة التي يتعامل بها الغرب بقيادة أمريكا مع دول المنطقة العربية من خلال التواجد العسكري والسياسي القوي، وما يرافق هذا من توجيهات وتصريحات غربية للأنظمة الحاكمة من المحيط إلى الخليج، يجعلنا ندرك أن هؤلاء الأعداء (وهم الأصدقاء والحلفاء لأغلبية الأنظمة السياسية العربية)، يتعاملون مع الأمة العربية كوحدة واحدة بالرغم من التسميات المختلفة للكيانات العربية السياسية التي صُنعت ذات مرحلة سابقة من مراحل تشكيل الشرق الأوسط تشبه المرحلة التي نعيشها اليوم .

ففي استراتيجيات الحسابات الجيوبوليتيكية (الجغرا سياسية) لإعادة تشكيل المنطقة العربية وما حولها تجري الأمور بطابعٍ عابرٍ للحدود لخطوط الحدود السياسية التي رسمها لنا الغرب في بدايات القرن الماضي، ومتجاوزًا للحسابات الاقتصادية / السياسية القديمة، والتي يجب أن تحل محلها حسابات جديدة، تأخذ بعين الاعتبار الإنجازات العلمية والمعطيات الاقتصادية الجديدة لتوازن القوى الدولي الجديد.

أقول يتعامل الغرب معنا كأمة واحدة، لأن وحدة الجغرافيا والتاريخ واللغة الواحدة والمنشأ الثقافي للأمة العربية والدين (رغم أنه كان ولايزال من أهم أوراق المستعمر المستخدمة لتشتيت الأمة)، كل هذه العوامل الجامعة لا تزال السور الذي تحتمي به الأمة حين تداهمها المصائب والتآمرات الخارجية. ولعل ما يجري في فلسطين وتفاعل الأمة (الشعوب العربية)، يثبت ما قلناه في أن العدو يتعامل معنا كوحدة واحدة. أما التشرذم والتجزئة التي نعاني منها إلا نتيجة لسياسات قديمة بنيت على مبدأ سياسي استعماري قديم (فرِّق تسُدْ) ولا يزال يعمل به مع فشله في اللحظات التاريخية التي تتعرض فيها الأمة للخطر. أشاطركم حادثة ذات يوم حصلت معي ولها علاقة بما أكتبه.

في أمسية صيفية موسكوفية (1993) كنت فيها سائحًا في روسيا وليس طالبًا، في شقة كنت استأجرتها، دعوت أربعة من أساتذتي الكبار ممن تعلمت عليهم لتناول عشاء على الطريقة العدنية، ولتبادل الأخبار والخبرات، ولديهم الكثير مما يمكن تعلمه منهم. أثناء العشاء لمحت في التلفاز صورًا لعسكر أمريكيين يشرفون على تفكيك أسلحة نووية للروس. كانت روسيا حينذاك في أدنى درجات انهيارها إبان حكم الرئيس يلتسين. علقت مستفزًا لهم بقولي إن الأمريكيين يقصقصون أنيابكم إنها مشكلة كبيرة. أجابني مباشرة البروفسور الذي قادني في الدكتوراة وقال: كذلك الحال عندهم يجري نفس العمل. إن ما يدمّر هناك وهناك هي أسلحة قديمة كانت جديدنا في الستينيات. تدخل البروفسور الآخر، وكنت أعتبره كأب لي.. اسمع يا ولدي ما سأقوله ولا تنساه. لسنا الذين في خطر بل أنتم (يقصد العرب) من تحدق بكم الأخطار والمؤامرات المحيطة بكم من كل جانب. وستزداد في الثلاثين السنة القادمة، وتذكرني حينها. واصل حديثه: إنكم مستهدفون، لأن لديكم كل عناصر القوة التي إن تم الاستفادة منها، فستصبحون أمة قوية لا يمكن لأي قوة تجاوزها. ماهي هذه العناصر؟ سألته فأجابني:

1. أنتم في جغرافيا هي قلب العالم.

2. أنتم تملكون قوة بشرية معقولة، ولديكم معدلات نمو سكاني عالية. ولديكم عقول إن تم تعليمها واستثمارها فستفعل الكثير.

3. لديكم كل أنواع الثروات، نفط وغاز ومعادن. أي أن لديكم المال.

4. لديكم أهم العناصر وهو القوة الروحية أي الدين الذي أبقاكم دون تفسخ معنوي، كبقية الأمم التي ترى كم الأوساخ العالقة به.

من ذلك المساء وأنا بين حين وآخر، أتذكر حديث الرجل الذي يذكرني به ما يحدث اليوم. الرجل كان محقًا في رأيي والأحداث تثبت ذلك. فما رأيكم؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى