محادثات السعودية والحوثيين.. ما تحديات تجاوز الأمم المتحدة؟

> «الأيام» غرفة الأخبار:

>
​تبين الأزمة في قطاع غزة مدى السرعة التي يمكن أن يتصاعد فيها الصراع طويل الأمد. وهذا أمر مثير للقلق بالنسبة لليمن، حيث جمدت محادثات السلام المتعثرة القتال إلى حد كبير، إلا أن هدنة الأمر الواقع لم تسفر عن تقدم يذكر منذ دخولها حيز التنفيذ، في أبريل 2022، فمنذ نوفمبر الماضي، سعت المملكة العربية السعودية، التي تدعم القوات الحكومية الأساسية، إلى تسريع عملية السلام من خلال التوصل إلى اتفاق مباشرة مع خصوم الحكومة، الحوثيين المدعومين من إيران، وتلافي شركائها اليمنيين على الأرض والأمم المتحدة.

غير أنه، في الأشهر الأخيرة، تبددت آمال المملكة العربية السعودية في عملية سلام سريعة، ويتوعد الحوثيون بالعودة إلى القتال، ومع استمرار المحادثات الحوثية - السعودية، في ظل دلائل ضئيلة على إحراز تقدم، فإن تهميش اللاعبين الغربيين قد يشكِّل تحديات مستقبلية للرياض والغرب.

وفي سبيل تفادي المزيد من القتال، والمزيد من التصعيد في المنطقة مع إطلاق الحوثيين صواريخ بعيدة المدى، يبدو أنها تستهدف إسرائيل، يجب على المملكة العربية السعودية إعادة الأمم المتحدة والأطراف اليمنية إلى المشهد لإحياء عملية سلام شاملة تقودها الأمم المتحدة، وحتى لو بدا أن لدى الجانبين دوافع لتجنب تدخل الأمم المتحدة في الوقت الحالي، فإن المزيد من الصراع وعدم الاستقرار يشكلان تهديدا لكل من المصالح السعودية والحوثية على المدى الطويل.

فمنذ عام 2015، كان الحوثيون في حالة حرب مع حكومة اليمن وداعميها الإقليميين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. واليوم، يعتبر الحوثيون هم المهيمنين عسكريا، وعلى الرغم من رغبة الرياض بالإطاحة بالجماعة، إلا أنها تتمتع بقبضة قوية على العاصمة اليمنية، صنعاء، والمناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، بما في ذلك مناطق المرتفعات حيث يقيم حوالي 80 في المائة من السكان.

يظهر أن الرياض في عجلة من أمرها لأن تنهي الصراع. فمنذ عام 2015، أنفقت المملكة العربية السعودية ما يقدر بأكثر من 265 مليار دولار على حملتها في اليمن. وتريد الرياض الآن تحويل تركيزها إلى رؤية 2030، وهي خطة محلية طموحة لإصلاح اقتصادها، بما في ذلك جذب السياح الدوليين. يمكن للحوثيين إفساد هذه الخطة من خلال إطلاق الصواريخ العابرة للحدود على المملكة العربية السعودية، كما فعلوا طوال الحرب. كما تحتاج الرياض إلى إنهاء القتال في اليمن لضمان أمنها.

وفي 14 سبتمبر، سافر وفد حوثي إلى الرياض للقاء المفاوضين السعوديين، وجاءت هذه الزيارة غير المسبوقة بعد ستة أشهر من سفر السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، إلى صنعاء لإجراء مناقشات مع المسؤولين الحوثيين.

ومع ذلك، فإن نقطة الخلاف الرئيسية هي مسألة دفع الرواتب، أي الآلية التي سيتم من خلالها توزيع مدفوعات الرواتب، كما يصر الحوثيون على أن يتقاضى موظفو الدولة في الأراضي التي يسيطرون عليها رواتبهم من أرباح صادرات النفط الحكومية، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة، حيث تشكل هذه الأرباح غالبية إجمالي إيراداتها. يريد الحوثيون مصدر دخل مستدام لضمان استقلالهم الاقتصادي وضمان حكمهم بغض النظر عن نتيجة الصراع. لقد حاولوا دون جدوى تأمين ذلك عسكريا من خلال محاولة الاستيلاء على حقول النفط في مدينة مأرب في عام 2021 وها هم الآن يسعون إلى تحقيق الأهداف نفسها من خلال المفاوضات.

ويبدو أن الجانبين قد توصلا إلى حل بديل لمسألة دفع الرواتب. وافقت المملكة العربية السعودية على تغطية رواتب الحوثيين لمدة عام واحد، وتسديد دفعها على دفعتين. وخلال هذه الفترة، ستنشئ كل من الحكومة اليمنية والحوثيين لجانا اقتصادية للتفاوض وتسوية الجوانب الفنية لاتفاق دائم لتقاسم الإيرادات بين الجانبين.

كما أن هناك عقبة أخرى تتمثل في أن الرياض تريد أن يعترف بها الحوثيون كوسيط، وليس طرفا في النزاع، في محاولة محتملة لتجنب تحمل تكاليف إعادة الإعمار.
كما أن المملكة العربية السعودية تدرك أن كل هذا قد يكون من الصعب تسويقه لشريكها، الحكومة اليمنية، ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي.

وتتفاقم مخاوف الحكومة اليمنية بسبب حقيقة أن المملكة العربية السعودية قد استبعدتها مؤخرا من محادثاتها مع الحوثيين، وقد أثار ذلك شكوكا في أن الرياض قد تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة، وتتخلى عن حلفائها اليمنيين بمجرد التوصل إلى اتفاق. في الواقع، لم تؤكد المملكة العربية السعودية للحكومة أنها ستقدم الدعم العسكري إذا انزلق اليمن مرة أخرى إلى الصراع. إذا شن الحوثيون هجوما، وهو أمر غير مؤكد، فإن الحكومة اليمنية ستقاوم، لكن نجاحها سيتوقف جزئيا على ما إذا كانت الرياض ستقدم دعما جويا حاسما أو تتخلى عنها في سيناريو مشابه لما جرى في أفغانستان.

وبشكل عام، فإن تجدد الصراع المحلي، الذي يمكن أن يغير الخطوط الأمامية للقتال، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الأمني الهش، وهو أمر لن تتمكن المملكة العربية السعودية، كونها جارة اليمن، من تجاهله.

إن التحدي الذي يواجه الرياض، والذي يمكن القول إنه سبب إطالة أمد المفاوضات، هو ضمان التزام الحوثيين بوقف إطلاق النار والعمل من أجل التوصل إلى تسوية مع خصومهم اليمنيين. ومن خلال التواصل مع الحوثيين مع الحفاظ أيضا على قنوات مباشرة مع طهران، تختبر الرياض ما إذا كان بإمكان الحوثيين شن هجوم دون موافقة إيران.

وعلى الرغم من الجمود، كان كل من المملكة العربية السعودية والحوثيين مترددين في إشراك الأمم المتحدة. وتخشى الرياض أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد العملية؛ لأن الأمم المتحدة تتطلب إشراك الأطراف اليمنية الأخرى في محادثات السلام. ولكي نكون منصفين، سيكون من الصعب للغاية إيجاد تسوية سياسية سريعة عبر قنوات الأمم المتحدة؛ بسبب المواقف السياسية المتنوعة والمتعارضة في كثير من الأحيان داخل مجلس القيادة الرئاسي.

وفي الوقت نفسه، يعتقد الحوثيون أن تجنب الأمم المتحدة أمر استراتيجي، لأنهم يريدون مضاعفة مسار المفاوضات، الذي سيجلب لهم أكبر الفوائد، ويبدو أن الرياض مستعدة لتقديم تنازلات أكبر إذا تمكنت من تأمين خروج سريع. علاوة على ذلك، لا يحرص الحوثيون على التعامل مع الحكومة اليمنية، التي يرفضونها، باعتبارها بيدقا في يد المملكة العربية السعودية.

تحتاج المملكة العربية السعودية والحوثيون إلى إدراك أنه على الرغم من هذه الصعوبات فإن الأمم المتحدة ضرورية للتوسط في صفقة في الوقت الحالي. لا يثق أي من الطرفين بالآخر، وستستفيد الرياض بالتأكيد من مشاركة الأمم المتحدة، تحتاج الرياض إلى الأمم المتحدة لضمان موافقة الحكومة اليمنية، كما أظهرت محادثات السلام السابقة، فإن الاتفاق المقدم إلى الحكومة، دون مساهمتها، سيكون أكثر هشاشة. وهي مترددة في قول لا للسعوديين ولفصائلها سيئة السمعة؛ بسبب الاقتتال الداخلي.

وتفضل السعودية أيضا أن تتولى الأمم المتحدة تعقيدات الاتفاق، وأن تتعامل مع ما تعتبره الرياض عملها القذر، الذي يجعل الأطراف اليمنية تتفاوض على الجوانب الفنية لتسوية سياسية مستقبلية، من نزع السلاح إلى عائدات النفط.

هذه مهمة كبيرة للأمم المتحدة، مهمة ذات مخاطر محتملة. ويمكن للقوات المحلية على الأرض أن تعرقل تنفيذ الاتفاق. وعلى وجه الخصوص، يعارض المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جماعة انفصالية ممثلة في الحكومة اليمنية، الذي يسيطر على أراضٍٍ كبيرة في الجنوب، أي اتفاق يقتطع ثروته النفطية لدفع الرواتب. علاوة على ذلك، تغيب الإمارات، الداعم الرئيسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، عن المناقشات الحوثية - السعودية.

استثمرت الإمارات، التي تبدو ظاهريا حليفة للمملكة العربية السعودية، موارد عسكرية واقتصادية كبيرة لدعم الحلفاء المحليين وتأمين السيطرة على الموانئ الجنوبية وحقول النفط والغاز، إن الاتفاق السعودي الحوثي الذي يترك اليمن عرضة للصراع يمكن أن يتعارض مع المصالح الأساسية للإمارات في البلاد، مما يشجع المجلس الانتقالي الجنوبي على تقويضها. بالإضافة إلى ذلك، إذا فشلت المحادثات بين اليمنيين، التي تيسرها الأمم المتحدة، في تحديد الجوانب الفنية لاتفاق تقاسم الإيرادات مع الحوثيين، فقد تنهار عملية السلام، مما يزيد من خطر تجدد الصراع.

في حين أن التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية أمر ضروري، إلا أن التسوية السياسية المستدامة لن تكون قابلة للتحقيق دون إشراك مجلس القيادة الرئاسي.

ومع ذلك، فإن مشاركة الأمم المتحدة ستزيد من احتمال التوصل إلى اتفاق مستدام. يسيطر أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على أراض شاسعة وقوات عسكرية كبيرة. مهما حدث، سيلعب مجلس القيادة الرئاسي دورا مهما في مستقبل اليمن. وإذا واجهت البلاد المزيد من الحروب، فإن القوات الحكومية ستكون حاسمة في صد الحوثيين. وعلى العكس من ذلك، إذا وجد اليمن حلا سياسيا، فإن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وقواتهم سيكونون مسؤولين عن تنفيذ أي اتفاق. وقد يدفع تخطي قبولهم الفصائل داخل الحكومة اليمنية إلى تعطيل اتفاق بين الحوثيين والسعودية، مما يزيد من خطر الصراع وامتداده العابر للحدود.

يبدو أن الحوثيين يدركون أن العودة إلى ساحة المعركة ليست في مصلحتهم. يجب عليهم الآن أن يقبلوا أن الأمم المتحدة هي السبيل الوحيد للسلام الدائم، وأن هذا سيتطلب الدخول في حوار مع خصومهم اليمنيين، لم يدرك الحوثيون بعد أن مجلس القيادة الرئاسي يمثل أحزابا سياسية شرعية لها مصالح تتجاوز مصالح الرياض، في حين أن التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية أمر ضروري، إلا أن التسوية السياسية المستدامة لن تكون قابلة للتحقيق دون إشراك مجلس القيادة الرئاسي.

وفي نهاية الأمر، فإن اليمن، الذي يقف على شفا الحرب على الدوام، يهدد أمن المملكة العربية السعودية على المدى الطويل. ما نحتاجه للتوصل إلى اتفاق سياسي دائم هو أن تجلب المملكة المزيد من الجهات المؤثرة والموارد إلى المشهد، من خلال إشراك الأمم المتحدة في المناقشات الحوثية - السعودية يمكن أن تساعد رؤى الدول الأخرى المستثمرة في الصراع، مثل دول الخليج الأخرى والأردن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، الأطراف على إيجاد أرضية مشتركة بشأن المسألة الشائكة المتمثلة في دفع الرواتب، من بين قضايا أخرى، ومن شأن توسيع نطاق هذه المحادثات أن يسهل انتقالا أكثر سلاسة إلى الحوار اليمني - اليمني الداخلي في نهاية الأمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى