تُبخس جهودهن ويواجهن مخاطر صحية متعددة... "تعليف" النساء لشجر القات في تعز

> أسامة الفقيه الفقيه:

> مع قدوم فصل الشتاء من كل عام، تتفاقم معاناة مئات النساء في ريف تعز الشمالي، حيث يعملن - مضطرات - بشكل متواصل لتوفير الحد الأدنى من احتياجاتهنَّ، ومساعدة أزواجهن في تلبية متطلبات الأسرة، في ظل وضع اقتصادي بالغ السوء بسبب الحرب الدائرة في البلاد.

سمية المصعدي (30 سنة)، تستيقظ عند الرابعة فجرًا، لتنجز أعمالها المنزلية، ثم تذهب بعد ذلك للعمل في منطقة (القطاون) المشهورة بمدرجات القات، حيث تعمل ومعها الكثير من نساء مديرية شرعب السلام، في مهنة علف القات فترات طويلة، تصل إلى ثماني ساعات أو عشر يوميًّا، وتعليف شجرة القات تعني تخليصها من الأوراق السميكة والأغصان الميتة، حتى لا تستهلك ماءً كثيرًا في الشتاء، حيث يشح الماء فترة طويلة في هذا الفصل.

  • قسوة

تقول المصعدي لـ"خيوط": "نشتغل في تعليف شجرة القات لساعات، وهو عمل شاق جدًّا ومجهد بالنظر إلى العائد المادي البسيط، والمدة الطويلة التي نقضيها بين الشمس والريح ومختلف تقلبات الطقس الشتوي".

من جانبها، تقضي سعاد الحيدري ساعات النهار تحت حرارة الشمس بسبب عملها في تعليف القات، تقول الحيدري لـ"خيوط": "نقف أحيانًا ساعة أو ساعتين على سيقان الشجرة دون راحة بتاتًا في عز الشمس الحارقة".

تواصل الحيدري حديثها: "مقابل هذا العمل الشاق نتقاضى ما بين 1000 و1500 ريال عملة قديمة، وهيَ غيرُ كافية لتوفير متطلبات الحياة، لكننا مجبرون على القبول بها؛ كون العمل موسميًّا في فصل الشتاء فقط، ولا بديل لنا غيره".

فاطمة علي (35 سنة)، أرملة وأم لطفلين، هي الأخرى تعمل مع الرعيِّة في التعليف الذي يتزامن مع قدوم الشتاء، من أجل توفير احتياجات طفليها، وحرصًا منها على كفَّ حاجتها عن الناس.

وفاطمة فقدت زوجها في الحرب الدائرة منذ ما يربو على تسع سنوات، لتصبح هي الأب والأم لطفليها والمسؤولة عن تلبية احتياجاتهم في ظل واقع اقتصادي صعب، وغلاء في أسعار المتطلبات الأساسية؛ الأمر الذي عاظم التحدي أمامها.

تعمل (فاطمة) ليل نهار في سبيل تربية أولادها واستمرار تعليمهم، لكنَّها تخشى أن تخونها صحتها، نتيجة قيامها بأعمال تفوق طاقتها، مثل: حراثة الأرض، والاهتمام بالمواشي، والتحطيب، والعمل حاليًّا بين حرارة الشمس ساعات طويلة في التعليف.

تقول فاطمة: "أعود مساءً إلى المنزل ورأسي يكاد ينفجر من الصداع والإرهاق والجهد الذي بذلته طوال اليوم، إذ لا يهدأ الصداع إلا بعد محاولات كثيرة أتناول خلالها العديد من المهدئات والمسكنات لكي أنام".

مخاطر


للعمل الدؤوب والمرهِق وتحمل أعباء تفوق طاقة جسم الإنسان، تبعات صحية تظهر بعض أعراضها على المدى القريب، وبعضها الآخر يظهر على المدى البعيد، بحسب أطباء وأخصائيين نفسانيين.

الدكتور هائل الفقيه، طبيب عام، يتحدث عن بعض هذه التبعات التي قد تصيب النساء تحديدًا، قائلًا: "ثمة أضرار صحية كثيرة على النساء اللاتي يعملن في زراعة وقطف القات، تتزايد هذه الأضرار بناءً على المدة التي تقضيها النساء في مزارع القات، ولعل أبرز هذه الأضرار، متعلق بالتعرض الطويل لحرارة الشمس الحارقة، التي تسبب بدورها الإصابة ببعض أنواع سرطانات الجلد، إضافة إلى التعرض للسموم والمبيدات -عالية الخطورة - التي يتم رشها على شجرة القات، هذه السموم تتعدد أضرارها الصحية على المرأة، لا سيما الحوامل منهن.

بخس

ترى الكثير من العاملات أنّ سبب تدنّي الأجور ناتج عن جشع الرعيَّة (المزارعون ملاك الأراضي) الذين يبخسون جهد العاملات الموسميات.

في هذا الشأن، يرد علي نصر، مالك مزرعة قات، قائلًا: "في السنوات الأخيرة، انخفض سعر القات تدريجيًّا، بالتزامن مع الإنتاج الزائد له، ما أدّى إلى تضخم السوق المحلية؛ ومِن ثمّ نضطر نحن المزارعين إلى بيعة بأسعار أقل".

وأضاف نصر : "أثرت الحرب الدائرة على مزارعي القات بشكل مباشر، ومثّل الانقسام النقدي حاجزًا كبيرًا أمام العاملين في بيع القات، حيث عرضتهم لخسائر حالت دون تصديره لمدينة تعز وبقية المناطق التي كانت تستهلك كميات كبيرة من القات".

وأردف نصر: "كل هذهِ الخسائر تؤثر علينا، ومن ثمَّ على العاملين؛ كون المبيعات لا تغطِّي النفقات المصروفة على العاملين، وعلى الأسمدة والمبيدات، والمياه التي يحتاجها شجر القات بكميات كبيرة خصوصًا في فصل الشتاء".

وتشكل شجرة القات مصدر الدخل الوحيد لسكَّان قرى (شرعب السلام)، وطغت بنسبة 95 % على الأراضي الزراعية في المنطقة، وبحسب تقارير فإن المساحة المزروعة بالقات في اليمن تزيد على حجم المساحات التي تزرع بمحاصيل أخرى، بحيث يشغل القات حوالي 15 % من المساحة الإجمالية للأراضي الصالحة للزراعة في اليمن. كما أنّ زراعته تستهلك ما يزيد على 40 % من إجمالي كمية المياه المخصصة لأغراض الزراعة.

تحية

تعيش المرأة الريفية في بيئة تجبرها على تحمل الأعمال الشَّاقة، في مقابل قضاء الرجل وقته في مضغ القات ليلًا والنوم نهارًا. الناشطة الاجتماعية أصالة رزاز، تقول لـ"خيوط": "تعمل المرأة في المنزل ربة بيت، إذ تهتم بالأطفال وبالزوج وإعداد الطعام وتنظيف المنزل، إلى جانب تحملها مهامًا خارج المنزل؛ من جلب مياه للشرب من أماكن بعيدة، والتحطيب والزراعة والري والاهتمام بالماشية وغيرها من المهام".

وأشارت رزاز إلى أنّ هناك مهامًا كثيرة لا تتوافق وقدرة المرأة على أدائها، حيث تعمل النساء في ريف تعز في الشتاء بتصفية شجرة القات من الورق، في عملية تسمى (التعليف)، ومن ثم ريَّها بالماء، إما من الآبار بواسطة الدلو، أو من البرك المخصصة لحفظ المياه، إلى أن تتفتق أغصانها، ثم يقمن برشها بالمبيدات الحشرية للوقاية من الحشرات والآفات الزراعية الضارة، بل أحيانًا يقطفن القات لإرساله إلى الأسواق، دون أن يُقدر هذا الجهد الشاق من قبل المُلَّاك.

تضيف رزاز: "ألقت الحرب بثقل هائل على المرأة، حيث وجدت المرأة نفسها؛ إما أرملة أو مطلقة لأسباب كثيرة، في مقدمة هذه الأسباب شظف العيش، والوضع الاقتصادي بالغ الصعوبة، وإما لا تجد معيلًا ينفق عليها وعلى أولادها، وبالتالي تحملت عبء مواجهة التحديات بما يفوق طاقتها وإمكانياتها الجسدية والنفسية. فالتحية لكل امرأة ناضلت وكافحت الظروف والمشاق لتكفي أسرتها وتعف نفسها وزوجها سؤال الناس".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى