إيلات في مرمى الحوثيين.. ما خيارات الأردن لتجنب التوتر؟

> "الأيام" القدس العربي:

>
​استهدفت جماعة الحوثي اليمنية أكثر من مرة مدينة إيلات على البحر الأحمر جنوب إسرائيل بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة؛ ردا على حرب إسرائيلية مدمرة ومتواصلة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.

ومع قصر المسافة بين إيلات ومدينة العقبة الأردنية، سواء من البر أو البحر، فإن هذا الوضع يعني أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي تهديدات من شأنها المساس بأمنها وسلامة أراضيها.
إيلات تبعد عن العقبة 16 كيلو مترا، ويرتبطان بمعبر وادي عربة (معبر إسحاق رابين من جهة إسرائيل)، وكلاهما ساحليتان على خليج العقبة في البحر الأحمر.

ورغم إعلانات غير رسمية عن إسقاط الأردن مسيّرات اخترقت مجاله الجوي في المنطقة، إلا أن ذلك لا يستبعد، بحسب مراقبين، أن يكون المشهد بصورته العامة “ورقة ضغط” أردنية جديدة على إسرائيل، خاصة في ظل موقف “صلب” لعمّان ضد الحرب على غزة.

وفي 26 ديسمبر الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض “هدف معادٍ” فوق البحر الأحمر، كان عبارة عن طائرة مسيرّة في طريقها إلى إيلات، وفق مقطع فيديو نشره.
ولم يعلن الجيش عن مصدر إطلاق الطائرة المسيّرة، لكن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، قالت في اليوم ذاته إنها أطلقت مسيرات تجاه إيلات.

وفي الأسابيع الماضية، أعلن الحوثيون إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على “أهداف عسكرية (إسرائيلية) في منطقة أم الرشراش (الاسم العربي لإيلات) جنوب فلسطين المحتلة”.
كما استهدفوا بصواريخ ومسيرات سفن شحن في البحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل، “تضامنا مع غزة”.

وفي 27 ديسمبر الجاري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال لقائه قادة البحرية وجنودا في إيلات، إن بلاده سترد على أي هجوم يستهدف المدينة.
  • تأثير سلبي كبير
الباحث بشؤون الشرق الأوسط عمار عبد الحميد قال إن “التعدي على السفن وإطلاق المسيّرات أثّر على ميناء إيلات وأدى إلى حالة شلل تقريبا في الميناء الذي يشكل حوالي 5 بالمئة من تجارة إسرائيل، وأثّر فعلا على اقتصادها”.
وإجمالا، تستحوذ التجارة البحرية على 70 بالمئة من واردات إسرائيل، ويمر 98 بالمئة من تجارتها الخارجية عبر البحرين الأحمر والمتوسط، وتساهم التجارة عبر البحر الأحمر بنسبة 34.6 بالمئة في اقتصاد إسرائيل، بحسب وزارة المالية.

عبد الحميد، وهو كندي من أصول سورية، استدرك: “إسرائيل تمتلك موانئ أخرى على البحر المتوسط، أما الأردن فالمنفذ البحري الوحيد هو العقبة القريبة جدا من إيلات، وبالتالي ما يحدث يؤثر بشكل سلبي وكبير على المملكة”.

وأوضح أنه “من الناحية الاقتصادية، ارتفعت أجور الشحن عبر البحر الأحمر بشكل كبير وزادت تكلفة التأمين على الشحنات البحرية، وهذا سيضغط على الاقتصاد الأردني ويزيد الأسعار على المستوردات، ومنها النفط، ويزيد من كلفة الصادرات الأردنية كثيرا”.

“ناهيك عن الخطر الذي قد يتسبب بإغلاق باب المندب (تمر منه 40 بالمئة من التجارة الدولية)، وخاصة أن بعض الشركات العالمية في مجال النقل بدأت فعلا في تغيير مسارها إلى (طريق) رأس الرجاء الصالح (حول إفريقيا)، وإذا تصاعدت الهجمات فقد تؤثر على السياحة أيضا، والتي استثمر الأردن فيها مليارات الدولارات”، وفق عبد الحميد.
  • وضع السياحة
وزير السياحة الأردني مكرم القيسي، قال في 26 ديسمبر، إن “الأزمة التي يمر بها الأردن والتداعيات السلبية على الاقتصاد الكلي وعلى قطاعات كثيرة منها قطاع السياحة؛ جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في غزة وفلسطين المحتلة، ليست الأولى التي يتعرض لها خلال العقود الماضية”.

ولفت إلى أن عدد زوار المملكة خلال الـ11 شهرا الماضية بلغ نحو 5 ملايين و937 ألف زائر، بارتفاع 29.2 بالمئة، مقارنة بالفترة ذاتها من 2022، وبنسبة 19.6 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2019.
القيسي أضاف أن الدخل السياحي لنفس الفترة بلغ حوالي 4 مليارات و894 مليون دينار (6 مليارات و892 مليون دولار)، بزيادة 30.5 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2022.

وأردف أنه خلال الربع الثالث من العام الحالي، أُغلق 12 مكتبا سياحيا وفُتح مقابلها 73 مكتبا، و3 متاجر أغلقت وفتح مقابلها 5، بينما أغلق 21 مطعما سياحيا وفتح مقابلها 96 مطعما، وأغلق فندقان وجرى ترخيص 25 فندقا جديدا.
و”حين النظر إلى أرقام المنشآت المغلقة والجديدة، يظهر النمو الحقيقي للقطاع السياحي، وهذا دليل على أن القطاع مرن ومنيع”، كما زاد الوزير.

والخميس، أعلن الأردن حظر تصدير وإعادة تصدير سلع غذائية أساسية، بينها الأرز والسكر والزيوت النباتية؛ في ظل ارتفاع تكاليف الشحن الوارد للسوق الأردنية؛ بفعل أزمة البحر الأحمر.
  • ماذا يفعل؟
أما عن الجانب السياسي والاستراتيجي، فاعتبر عبد الحميد أن “التهديد الحوثي، والذي تحول إلى واقع أمني خطير، يؤثر على المدى القريب والبعيد، ويعطي الحلف الإيراني قدرة أكبر كثيرا على التأثير”.
وأوضح أن “المملكة ودول المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج ومصر، أصبحت مضطرة للتفاوض مع الحلف الإيراني بما يملكه من أدوات في اليمن، تتمثل بالحوثي، وفي سوريا ولبنان تتمثل بالمليشيات”.

عبد الحميد رأى أن “إيران تحاول أن تملأ فراغ المنطقة بحكم الواقع الجيوساسي الجديد فيها، من خلال تثبيت نفسها كقوة إقليمية كبرى، لا سيما مع وجود أذرعها التنفيذية”.

وشدد على أن هذه الأذرع “تشكل كابوسا أمنيا وحضاريا للدول العربية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي وما يفعله من تدمير للبشر والحجر في غزة من جهة أخرى”.

وبالنسبة لما يمكن أن يفعله الأردن، تحدث عبد الحميد عن “العمل الجاد وبكل قوة على وقف الحرب على غزة والتعاون الجاد مع الدول العربية في هذا، لسحب ورقة مساندة المقاومة في غزة من الحوثيين، الذين استغلوا ما يحدث ونجحوا في التأثير في الاقتصاد الاسرائيلي وشغلوا ماكينتهم الإعلامية”.

ورأى أن “الحوثيين، ومن ورائهم إيران، وجهوا رسائل في أكثر من اتجاه، أولها إلى القوى الغربية، وعلى رأسها أمريكا، بأنهم قوة مؤثرة ولابد من الاستمرار بالتفاوض معهم، وأثبتوا أنهم فاعل سياسي وعسكري”.
أما رسالة الحوثيين الثانية، وفقا لعبد الحميد، فقد “وُجهت إلى الشعوب العربية والمسلمة المتعاطفة بشكل هائل مع غزة، فقد انفرد الحوثيون بمظهر المقاوم والمعين لفلسطين، وبالتالي مزيد من الاختراق الإيراني لهذه الشعوب واستغلاله لتأسيس أذرع جديدة في مناطق أخرى”.

وشدد على أنه “لابد من عمل إعلامي كبير يُظهِر ما تفعله الدول العربية من أجل غزة، ويبين في الوقت ذاته الحقائق والنوايا السياسية للحوثي وداعميه”.

كما دعا عبد الحميد “الأردن ودول الخليج ومصر إلى استخدام كل الإمكانات للضغط على الجانب الغربي لوقف الحرب (في اليمن) خاصة أن الغرب سّهل وتساهل كثيرا مع الحوثي”.

ومضى عبد الحميد قائلا: “لا بد من إنشاء ورش عمل لإدارة الأزمة والتعاطي معها على أساس استراتيجي؛ فالأمن العربي على المحك، ووضع خطة للتعاطي الجماعي مع الجانب الإيراني والإسرائيلي بشكل جماعي، بما يفيد في استقرار المنطقة والحل العادل للقضية الفلسطينية”.

وختم بالتشديد على ضرورة “إعادة قراءة المشهد السوري والبدء بالعمل الجدي والفاعل في الموضوع السوري، وبالتالي وقف التمدد الإيراني (يدعم نظام بشار الأسد في سوريا) والانفلات الأمني والسياسي في سوريا، بما يمثله من خطر على الأمن العربي”.
  • التحالف البحري ومصر
“التداعيات جراء تلك الهجمات (الحوثية) اقتصادية”.. هكذا بدأ فيليب مدانات، الباحث الأردني في علم الاجتماع السياسي، حديثه، مضيفا أن “الإشغال في فنادق العقبة وصل إلى نسب متدنية تكاد تكون صفرا في أغلبها”.
وتابع: “الأردن دولة خدمية، لذا فالضرر سيطال أهم قطاعاته الاقتصادية، وهي السياحة، لا سيما وأن العقبة معروفة بأنها قبلة للسياح من مختلف دول العالم، وسيدفع بالمملكة إلى الاستدانة”.

مدانات قال إن بلاده “تأمل بالتحالف الدولي البحري لردع الحوثيين فيما يتعلق بمسألة أمن الملاحة، وقد يلجأ الأردن أيضا إلى مصر، التي تملك أقوى القوات البحرية بالمنطقة وحتى أقوى من بحرية إسرائيل”.
وفي 18 ديسمبر الجاري، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تشكيل قوة عمل بحرية باسم “حارس الازدهار”، تضم 10 دول بينها دولة عربية وحيدة، هي البحرين، لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

واعتبر مدانات أن “استمرار الحرب في غزة قد يدفع بإيران إلى إشعال نقاط أخرى، وقد تكون إيلات هي القادمة بالنسبة لها، فهي تريد أن توصل رسالة بأنها فاعلة حتى لو لم تقم بما يجب من خلال حزب الله اللبناني”.
وتحدث عما أسماه “محاولات استهداف إيران لأمن الأردن”، مدللا على ذلك بازدياد عمليات التهريب على الحدود السورية، من خلال مليشيات محسوبة على طهران، على حد قوله.
واستطرد: “مَن استهدف شمال الأردن لن يتورع عن تكرار ذلك في جنوبه”، دون أن يستبعد مدانات أن يتطاير شرر التداعيات في إيلات إلى العقبة.

لكنه أكد أن دبلوماسية الأردن “معروفة منذ عقود طويلة، فالأردن يمد يده وليس خنجره، وهذا ليس من منطلق ضعف”، مستشهدا بالاتصالات واللقاءات الأخيرة لوزير الخارجية أيمن الصفدي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
وشدد مدانات على أن “الأردن سيستخدم الخيار الدبلوماسي والغموض الإيجابي مع إيران، ومن مصلحته التهدئة وتخفيف اللهجة مع طهران وليس استعداءها في الوقت الحالي”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى