التصعيد في البحر الأحمر يضع اليمنيين على حافة هاوية

> «الأيام» غرفة الأخبار:

> منذ دخول الهدنة الهشة في اليمن حيز التنفيذ، قبل أكثر من عام ونصف، ظل جمال ناصر، الموظف في مؤسسة حكومية، يتابع باهتمام الأخبار عن المفاوضات الجارية بقيادة المبعوث الأممي، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ومرتبات الموظفين، الذين انقطعت منذ العام 2016.

وبعد أن كان يعتقد أن الخطوة القادمة هي المزيد من التوافق ودفع المرتبات، بدأ الخوف يساوره مجددًا من أن تدخل البلاد تصعيدًا من نوع آخر، سواء على الجانب العسكري أو فيما يتعلق بوضع عقبات جديدة أمام الحلول المطروحة، في وقت لم يعد وضعه كما هو حال نسبة كبيرة من اليمنيين قابلًا لمزيد من تمديد الظروف الصعبة التي يعيشها، فضلًا عن إمكانية تطورها على إثر التصعيد الحاصل في البحر الأحمر، منذ إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيين)، استهداف السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى إسرائيل.

عائلة ناصر المؤلفة من خمسة أطفال، حالها حال الكثير من الأسر اليمنية التي انقطع مصدر دخلها الأساسي بتوقف مرتبات الموظفين أو فقدت مصادر دخلها الأساسية بسبب الحرب، وبينما حالف الحظ موظفين آخرين بالبحث عن مصادر دخل أخرى، لم يجد جمال بديلًا سوى أعمال غير منتظمة تعود له باليسير لأسرته، التي تعيش أيضًا على المعونات وعلى الديون التي تراكمت عليه منذ سنوات.

ويقول لوكالة "دوتشيه فيلة" الألمانية، إن الأمل بإعادة حقوق الموظفين وباتفاق يخفف وطأة المعاناة، هو "آخر ما يمني به أطفاله في وجه الضغوط المعيشية". وتبقى مسألة أن تعود الأوضاع إلى الصفر، بدخول مرحلة تصعيد جديدة، أمر يصعب مجرد التوقف معه لمجرد التفكير، وبدلًا عن ذلك، يأمل جمال أن تثمر الأحداث دافعًا إضافيًا يسرع من وتيرة الاتفاق.

وعلى مدى الاسابيع الماضية، ارتفعت حدة التوتر في البحر الأحمر، وألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي، لكن اليمن الذي يقع في قلب الأزمة، بدأ الناس فيه في حالة من الإرباك والخوف والترقب، فيما يحاول الحوثيون إزاحة هذه المخاوف بالظهور بنشوة المنتصر، الذي استطاع أن ينقل نصرة "الفلسطينيين" من القول إلى الفعل؛ إذ أن الجماعة بنظر مؤيديها فعلت ما لم تفعله الدول العربية، وكسبت أصواتًا مؤيدة في العديد من دول المنطقة. لكن معارضيها يرون أنها فتحت جحيمًا جديدًا على البلاد، وأنها قامت بما قامت به في البحر الأحمر، لتلبية رغبات إيران، أكثر من كونها ثقة بقدرتها على مواجهة التبعات.

تمثل منطقة باب المندب والشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر، الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن الجغرافي المطل أيضًا على بحر العرب، ويعتبر ميناء الحديدة المنفذ الأهم الذي تصل إليه الواردات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والمرتفعة، شمالًا وغربًا، ومع ذلك فقد ظل مغلقًا أو يعاني من قيود على الحركة التجارية، طوال الأعوام الماضية.

وبينما أنعشت الهدنة والتفاهمات التي جرت بين السعودية والحوثيين، الميناء قليلًا، يبعث التصعيد غربًا، المخاوف من أن تعود القيود، فضلًا عن أي تأثيرات ناتجة عن رفع أسعار التأمين على السفن والشحنات الواصلة إلى الميناء.

هذه المخاوف بدأت تسري في أوساط التجار والمستوردين، والذين يقول أحدهم لـ"دوتشيه فيلة"، مفضلًا عدم الكشف عن اسمه، إن هذا التصعيد هو العلاج الخاطئ الذي يهدد بمزيد من الأزمة الاقتصادية ليس بسبب ما قد يعيق الحركة في الميناء فحسب، بل كذلك بسبب أي عقوبات اقتصادية أو قيود قد تفرض على اليمن. ويضيف "مثل هذه التصعيد يؤثر على بلدان قريبة وبعيدة ولا تمر بحرب طاحنة، فما بالك باليمن الذي يعاني ولا يحتمل الاستمرار على هذا الوضع. فكيف بمزيد من التدهور!".

إلى ذلك، يقلل المحلل الاقتصادي رشيد الحداد، من شأن أي تأثيرات على ميناء الحديدة نظرًا لأن "شركات التأمين ما تزال تفرض رسوماً كبيرة على ميناء الحديدة"، كما أنه رغم قيام الحكومة في عدن بتقديم وديعة تأمينية عبر الأمم المتحدة منتصف العام الجاري، لخفض تأمين الحرب غير أنها "استثنت ميناء الحديدة، الذي لايزال حتى الآن يعاني من حالة حصار، ويمنع التحالف (بقيادة السعودية) نحو 450 سلعة من الاستيراد عبر الميناء".

تحالف أمني غير تقليدي

لا يختلف المهتمون على أن اليمن غير قادر على تحمل أي نوع من العودة إلى الحرب، بأي شكل من الأشكال، إذ أن النتيجة ستلقي بظلالها من خلال تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية واستمرار التدهور الاقتصادي، في وقت ما يزال يوجد فيه أكثر من ثلاثة ملايين نازح داخليًا، ولم تتحسن أوضاع مئات الآلاف من الأسر، التي حُرمت من مصادر دخلها الأساسية بسبب الحرب. ومع ذلك فإن الأمل السائد لدى أغلبية اليمنيين، يتمثل في أن التصعيد لن يستمر كثيرًا، وقد يهدأ بمجرد بدء هدنة جديدة في غزة، حيث يشدد الحوثيون على أن عملياتهم بحرًا، مرتبطة بمجريات الصراع بين إسرائيل وحماس، وعلى أن التهديد في البحر الأحمر لا يقتصر سوى على السفن الإسرائيلية وهو مرتبط بالحرب الدائرة حاليًا.

يُذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

ويرى المحلل العسكري والخبير في الأمن البحري علي محمد الذهب أن التحالف الذي أعلنت عنه واشنطن "تحالف أمني غير تقليدي بمعنى أنه لن يخوض مواجهات عنيفة مع الحوثيين، إلا في حدود ضيقة: أي عندما تأتي مصادر التهديدات تجاه السفن من مناطق نفوذ الحوثيين أي من الجزء البري". ويتابع: "أما إذا كانت الهجمات عبر زوارق صغيرة أو سفن أو ما شابه ذلك، عندها ستتولى سفن التحالف حماية السفن التجارية وستبادر إلى التصدي لهذه الزوارق بالضرب المباشر أو الإغراق أو المطاردة أو ما شابه ذلك".

تداعيات محلية وعالمية

ومن طرفه، يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، على أن هناك تداعيات كبيرة للهجمات على السفن في البحر الأحمر على الاقتصاد المحلي والعالمي، إذ من المتوقع أن ترتفع كلفة الشحن والتامين بنسب قد تصل إلى 30 % في حال استمرّت الهجمات".

ويرى أن إعلان العشرات من شركات الملاحة الدولية العبور عبر رأس الرجاء الصالح، يمثل مؤشرًا لهذه التداعيات حيث سيؤدي ذلك الى ارتفاع في الأسعار على المستوى المحلي والدولي. كما أن الهجمات "سيكون لها تداعيات خطيرة على الدول المطلة على البحر الأحمر وعلى قناة السويس بصورة مباشرة".

وعلى الرغم من إعلان واشنطن عن تحالف بحري في البحر الأحمر، ما يزال من غير الواضح ملامح التصعيد أو التهدئة، ولهذا فإن نصر يعتقد أن "استمرار التداعيات يعتمد على مستوى ردة الفعل الدولية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى