وول ستريت: كيف أجهضت سياسات ماكرون المتخبطة علاقات فرنسا بمستعمراتها الأفريقية السابقة؟

> «الأيام» القدس العربي:

> نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا حول التخبط في السياسة الفرنسية في عهد إيمانويل ماكرون وكيف أدت العلاقة المضطربة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة إلى أزمة جيوسياسية قوضت جهود الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. وفي التقرير الذي أعدته غابريل سيتنهاوسر ونيومي بسيربي قالتا إنه وبعد الانقلاب في مالي بغرب أفريقيا، سافر وفد من المسؤولين الأمريكيين البارزين إلى باريس والتقوا مع نظرائهم الذين قدموا لهم قائمة أسماء. وفي مكتب مزخرف بقصر الإليزيه، اقترح الدبلوماسيون الكبار ومستشارو الرئيس ماكرون في ملف أفريقيا أسماء أربعة أسماء لساسة ماليين معروفين كي يحلوا محل الرئيس المعزول الموالي لفرنسا، حسب شخص على معرفة باللقاء.

وكان الجيش قد أطاح بأبو بكر إبراهيم كيتا في آب/أغسطس 2020 بعد سلسلة من التظاهرات ضده ولعلاقاته مع فرنسا التي استعمرت مالي سابقا. واقترح الفرنسيون أنهم يستطيعون هندسة حكومة مدنية جديدة، وطلبوا دعما أمريكيا للخطة أثناء المحادثات مع الانقلابيين. وبحسب الشخص، فقد رفض الأمريكيون تقديم الدعم ولم ينته أي من الأربعة الذين رشحتهم فرنسا في الحكومة المالية، حيث ستصبح مالي التي تعتبر مركز تمرد إسلامي أكبر صداع للرئيس ماكرون في حكمه الذي مضى عليه ستة أعوام. ورفض مجلس الأمن القومي الأمريكي وقصر الإليزيه التعليق على لقاء لم يكشف عنه عقد في 2020.

وكشف اللقاء مع عدد من المسؤولين والخبراء أن الحادث هو علامة عن العلاقة المضطربة والمتفككة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة. ويواجه ماكرون اليوم غضبا في القارة التي اعتبرتها أجيال من القادة الفرنسيين الفناء الخلفي وآخر بقايا الإمبراطورية التي غطت أنحاء في العالم.

وأصبحت كراهية فرنسا والسخط عليها صرخة الحشد للانقلابيين وزعماء المعارضة ومنظمات العمل المدني في القارة، ويتهمون جميعا المستعمر السابق بالمسؤولية عن التخلف وسوء الحكم.

وقوضت ردة الفعل الجهود الأمريكية لمكافحة التمرد الإسلامي الذي قتل منذ عام 2017 أكثر من 41,000 شخص. وأنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات في العقد الماضي لتدريب وتسليح الجيوش المحلية، وهي نفسها اليوم تقوم بتوثيق علاقاتها مع روسيا، وفي حالة مالي استأجرت مرتزقة فاغنر.

وظهرت التداعيات الأكثر حدة في جمهورية أفريقيا الوسطى ودول الساحل التي أطاحت الجيوش هناك بالحكومات المنتخبة كمالي والنيجر وبوركينا فاسو، وعززت النخب العسكرية شعبيتها من خلال المطالبة برحيل القوات الفرنسية التي كانت تقاتل جماعات القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وبسبب القيود على تقديم الدعم للأنظمة العسكرية الانقلابية فقد خفضت الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة من حضورها في النيجر، الدولة الحليفة الأولى لأمريكا في المنطقة، من 1,100 إلى 650 جنديا. كما خفضت نشاطاتها العسكرية في قاعدة أغاديز للمسيرات.

 وتجري إدارة بايدن نقاشات لنقل المسيرات إلى قواعد عسكرية في غانا وبنين وساحل العاج. وتحتفظ فرنسا بقوات في السنغال وساحل العاج وتشاد. وحتى في المستعمرات السابقة والأكثر استقرارا مثل السنغال تعرضت توتال إنيرجيز وشبكة المتاجر الفرنسية “أوشان” لهجمات أثناء الاحتجاجات المعارضة للحكومة.

 ولو نظرنا لردة الفعل السلبية ضد فرنسا حول أفريقيا، فهي أكبر تمرد مناهض للغرب منذ نهاية الحرب الباردة. وفي خطاب ألقاه في تشرين الأول/أكتوبر قال وزير الخارجية المعين من الانقلابيين في النيجر بالعاصمة نيامي، ياو سنغاري بكاري “لقد مللنا من فرنسا وتعبنا من الاحتقار الذي يظهروه لنا” و”اخرجوا واتركونا لوحدنا وسنكون في حال جيدة”.

ويعتبر ماكرون أول رئيس يولد بعد حقبة الاستعمار الفرنسي حيث حاول بعد وصوله إلى السلطة عام 2017 إعادة ضبط العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة. وأغضب المحافظين عندما أعلن أن الاستعمار هو “جريمة ضد الإنسانية”، كما ووعد بإعادة الآثار المنهوبة وإعادة تأهيل النظام المالي في هذه الدول والتي تضع نصفها احتياطاتها في باريس.

وبعد عقود من الممارسات التي دعمت فيها فرنسا الطغاة الفاسدين ولكن الموالين لفرنسا، أو ما عرف بممارسة فرانكوفيك، وعد ماكرون بتوثيق العلاقات مع المجتمع المدني الأفريقي وتوسيع علاقات فرنسا أبعد من مجالها الفرانكوفوني. وقال ماكرون أمام طلاب في جامعة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو “أنا من جيل لن يخبر الأفارقة ما يجب عليهم عمله”. وجاء خطابه بعد أشهر من دخوله قصر الإليزيه و”المقترح الذي جئت لعرضه أمامكم هو اختراع صداقة معا”.

وعكس خطابه تحولا في واقع اقتصاد فرنسا وعلاقته بالقارة. ففي أثناء الحرب الباردة اعتمدت الشركات الفرنسية في مصادرها على الحديد والنفط والبوكسيت من مستعمراتها السابقة في أفريقيا، أما اليوم فهي تعتمد على هذه المصادر من نيجيريا وأنغولا وجنوب أفريقيا، وهي دول لم تخضع أبدا للاستعمار الفرنسي. وقال مسؤولون مقربون من ماكرون إنه فكر بداية بسحب القوات الفرنسية لخشيته من زيادة شكوك الدول أن باريس قد تستخدمها للتدخل في الشؤون المحلية. لكن المسؤولين الفرنسيين والأمريكيين خافوا من تحول منطقة الساحل إلى ملجأ للجماعات الإسلامية، كما في سوريا وبالتالي شن هجمات ضد الغرب.

وشنت القوات الفرنسية في 2013 حملة ناجحة حيث هزمت الجهاديين وأخرجتهم من تبمكتو المصنفة ضمن التراث العالمي، في قوائم اليونسكو. وعندما انتشرت الهجمات إلى بوركينا فاسو والنيجر وتشاد، أعلن سلف ماكرون، فرانسوا هولاند في 2014 عن عملية “برخان” لمساعدة دول الساحل صد المد الجهادي.

وواصل ماكرون بمد عملية برخان بالجنود حيث وصل عددهم إلى 5,000 جندي فرنسي. وقتلت العمليات الفرنسية القادة والمقاتلين لكنها فشلت في احتواء المشكلة، ولامت باريس الحكومات المحلية التي لم تقدم الخدمات للمناطق المهمشة. وقال مارك ميمير، المستشار السابق للمبعوث الفرنسي الخاص لمنطقة الساحل، ويعمل حاليا مسؤول طاقم رئيس لجنة الدفاع في الغرفة الدنيا للبرلمان “كنا مثل من يدور في دوائر” و”لم تكن هناك إرادة سياسية من الدول التي تعمل فيها برخان للتحرك إلى المناطق التي تم تنظيفها من الإرهابيين”.

وحلت الجماعات الجهادية محل الحكومات المحلية ووفرت الأمن والحماية للسكان الذين رأوا فيهم سياجا ضد الجيوش الوطنية التي اتهمتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بارتكاب مجازر. ويقول ميمير إن خطأ فرنسا الفادح هو استمرارها خوض حرب لم تحظ بشعبية، حتى حينما اكتشفت أن الجيوش المحلية تعاني من مشاكل في الإدارة والفساد، وأضاف “بدون دعم من دول الساحل، فقد كانت معركة خاسرة”.

وتقول ديلانا غوكسو، الباحثة في معهد سكولا نورمالي سوبريور في فلورنس والتي ظلت في نيامي حتى الانقلاب إن الجيوش الوطنية شعرت أن العبء ألقي عليها بدون أي مساعدة فرنسية في مجال الاستخبارات. وفي عقد من الحرب قتل 58 جنديا فرنسيا في الساحل مقارنة مع آلاف الجنود من دول الساحل. واتهم رئيس وزراء مالي شوغيل كوكالا ميجا الفرنسيين بتدريب الإرهابيين وبدون أدلة. إلا أن نظريات المؤامرة وتدخل فرنسا في الشؤون الداخلية انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وضخمتها الدعاية الروسية.

وكانت محاولات ماكرون مواجهة الدعاية غير موفقة، وبحسب مسؤول في الحروب الإلكترونية فإن الفرنسيين ارتكبوا أخطاء المبتدئين و”قللنا من قدرة عدونا”. وحتى عندما أسقطت الطائرات الفرنسية ملصقات لتقوية الدعم للفرنسيين في القرى وبين السكان المحليين، كانت تحمل عبارات “برخان تراقبكم” بدلا من “برخان معكم”، وذلك حسب تقرير للجمعية الوطنية في 2022.

 ويدافع الفرنسيون عن أنفسهم ويقولون بأنهم تحملوا أخطاء 60 عاما من مرحلة ما بعد الاستقلال، ويقول ميمير إن فرنسا كانت كبش الفداء. وساهمت طريقة حديث وخطاب ماكرون في زيادة الغضب، وبخاصة عندما انتقد معدلات الولادة في دول الساحل “عندما يكون لديكم سبعة وثمانية وتسعة أطفال لكل امرأة، هل أنتم متأكدون أن هذا هو خيار المرأة في كل حالة وكل عائلة وكل امرأة”. واعتبر ماكرون معدلات الولادة مشكلة حضارة تؤثر على استقرار الساحل. وقال السفير الفرنسي السابق في مالي نيكولاس نورماند “تواصل ماكرون كان كارثة” و”لم يتوقف أبدا عن تقديم الطحين لطاحونة أعداء فرنسا”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى