الحرب في غزة تدخل مرحلة “عضّ الأصابع” وحماس بعيدة عن الانكسار

> «الأيام» القدس العربي:

> مع اليوم السابع والخمسين، تدخل الحرب على غزة مرحلة “عضّ الأصابع”. ورغم اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل بشكل كبير، فإن حماس وغزة بوجبة إضافية من الصبر، تمتلكان القدرة على إفشالها بالاستفادة من مؤثّرات داخلية وخارجية.

مع استئناف الحرب، تصعّد القيادة الإسرائيلية لهجة تهديداتها بالمزيد من الضربات العسكرية القوية حتى تحقيق أهداف الحرب الثلاثة كما جاء في تصريحات لنتنياهو وغالانت في مؤتمرين منفصلين ليلة أمس. في المقابل، تتزايد الشكوك بقدرة إسرائيل على ذلك، وتنتقد أصوات فيها فقدان الرؤية الاستراتيجية، ورفض مجرد الحديث عن عودة محتملة للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بدعوى أنها “مناصرة للإرهاب”.

ورغم المخاوف والتحفظات، ما زالت أوساط إسرائيلية تؤيد مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها واستعادة الهيبة وقوة الردع، وتمكين النازحين الإسرائيليين (220 ألف نازح) من العودة لمنازلهم في الجنوب والشمال.

بيد أن رياح الحرب لن تجري كما تشتهيه سفن نتنياهو الطامع بإطالة أمد الحرب هربا من الحساب العسير، وسفن غالانت الطامع بمسح عار السابع من أكتوبر. إذا هناك جملة مؤثرات داخلية وخارجية من شأنها أن تضطر حكومة الاحتلال لوقف النار والبحث عن وسيلة للنزول عن شجرة عالية.

ومن هذه العوامل، تصاعد الاحتجاج الداخلي على عدم استكمال عملية تبادل الأسرى. ويعبّر المعلق اليساري غدعون ليفي عن احتمال ارتفاع صوت النداء باستعادة كل الأسرى بقوله في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” اليوم، إن إسرائيل تنازلت عن المخطوفين، معتبرا تجديد القتال الخطأ الأكبر الذي ارتكبته إسرائيل منذ السابع من أكتوبر. ويعلل ليفي قوله هذا بالإشارة إلى أن “الحرب تحولت لطويلة ودامية أكثر، وأهدافها تبتعد وجرائمها تتراكم”.

كذلك من العوامل المؤثرة، هو الخوف من اشتعال الجبهة الشمالية، وانفجار الأوضاع في الضفة الغربية، والخسائر الاقتصادية والخسائر البشرية، خاصة أن المقاومة الفلسطينية قادرة على المواجهة وجبي الثمن، علاوة على الضغوط الخارجية المحتملة خاصة من جهة الولايات المتحدة التي ما زالت تناصر إسرائيل لكنها بدأت تبدي تحفظاتها.

التحفظ الأمريكي

في هذا المضمار يطالب مستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، بمواصلة الحرب حتى تحقق أهدافها. وإزاء مطالب البيت الأبيض بتقييد العملية العسكرية في جنوب قطاع غزة، دعا للتحدث مع الأمريكيين باللغة الأمريكية.

وفي مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” يقول آيلاند إن إسرائيل وقفت أمام خيارين، أولهما انتزاع القدرات العسكرية من حماس حتى تنهار، والثاني الحصار والحرمان من الماء والغذاء والدواء وقطع الإنترنت حتى خنقها، معربا عن أسفه أنها اختارت الخيار الأول.

يشار إلى أن آيلاند سبق ودعا للتمييز بين الجنود وبين المدنيين الفلسطينيين داخل القطاع وعدم التردّد في المساس بالنساء والأطفال كونهم نساء وأخوات وأبناء “المخربين” ويشكلون حاضنة شعبية مؤيدة لمبادئ “حماس”، مؤكدا أنه بدون ذلك، لن تنتصر إسرائيل في الحرب.

وحيال الضغط الأمريكي المزعوم، يقول آيلاند إن واشنطن توافق للوهلة الأولى على هدف إسرائيل بتدمير حماس، لكنها تضع أربعة شروط وهي تحاشي قتل المدنيين، منع تهجير الكثيرين، مواصلة إدخال المساعدات الإنسانية، وتحديد القتال.

آيلاند يعتبر المطالب الأمريكية غير أخلاقية، لأن العمل بها يعني زيادة عدد الجنود الإسرائيليين القتلى، ولأن إدخال الغذاء والوقود يخفّف عن حماس. كما يقول إن الموصل تختلف عن غزة، وإن هذه أكبر قلعة محصنة في العالم مع كمية كبيرة من السلاح والذخائر، ومع حاضنة شعبية داعمة بقوة ليحيى السنوار.

وضمن الدعوة للتحدث بالأمريكية مع الجانب الأمريكي، يدعو آيلاند أيضا لتذكير الأمريكيين بما فعلوه عندما حاربوا اليابانيين في جزيرة أوكيناوا عام 1945، حيث سقط 100 ألف قتيل مدني، وأصيب 50 ألف جندي أمريكي، مما دفع الرئيس هنري ترومان إلى القول “كفى” والانتقال للقنبلة النووية وحسم الحرب.

ويعتبر آيلاند أن تحفظات وقيود الولايات المتحدة تنبع من القلق من غضب جهات عربية وجهات أمريكية تقدمية لمنحها ترخيصا لإسرائيل بقتل فلسطينيين كثيرين. كما يقول إن موقف واشنطن ينبع من كونها لا تفهم واقع الحال العسكري والسياسي داخل القطاع، ومن الغضب على استمرار ممارسات المستوطنين داخل الضفة الغربية، وكذلك ينبع من الرفض المستغرب لدى نتنياهو لطرح أي فكرة أو خطة لليوم التالي للحرب.

ويقترح آيلاند اللجوء للخديعة هنا بالقول: “الحديث عن اليوم التالي هو بيضة لم تضعها الدجاجة بعد، فما المشكلة أن تقول إسرائيل إنها مستعدة للتعاون مع أي جهة معتدلة حتى لو كانت فلسطينية من أجل إنتاج واقع آمن لإسرائيل؟”. كما يشير آيلاند لسبب إضافي للتحفظات الأمريكية على الحرب على غزة في مرحلتها الثانية، وهو الاشمئزاز العميق لدى بايدن تجاه نتنياهو، فـ”كل شيء شخصي” وبعد السابع من أكتوبر يضاف للاشمئزاز الاحتقار، ومن الصعب جدا إدارة أزمة دولية بهذا العمق عندما تكون ثقة القيادة الأمريكية بالقيادة الإسرائيلية كما هي الآن.

في حديث للقناة 12 العبرية، قال آيلاند المقرّب حتى اليوم من دوائر صنع القرار قبل تجدّد الحرب على جنوب القطاع بعدة أيام، إن هناك مخرجا للحرب على شاكلة اقتطاع شريط جغرافي من قطاع غزة ليكون حزاما أمنيا، وتبادل الأسرى على مبدأ الكل مقابل الكل دون الالتزام بعدم استئناف الحرب، بحيث يكون بمقدور إسرائيل العودة للحرب.

الحقيقة مختلفة عن الثرثرة الإسرائيلية

يتقاطع مع آيلاند، المحاضرُ في جامعة تل أبيب، والخبير بالشؤون الفلسطينية، ميخائيل ميليشتاين، من ناحية التحذير من أن حماس أقوى مما يتم تصويره في إسرائيل، ولكنه يعلل رؤيته بتفسير مختلف. في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، يوضح ميليشتاين وهو جنرال في الاحتياط، أن حركة حماس أثبتت أنها واثقة من نفسها، وجاهزة وبعيدة عن نقطة الانكسار، بعكس الثرثرة الإسرائيلية الجارية كما تبين في مبادرتها لاستئناف القتال.

ويضيف ميليشتاين: “لم نتعلم بعد من السابع من أكتوبر، رغم الحاجة للحفاظ على المعنويات، علينا القول بصراحة إنه ينبغي الفهم أن عودة حماس للقتال تنبع من عقيدة الجهاد رغم الأوجاع. التوقعات بخروج السنوار رافعا يديه مستسلما هو تفكير منفصم عن الواقع وجهل به، فهو عندما خرج لحملة السابع من أكتوبر، كان دافعه أيديولوجي -تفكيك إسرائيل- لا إحباط التطبيع مع السعودية”.

كما يحذّر ميليشتاين أن إسرائيل لا تستطيع القيام في جنوب القطاع بما فعلته في الشمال، وهذا ما أكده القيادي في حماس صالح العاروري ليلة أمس في حديث مع قناة الجزيرة، حيث قال إن حماس تستطيع التصدي للقوات الإسرائيلية والدخول في التفاوض على تبادل الأسرى فقط بعد انتهاء الحرب، وهذا يعني أن حماس مؤمنة بأن تنتهي الحرب وهي قائمة وموجودة.

ميليشتاين الذي يحذّر منذ سنوات من خطورة فقدان إسرائيل لرؤية استراتيجية تشمل حلا سياسيا للقضية الفلسطينية، يؤكد أيضا أن الزعم الإسرائيلي بأن حماس قبلت بتحرير محتجزين بسبب الضغط العسكري فقط ليس دقيقا، وعن ذلك يتساءل: “لو كان هذا صحيحا لما بادرت حماس لفتح النار صباح يوم الجمعة الماضي. وإذا كنت محتاجا لهذا الحد للهدنة فلماذا توقفها إذن؟ السنوار لا يظهر أي شيء يشي بضعف وتراجع. هناك بداية تيقّظ وفهم في إسرائيل بأن حماس بعيدة عن الانهيار، وأنها ما زالت تسيطر وتتحكم وتطلق النار على تل أبيب من شمال القطاع ومن مدينة غزة. لسنا قريبين من نقطة الانكسار. وفي بيت حانون التي سيطرنا عليها قبل أسابيع، لا تزال المعارك دائرة، ورغم أن حالتنا هناك أفضل، لكن القتال لم ينته بعد”.

استعجلنا العودة للحرب

هذه التساؤلات والتحفظات، تجد تعبيرها لدى محللين إسرائيليين ليس فقط حول نقاط عينية مثل إدارة المفاوضات أو خلط الحسابات القومية والسياسية، بل ترتبط بالجدوى من الحرب واحتمالاتها الحقيقية.

وضمن الانتقادات الموجهة للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، تساءل المعلق السياسي في القناة العبرية 13، رافيف دروكر على سبيل المثال، عن مدى صواب القرار بوقف إسرائيل للمفاوضات بسبب خلاف حول عدد قليل من المفرج عنهم في الدفعة الثامنة، وبالتالي ترك نحو 20 من النساء والأطفال الإسرائيليين في غزة، علاوة على المحتجزين من المسنين والمرضى.

كما تساءل دروكر عن الحكمة في تهديدات إسرائيل المفرطة باستئناف الحرب في ذروة المفاوضات. فقال: “لماذا تقبل حماس بالإفراج عن دفعات أخرى من المدنيين وهي تسمع تهديدات إسرائيل بتجديد فوري للحرب؟”.

واكتفى دروكر بالتلميح لقدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها. لكن زميله المحلل السياسي البارز، ناحوم بارنياع، استبدل التلميح بالتصريح في تحذيراته.

وفي مقال نشرته صحيفته “يديعوت أحرونوت” اليوم، يقول بارنياع إنه يتمنى أن يكون قرار إسرائيل برفض طلب حماس بالانتقال للدائرة الثانية من المفاوضات حول المخطوفين والأسرى، قرارا ينم عن عقل لا عن “أنا” متضّخمة.

وتحت عنوان “معضلة خان يونس” يقول بارنياع إن المعضلة مزدوجة، فالمحتجزون الآن في جنوب القطاع في خطر أكبر، مثلما أن الخطر على الجنود سيتضاعف مع بدء التوغل البري، وعندها سيكون وقف الحرب والعودة للمفاوضات مهمة أصعب.

شهوة الانتقام

يؤكد بارنياع أن مواصلة الحرب دون خطة لليوم التالي أمر جيد لشهوة الانتقام، لكنها ليست خطوة لخدمة أي رؤية استراتيجية، محذرا من حالة الازدحام السكاني ومن احتمالات كوارث إنسانية في قطاع غزة.

وعلى غرار ميليشتاين، يؤكد بارنياع أيضا أن العبرة من القتال في شمال القطاع تعني أن عملية “التطهير” ليست سهلة. فبعد 57 يوما، ما زالت حماس تقاتل، والشجاعية تقف على قدميها، فيما الساعة الرملية تتسارع: ضغط دولي متزايد، وسوء بالأحوال الإنسانية في جنوب القطاع يعنيان أن إسرائيل تملك أسبوعين فقط للقتال، ومن المشكوك به أن تنجح في تحقيق هدف الحرب خلالهما”.

قبر لك وقبر لعدوّك

وتبعه زميله المحلل السياسي شيمعون شيفر في ذلك، باعتبار ما يجري استمرارا لـ”حرب الاستقلال” ليس في غزة فحسب، بل في الضفة الغربية.

ويتابع محذرّا هو الآخر: “هذه حرب طويلة وسننتصر فيها، لكن تلميحات واشنطن واضحة بما يتعلق بقيودها للحرب. علينا ترتيب العلاقات مع ملايين الفلسطينيين عبر حل سياسي تتهرب منه القيادة الإسرائيلية”.

ويقول شيفر في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” اليوم، إن زميله توماس فريدمان اقتبس أمس في مقاله الفيلسوف كونفوشيوس الذي قال: “عندما تخرج لحملة انتقام أحفر لك قبرين، واحد لعدوك وواحد لك… بكلمات أخرى: كيف نمتنع عن التورط في وحل غزة. حماس لن تنهار، والرهان على الحل العسكري يعني أننا سنحتاج للعيش بين جولة مفاوضات ووقف للنار وبين جولة عسكرية”.

وبخلاف التصريحات والخطابات الإسرائيلية الرسمية المتغطرسة، يؤكد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل وجود عقبات من شأنها الحيلولة دون تحقيق أهداف الحرب.

ويقول في مقاله اليوم بعنوان “رأس في الحائط” إنه فيما يعّد الجيش الإسرائيلي خططا لحرب طويلة في غزة، فإن إدارة بايدن تحذّر من أن الشرعية الدولية توشك على النفاد. كما يحذّر هارئيل مما تخشاه أوساط إسرائيلية بقوله إن أمريكا تتوقع تقييد الجيش لنفسه في جنوب القطاع، وهذا من شأنه أن يشكل خطرا على جنوده”، قاصدا بذلك منع القصف العشوائي العنيف الذي جاء لاستبدال مواجهة بريّة مع المقاومة الفلسطينية، وهي مواجهة نعتها آيلاند بالخاسرة، داعيا لعدم التمييز بين المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين.

ويخلص هارئيل للقول إن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل دخلا حقل ألغام، إذ لا أحد يعرف متى ينفد صبر بايدن نتيجة كارثة إنسانية، منوها لوجود رافعات ضغط أمريكية على إسرائيل منها وقف التسليح ورفع الغطاء الدبلوماسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى