الطريق الضامن لا الآمن

> يبتدئ الإنسان بتعلّم المشي طفلًا، و تبتدئ معه عملية التفكير في اختيار الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه. تبتدئ العملية التفكيرية بالغريزة، ثم يكبر وينمو عقله وتتعقد عملية التفكير بمدى تقدمه في السن ونمو قدرة التفكير لديه، وبطبيعة الحال ينجح أحيانًا في اختيار طريقه الذي يوصله لغايته، ويفشل أحيانًا أخرى. كذلك الحال ايضًا بالنسبة للأهداف والغايات، إذ هي متعددة بتعدد وتنوع النشاط الإنساني كمًا و نوعًا، ومختلفة من حيث خصوصيتها وانحصارها بفرد أو عائلة أو جماعة، وعموميتها من حيث ارتباط مصالح الجماعات البشرية أو ما نسميه المصالح المجتمعية للشعوب المرتبطة بجغرافيات محددة نسميها الأوطان. وإذا كان الفشل الفردي في اجتياز طريق ما سلكه الفرد نحو هدف خاص به، ما ينبغي أن يتحمله الفرد نفسه، فإن الفشل في اجتياز طريق ينبغي أن يوصل إلى هدفٍ عامٍ لمجتمعٍ أو شعبٍ يكون وبالًا على هذا المجتمع أو الشعب، ولربما امتدت آثار هذا الفشل لتشمل أجيالًا كثيرة من ذلك المجتمع، ربما امتدت لقرون طويلة بأثارها المعنوية والمادية، وهنا وفي هذا تكمن خطورة اختيار الطريق الذي ينبغي سلوكه للوصول إلى الهدف.

نحن شعب هذه البلاد (أعني الجنوب العربي)، منذ الاستقلال في نوفمبر 1967 وحتى يومنا هذا، لكأنما كُتِبَ علينا أن نمر بتجاربٍ لم يمر بها شعب من شعوب الأرض. وربما أن وجود المجلس الانتقالي في حياة شعبنا والتفويض الشعبي للمجلس، بقيادة الثورة الشعبية المتمثلة بالحراك الجنوبي نحو الهدف الذي يحقق تطلعات الشعب، ربما هذه التجربة تمثل دليلًا على ما قلته. باختصار شديد نقول إن تجربة المجلس الانتقالي في قيادة الجنوب نحو هدفه هي الأخرى مرّت بتجارب عدة. ولأسباب موضوعية وذاتية يدركها أبناء شعبنا تأرجحت القيادة الانتقالية في مسيرتها بين قربٍ وبعدٍ من الهدف المنشود.

والحاصل أن التجربة مرّت (ولا تزال) تشهد انتكاسات متوالية نتيجة للتدخلات الخارجية المؤثرة على القيادة الانتقالية من جهة، ونتيجة لقلّة الخبرة السياسية لدى القيادة من جهة أخرى. لقد استطاعت القوى الخارجية أن تستدرج القيادة الانتقالية لارتكاب مجموعة من الأخطاء السياسية التي بمرور الوقت كبلّت الأخيرة حتى أوصلتها إلى ما نحن فيه. يمكن إيجاز تلك الأخطاء السياسية فيما سمته القيادة الانتقالية بسلوكها الطريق (الآمن) نحو الهدف المنشود. لكنما التاريخ وتجارب الشعوب تحكي لنا أن الطريق إلى الحرية، هو أكثر الطرق خطورة وأكبرها كلفةً من التضحيات بأشكالها المختلفة، وقد كتبنا وفنّدنا في حينه ومن على صفحات "الأيام" الغراء تحفظاتنا على ذلك الطريق (الآمن) الذي سلكته قيادتنا الانتقالية. لقد أوضحنا بأن الطريق(الضامن) للنجاح والوصول إلى الهدف هو ذلك الطريق الذي يخلو من النوايا الحسنة بالآخر الذي لم يُظهر أي نوايا حسنة فعليًا، لا في مسيرتنا التحالفية معه ضد العدو المشترك، الذي أصبح فجأة صديقًا لذلك الآخر، ولا حتى في الأطروحات السياسية لذلك الآخر في الاعتراف والدعم السياسي(الفعلي) للقضية الجنوبية.

وبعد.. لقد سمعت وشاهدت الرئيس عيدروس الزبيدي في كلمته الأخيرة في الضالع يقول بصراحة ووضوح، إن أمامنا كجنوبيين خيارين لا ثالث لهما، وهما النصر أو الشهادة، ترى هل تكون هذه العبارة للرئيس قائد الثورة، البداية للسير في الطريق الضامن وليس الآمن، للوصول نحو الهدف؟ بعد كل ما عشناه و شاهدناه نأمل ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى