السعودية تستكمل تصفية خلافاتها مع كندا

> «الأيام» العرب:

> أعلن الخميس في المملكة العربية السعودية عن إبرام اتفاق مع كندا على إعادة تبادل الوفود التجارية بعد خمس سنوات من تعليق عملها. وجاءت الخطوة استكمالا لإعادة العلاقات إلى طبيعتها ورفع نسق التعاون بين الطرفين بعد الإعلان في وقت سابق من العام الماضي عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين أوتاوا والرياض.

وتمثل إعادة تنشيط العلاقات مع كندا أحدث حلقة في سلسلة أطول من عملية تصفير المشاكل التي شرعت السعودية في إنجازها في إطار سياسة جديدة تقوم على تجاوز الخلافات مع مختلف الدول والتركيز على البرنامج التنموي والإصلاحي الطموح الموضوع تحت عنوان رؤية السعودية 2030.

وفي مظهر على جدية المضي في ذلك التوجّه بادرت المملكة إلى إنجاز مصالحة مع جارتها اللدودة إيران متجاوزة الخلافات العميقة معها حول ملفات وقضايا حيوية على رأسها ملف الأمن الذي تُتهم الجمهورية الإسلامية بتهديده في مختلف أرجاء المنطقة. كما تمكّنت الرياض من إصلاح العلاقة مع تركيا بعد فترة من التوتّر الشديد والتراشق الحاد بين الطرفين أعقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول.

ولم تستثن عملية التهدئة وخفض التوترات جماعة الحوثي المسيطرة على مناطق في اليمن والموالية لإيران والتي خلقت بؤرة توتّر كبيرة على الحدود الجنوبية للسعودية كما انخرطت في عمليات عدائية ضدّها من خلال قصف أراضيها وبعض منشآتها الحيوية بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

ودخلت السعودية في حالة تهدئة للصراع العسكري ضد جماعة الحوثي، وتشارك في الوقت الحالي بقوة في جهود إيجاد مخرج سياسي من الحرب في اليمن. ومؤخّرا أثمرت سياسة تصفير المشاكل عن استئناف ألمانيا لتصدير الأسلحة إلى المملكة بعد حظر دام لسنوات. وبالتوازي مع كل تلك الخطوات أظهرت القيادة السعودية انفتاحا على فكر إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. وبات تجسيد ذلك عمليا، بحسب المراقبين، رهن عودة المنطقة إلى الهدوء وتجاوز حالة التصعيد القائمة حاليا بفعل الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.

وتقود حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن جهود التقريب بين الرياض وتل أبيب. ولذلك ينتظر أن تفتح موافقة السعودية على التطبيع مع إسرائيل الطريق أمام استعادة الثقة بين واشنطن والرياض بعد أن سجّلت العلاقات بينهما فتورا واضحا خلال السنوات الأخيرة. وذكر التلفزيون السعودي أن المملكة اتفقت مع كندا على إعادة تبادل الوفود التجارية، موضحا أن اتحاد الغرف التجارية في السعودية وقّع اتفاقا مع الجانب الكندي لتشكيل مجلس أعمال سعودي - كندي مشترك.

ووفقا لبيانات رسمية كانت السعودية أكبر سوق تصدير لكندا في المنطقة في 2021 إذ بلغ إجمالي قيمة تلك الصادرات 1.65 مليار دولار أميركي. وتمت في مايو الماضي إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وكندا إلى وضعها الطبيعي بعد خمس سنوات من تجميدها على خلفية اتهامات سعودية للحكومة الكندية بالتدخل في الشأن الداخلي للمملكة.

ورفضت الرياض آنذاك انتقادات حقوقية كندية لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة ومطالبة مسؤولين كنديين للسلطات السعودية بإطلاق سراح أشخاص قالت أوتاوا إنهم نشطاء سلميون، فيما قالت الرياض إنهم مطلوبون للقضاء بموجب قوانين البلاد.

واعتبرت الخارجية السعودية آنذاك أنّ “الموقف الكندي السلبي والمستغرب يعد تدخلا صريحا وسافرا في الشؤون الداخلية السعودية ومخالفا لأبسط الأعراف الدولية وجميع المواثيق التي تحكم العلاقات بين الدول، كما يعتبر تجاوزا كبيرا وغير مقبول لأنظمة المملكة وإجراءاتها المتبعة، وتجاوزا للسلطة القضائية في المملكة، وإخلالا بمبدأ السيادة”.

وبالإضافة إلى طرد السفير الكندي من الرياض قامت السعودية بوقف التعاملات التجارية والمشاريع الاستثمارية مع كندا، وألغت برامج علاج المرضى السعوديين في المشافي الكندية، وعلقت برامج التبادل الدراسي بين البلدين ونقلت طلاب البعثات الدراسية السعوديين إلى دول أخرى، بينما علّقت الخطوط الجوية السعودية رحلاتها من تورنتو وإليها.

وتنطوي السياسة التصالحية السعودية على منظور براغماتي أخذ مكان السياسات المتحمّسة التي كانت المملكة قد سلكتها في بداية تولي الأمير محمّد بن سلمان لمنصب ولي العهد وتسلّمه عمليا زمام إدارة أهم الملفات وأكثرها حيوية. وبدأت السعودية تجني مكاسب مادية ملموسة لتلك السياسة، حيث أعلنت حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس قبل أيام عن قرارها رفع الحظر عن تصدير الأسلحة إلى المملكة.

وقبل يومين قال ستيفن هيبيسترايت الناطق باسم شولتس إن برلين أعطت الضوء الأخضر لتصدير 150 صاروخا من طراز "إيريس - تي" للسعودية، ويمكن "إطلاقها من طائرات على أهداف محمولة جوا أي صواريخ وطائرات ومسيّرات وما إلى ذلك". وكانت ألمانيا قد جمّدت مبيعات الأسلحة للرياض منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي أواخر عام 2018. لكن برلين خفّفت من حدة موقفها بشأن صادرات الأسلحة إلى السعودية مؤخرا، معتبرة أن "المملكة اتبعت نهجا بناء جدا" في ما يتعلق بالحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس.

ويعزو المراقبون تغيير الموقف الألماني إلى تغيير أشمل في العلاقة الغربية مع السعودية؛ ومن ذلك حالة الانفراج بين الولايات المتحدة والرياض، وانفتاح الرياض على فكرة التطبيع مع إسرائيل. والأحد الماضي أشارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال زيارتها إلى الدولة العبرية إلى أن السعودية وإسرائيل "لم تتخليا عن سياسة التطبيع" بعد هجوم السابع من أكتوبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى