​نحن بين (هات) و (خذ)

> لماذا لا توجد لدينا القدرة على التعامل مع كل موضوع في حياتنا أو ما نقرأه من آراء أو أفكار، في سياق ذلك الموضوع وحده مكانيًا و زمانيًا و ظرفيًا؟
لماذا نخلط كل المواضيع مع بعضها دون تروّي أو فرز أو حتى استشارة لدى المختصين؟

أعتقد أننا نفقد بتلك الطريقة في التعاطي، موضوعيتنا وصوابنا و مقدرتنا في اتخاذنا لقرارنا.
بالمناسبة يستوي في ذلك المواطن العادي والمسؤول الذي يقودنا. أعني أن ذلك أصبح نمطًا وسمةً من سماتنا المجتمعية. لذلك نجد أنفسنا مشاركين وأطراف في معارك دون كيشوتية مع أنفسنا لا تجدي نفعًا ولا تحل لنا مشكلة، ونجد أننا بالمحصلة قد ابتعدنا عن هدفنا الذي وضعناه لأنفسنا واتفقنا عليه فنبقى نراوح مكاننا.

ما ذكرناه أعلاه ينطبق على نشاطنا الإنساني اليومي في الحياة التي نعيشها، الخاصة والعامة.

مع أنه في الحياة السياسية العامة، ينبغي أن تكون هناك ضوابط قانونية و عمل مؤسسي يكبح من جماح التفرّد واحتكار القرار. فلكي يصبح القرار نافذًا، ينبغي تمريره من قِبل صاحب القرار، عبر أطر استشارية وقانونية خاصة (كالبرلمان على سبيل المثال) لإجراء ما يلزم من فلترة وقوننة تضمن أن يخدم القرار المصلحة العامة للبلاد والعباد، فإن لم يتحقق ذلك فمصير ذلك القرار الموت قبل ولادته أو هكذا يجب أن يحدث. نحن كمسلمين يأتي التناصح فيما بيننا  لتسهيل الحياة للجميع والنهوض بالمجتمع، و يفرد الدين مكانًا مهمًا لعملية التناصح ويجعلها موضوعًا يستدعي الثواب والأجر من الخالق لعباده المتناصحين.

 غير أن قدرات الناس في تقبُّل النصح والمشورة متباينة وقد تصل إلى التناقض. فربما تجد من لا يقبل النصح حتى وإن قدمته له مجانًا لوجه الله والوطن و ناسه، فتجد الرفض للنصيحة بل والعمل بعكسها من قبل المنصوح، فالناس في تقبُّل النصح مذاهبُ. تحضرني طرفة سمعتها أثناء دراستي الجامعية في روسيا حدثت في إحدى قرى جمهورية آسيوية مسلمة الديانة. كان( الملا) أو قاضي القرية رجلًا ذا ضميرٍ معدوم، يتخذ من وضعه الديني ستارًا يقوم من خلاله بكل الموبقات، ومنها أخذ الرشاوي والحكم لمن يدفع أكثر.. الخ.

حدث أن أراد القاضي أن ينتقل إلى الضفة الأخرى من النهر المقابلة لقريته فركب الزورق اليدوي الصغير وبدأ يجدف في طريقه لهدفه. اعترضته موجة في طريقه فانقلب القارب وبدأ الرجل في الغرق لعدم إجادته السباحة. صادف ذلك مرور قارب آخر يحمل رجلين حاولا أن ينتشلاه، وكان المنقذ يصرخ قائلًا (اعطني) يدك ويكررها، لكن القاضي لم يعطِ يده للمنقذ. على الضفة الأخرى للنهر وقف رجل يعرف القاضي وخلفيته غير السوية. بدأ الرجل يصرخ بأعلى صوته على المنقذين بقوله: لن يعطيكم القاضي يده وإن غرق، قولا له (خذ) أيدينا وسيمد يده لكم وستنقذونه وهذا ما فعله المنقذون للقاضي الذي(أخذ) أيديهم وأنقذ نفسه. إذن ففي الفرق بين (هات) يدك و(خذ) يدي، يكمن الفارق.. ولطالما قُدِّم النصح مجانًا فلم يلقِ له أحد بالًا. وفي مثلنا الشعبي يقولون (كل معروض باير) والعكس صحيح. إنه التعوّد يا سادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى