الرئيس الرابع للموساد يغادر مخلفا وراءه عديدا من التساؤلات الغامضة

> «الأيام» اندبندنت عربية:

> على مشارف العام الجديد، وبالتحديد نهار الثلاثاء الثاني من يناير الجاري، أعلن في إسرائيل عن وفاة الرئيس الرابع لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد".

تبدو المعلومات الشخصية المتوافرة عن تسفي زامير شحيحة، وهذا أمر طبيعي يتسق وطبيعة عمله، غير أن هناك ما يشير إلى أنه من مواليد بولندا عام 1925، ولهذا كان إلى جانب اللغة العبرية يتقن البولندية بشكل ممتاز.

عرف زامير طريقه إلى فلسطين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل، وكغالبية القيادات السياسية الإسرائيلية التي شغلت أماكن متقدمة في الدولة العبرية، مر زامير من بوابة العصابات اليهودية التي ذاعت وأشاعت الإرهاب وسط سكان البلاد، كـ"الهاغاناه" و"الإتسل" و"الأرغون"، عطفا على "البالماخ".

لا توجد تفصيلات كثيرة عن سنوات حياة زامير الأولى سوى أنه جندي متطوع، لكن من الواضح للغاية أنه أظهر تفوقًا واضحًا في قيادة العمليات العسكرية السرية، لا سيما في الفترة ما بين 1948 أي عند قيام دولة إسرائيل، و1967 ذروة تجليات المد القومي اليهودي ذاك الذي أعقب حرب الأيام الستة وما حققته إسرائيل فيها من انتصارات مثيرة.

بحلول عام 1968 كان زامير يعتلي قيادة الموساد في توقيت مهم وحساس، وسيقدر له خلال ست سنوات (1968-1974)، القيام بعمليات في غاية الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل، سواء كانت دموية ردًا على دماء إسرائيلية سفكت، أو جاسوسية لاختراق كيانات دولية كانت إسرائيل تتطلع كثيرًا إلى سبر أغوارها.

على أن التساؤل الأهم الذي ظل وغالب الأمر أنه سيظل ملاحقًا لزامير بعد موته، يدور حول علاقته بحرب أكتوبر 1973، وهل كان لإسرائيل أن تتفادى الهجوم المصري - السوري لو تم الاستماع لنصائحه المبنية على معلومات استقاها من الجانب المصري.

في حياة زامير، وفي حدود ما هو معروف، أو مسموح بمعرفته، كثير من القصص المثيرة التي تليق برجل استخبارات إسرائيلي اعتلى عرش الموساد في أزمنة صعبة.

الطريق إلى مفاعل العراق النووي

في السابع من يونيو من عام 1981 انطلقت الطائرات الإسرائيلية، في مهمة في غاية السرية، قاصدة المفاعل النووي العراقي "أوزيراك"، ضمن سياق العملية العسكرية المعروفة باسم "عملية بابل".

في ذلك الوقت لم يكن زامير بعد في منصبه، فقد تركه بعد هزيمة أكتوبر، وحل محله إسحق حوفي، ومن بعده ناحوم أدموني، الذي جرت في عهده عملية ضرب المفاعل العراقي.

لكن الحقيقة المؤكدة هي أن زامير هو الرجل الذي بدأ مبكرًا جدًا متابعة الأنشطة العسكرية العراقية. ولفت الانتباه إليها، وسعى في وقت كان الجميع فيه مشغولًا بالجبهتين المصرية والسورية، للاهتمام بالعراق الذي بدا صاعدًا وبقوة ومن غير أن ينبه إليه أحد في إسرائيل، كما انتبه زامير.

كان زامير وراء الاهتمام الاستخباراتي الكبير بالمشروع النووي العراقي منذ وقت وقعت فيه فرنسا اتفاقًا لتزويد العراق – الذي كان آنذاك ثاني أكبر مزود للنفط لها – بمركز أبحاث نووي، وذلك في مطلع أزمة الطاقة عام 1973.

يحكي عميل الموساد المنشق فيكتور أوستروفسكي، في كتابه الشهير المعنون: "من طريق الخداع/ قصة الموساد الإسرائيلي من الداخل"، كيف أن الفرنسيين كانوا قد وافقوا على توريد كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 93 % لمفاعلين نوويين، كما وافقت باريس على بيع العراق أربع شحنات من الوقود، أي ما نسبته 150 باوندا من اليورانيوم المخصب، لم يكن ليغيب عن الإسرائيليين أن هذه الكمية تكفي لإنتاج أربع قنابل نووية.

تحت ضغوط من الرئيس الأميركي جيمي كارتر الذي بدا رافضًا فكرة الانتشار النووي حول العالم، قدم الفرنسيون عرضاً للعراقيين بأن يستبدلوا باليورانيوم المزود شكلاً آخر من الوقود أقل فاعلية يسمى "كاراميل" وهي مادة لم تكن تنتج طاقة نووية، فرفض العراقيون.


ولأن العراق كان يسير بسرعة نحو هدفه في تلك الفترة، فقد أرسلت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" مذكرة كتب عليها "أسود"، إشارة إلى أنها في غاية السرية، إلى زامير.

يصف أوستروفسكي زامير بأنه جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي، طويل، نحيل، وقد كان يشغل منصب مدير الموساد في ذلك الوقت.

طلبت "أمان" معلومات داخلية دقيقة عن مراحل تطور المشروع العراقي، واستدعي ديفيد بيران، وهو مدير الـ "تسوميت"، أي دائرة تجنيد الموساد ليقابل زامير، كما قابل بيران بدوره جميع رؤساء دائرته وأمرهم أن يبحثوا عن شخص عراقي يمكن أن يوصلهم إلى المصنع الذي يزود العراق باليورانيوم المخصب في منطقة "سارسيلي" في فرنسا.

ضمن "السيانيم الفرنسيين" (يهود متطوعون لخدمة دولة إسرائيل في كل دول العالم)، كان هناك شخص له اسم حركي "جاك مارسيل "، يعمل في ذلك المصنع وقد طلب منه سرقة بعض الوثائق الأصلية لما يجري من اتصالات بين العراق وفرنسا.

لاحقًا سيقدر لمارسيل أن يجند أحد العاملين في البرنامج النووي العراقي بطرس حليم، ومن بعده، سيسعى الموساد إلى تجنيد العالم المصري يحيى المشد، الذي كان همزة وصل بين العراقيين والفرنسيين، غير أن إخفاقهم في ذلك سيقودهم إلى قتله، ويتم كما بدا الانتهاء من برنامج العراق النووي، وبذلك يظهر أن زامير هو من كتب نهاية هذه البرنامج قبل ناحوم أدموني.

أزمة حرب أكتوبر 1973


ضمن أكثر الملفات الاستخباراتية غموضًا حتى الساعة في إسرائيل، يبقى ملف حرب أكتوبر، ودور تسفي زامير فيه. فعلى رغم مئات المقالات وعشرات الكتب والأبحاث التي صدرت عبر أكثر من نصف قرن، فلا تزال الحقيقة غائبة حول ما جرى، وكان زامير في القلب منه.

القصة معروفة وليست جديدة، ففي زمن زامير رئيسًا للموساد، عرف أشرف مروان صهر الرئيس جمال عبدالناصر طريقه للتعامل مع الموساد، بحسب رواية إسرائيلية.

الرواية المصرية تقول إنه كان أداة من أدوات الخداع الاستراتيجي ضمن الإعداد لمعركة أكتوبر 1973، وإنه تم من طريقه خداع الموساد، فيما كانت الاستخبارات المصرية تقدم من طريقه ما تود أن تقدمه للجانب الإسرائيلي.

واحدة من أهم القصص التي تروى من الجانب المصري، أنه من خلال مروان تم إقناع إسرائيل بأن مصر قد طورت بالفعل برنامج صواريخ، كان قد بدأ في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، واكتسب زخمًا إعلاميًا كبيرًا، وعرف بعض تلك الصواريخ بأسماء "الظافر" و"القاهر".

والحقيقة باعتراف المسؤولين المصريين لاحقًا أنه لم تكن هناك صواريخ باليستية مصرية، فيما كان المطلوب من أشرف مروان أن يقنع الموساد بهذه المعلومة، لردع إسرائيل، خوفاً من قيامها بمهاجمة الجبهة الداخلية المصرية.

الذين تابعوا الفيلم المعنون "الملاك" أدركوا أن مروان قد خدع الإسرائيليين مرات عدة بتوقيتات غير صحيحة عن الحرب، مما كلفهم كثيراً جداً من المال والجهد والإنهاك العصبي والنفسي.

غير أنه عشية حرب أكتوبر أصر مروان على أن يقابل زامير نفسه في لندن، ليبلغه بموعد الحرب.

ما جرى بعد ذلك أن رئيسة وزراء إسرائيل في وقت الأزمة غولدا مائير، وغالب الظن بتأثير من الجنرال إيلي زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" وقتها، خيل إليها أن الأمر خدعة مرة ثالثة، ولهذا جرى التواني في الاستعداد بشكل عاجل وسريع.

لاحقًا اتهم الجنرال زعيرا زامير بأنه تعرض لخداع كبير من جانب مروان والمصريين مما أدى إلى نجاح تحطيم خط بارليف وعبور الجيش المصري إلى الجانب الشرقي من القناة.

مرة جديدة سيعود اسم زامير إلى العلن، وذلك بعد اغتيال أشرف مروان في لندن في الـ27 من يونيو 2007، حين سقط أو تم إلقاؤه من شرفة مسكنه.

هل كان الخلاص من مروان آخر أعمال زامير حتى ولو كان خارج الخدمة رسميًا وتقدم به العمر، كنوع من الانتقام النهائي؟

غداة حادثة مروان كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تقول "المؤكد أن إيلي زعيرا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب 1973، وكبار قادة الموساد في ذلك الوقت، بمن فيهم زامير، عطفاً على الشاباك اعتبروا أن أشرف مروان كان عميلاً مزدوجاً، وتسبب في الإخفاق التام والكبير الذي أصاب الموساد وأنه صاحب الجريمة الكاملة".

الأمر عينه أكدته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية بدورها، حين رأت أن "أشرف مروان عميل مزدوج أفشلنا في حرب يوم الغفران" وكتبت تقول "العار للدولة". وتضيف "أيًا تكن الأسباب وراء موت أشرف مروان، فإن بقعة سوداء تلوث تاريخ الجاسوسية في إسرائيل"، معتبرة أن الموساد وقع ضحية لعميل مزدوج جعل من هذه المؤسسة أضحوكة.

زامير ومواجهة "أيلول الأسود"

من بين أهم العمليات التي تم السماح بمعرفتها من قبل الموساد بشكل علني، ومن ورائها قصد واضح، هو إرسال رسالة لكل من يود قتل إسرائيلي لاحقاً، تأتي عمليات الموساد في مواجهة "منظمة أيلول الأسود".

يمكن اعتبار فترة رئاسة زامير للموساد واحدة من أكثر فترات المواجهات مع الجماعات الفلسطينية المسلحة في الشرق الأوسط أو في أوروبا بشكل عام.

في الثامن من مايو من عام 1972 احتجز فريق يتكون من رجلين وامرأتين طائرة بها 90 مسافرًا، و10 أفراد من الطاقم في مطار تل أبيب الدولي، وذلك مقابل إطلاق سراح 117 فدائيًا مسجونين في إسرائيل.

في اليوم التالي كان زامير وجماعته قد تحصلوا على كل المعلومات الخاصة بهما، لتقوم القوات الخاصة الإسرائيلية بقتلهما وبأسر المرأتين اللتين حكم عليهما بالسجن مدى الحياة.

بدا أن ما عرف بـ"منظمة أيلول الأسود" إحدى أكثر المجموعات الفدائية تطرفًا، آخذة في تعميق عملياتها، ففي الـ30 من شهر مايو نفسه، قام ثلاثة يابانيين متعاونين مع الفدائيين الفلسطينيين بإطلاق النار في مطار اللد، حيث قتلوا 26 سائحاً وجرحوا 85 آخرين.

لاحقًا وفي الخامس من سبتمبر كانت الواقعة الكبرى، حين قام فريق "أيلول الأسود" بالسيطرة على المجمع الإسرائيلي في القرية الأولمبية في ميونيخ بألمانيا، واعتقلوا أعضاء الفريق، وانتهى العملية بمقتل 11 رياضيًا ومدربًا إسرائيليًا، أثناء نقل المحتجزين إلى طائرة، عندما هاجمهم فريق كوماندوس إسرائيلي.

وقد بث الحدث من خلال التلفزة لكل العالم. كان لمجموعة "أيلول الأسود" أفراد يعملون في ألمانيا، وقبل أسبوع من بدء الدورة الأولمبية توجه عدة أفراد إلى ميونيخ كل على حدة، وكانوا قد أحضروا معهم ترسانة من بنادق الكلاشنيكوف والمسدسات والقنابل اليدوية، لتنفيذ عمليتهم.

لم يقصر الموساد برئاسة زامير في الحصول سريعاً على معلومات كافية عن المهاجمين، ناهيك بأماكن وجودهم، ومعسكرات تدريبهم، وتم تمرير معلومات الموساد بقيادة زامير إلى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان".

بعد ثلاثة أيام كانت مفاعيل معلومات زامير تؤتي أكلها، فقد ردت إسرائيل بتوجيه 75 طائرة للقيام بغارات كانت الأشد من نوعها منذ حرب 1967، مما اعتبره الإسرائيليون قواعد للثوار في سوريا ولبنان، إذ قتلوا 66 شخصًا إضافة إلى عشرات من الجرحى.

بعد عملية ميونيخ استشعرت إسرائيل حرجًا بالغًا، وألقت بمزيد من المسؤولية على الموساد، مصرحة له بالانتقام الشامل والكامل، فقد أعلنت غولدا مائير الحداد على أرواح الرياضيين الذين قضوا. وصرحت بأن إسرائيل ستقاتل "بكد وبراعة على أطول وأخطر خط مواجهة".

كان هذا التصريح يعني أن الموساد ستوكل له المهمة، والمعروف أنه لكي يقوم الموساد بعمليات اغتيالات في الخارج، فإنه لا بد من الحصول على تصريح مسبق من رئيس الوزراء.

صادقت غولدا مائير بالفعل على أمر بقتل 35 من عناصر "أيلول الأسود"، كان قائدهم محمد يوسف النجار الذي يقيم في بيروت، والذي كان أيضاً ضابطاً في "فتح".

قاد زامير حربين ضد رجالات "أيلول الأسود"، حرب حقيقية قتلت فيها 12 فردًا من المجموعة الفلسطينية، وحربًا نفسية ضد آخرين تلقوا رسائل مجهولة المصدر تتحدث عن حياتهم الخاصة، وتنصحهم بمغادرة البلد.

زامير وغولدا... عن اختراق الفاتيكان

لم تكن العلاقات يومًا ما بين إسرائيل والفاتيكان على ما يرام، بل إنه لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بالمرة، ولا تزال الذاكرة اليهودية تعي كيف رفض البابا بيوس العاشر قيام دولة يهودية في فلسطين.

في مؤلفه "جواسيس جدعون"، يخبرنا الكاتب البريطاني غوردن توماس كيف أنه منذ البداية كان رؤساء الوزراء الإسرائيليون المتعاقبون مفتونين بمفهوم اختيار البابا كحاكم مطلق يتم انتخابه مدى الحياة، وكقائد ليس عرضة للمحاسبة أمام أي سلطة قضائية أو يخضع لأي سيطرة تشريعية.

كان الإغراء بالنسبة إلى الموساد يتمثل في السرية المطلقة التي يعمل بها الفاتيكان. كانت آلية العمل واضحة، وراسخة، وتخفي كل ما يقوم به الحبر الأعظم. كانت تمر أشهر عدة قبل أن تظهر الدلائل الأولى على اشتراك البابا في بعض المبادرات الدبلوماسية، ولا تظهر القصة كاملة إلى السطح سوى نادراً.

لم يكن تسفي زامير أول رئيس لجهاز الموساد يتساءل عن طريقة ما لاختراق ذلك الغطاء. كان الفاتيكان قد رفض محاولات متعددة من قبل الحكومة الإسرائيلية والموساد لبناء علاقة عمل جديدة بتهذيب وحزم في الوقت نفسه.

كانت الحقيقة أنه يوجد ضمن أمانة سر الدولة في الفاتيكان، المكافئة لوزارة الخارجية للدول، قسم قوي مناهض لإسرائيل. كان هؤلاء القادة الدينيون يشيرون إلى الضفة الغربية وقطاع غزة على أنهما أراض محتلة، وإلى مرتفعات الجولان على أنه تم ضمها من سوريا.

عملت غولدا مائير طويلاً في سبيل أن تلتقي البابا بولس السادس، بابا روما في الفترة من 1963 إلى 1978.

في أواخر عام 1972 تلقت غولدا مائير أخيراً إجابة من الحبر الأعظم، تفيد بأنه سيكون مستعداً لاستقبالها لوقت قصير.

في يناير من السنة نفسها، أخبرت غولدا أعضاء المجلس الوزاري خلال اجتماعهم الأسبوعي بتلك الدعوة، مما دعاهم إلى التساؤل عما إذا كان سينتج من هذا الاجتماع أي شيء مثمر نتيجة ما اعتبروه "البنية الماركسية للبابوية"، ففي البداية تتمتع البابوية بقوة مالية لا مثيل لها، ثم إنها تعمل من دون أحزاب سياسية أو اتحادات عمالية. وكل النظام مصمم لإحكام السيطرة عليه. وتسيطر إدارة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على الأساقفة، ويسيطر الأساقفة على الكهنة، ويسيطر الكهنة على جمهور المؤمنين، ومع وجود كثير من أمانات السر، والبعثات والتنظيمات المختلفة، يمكن اعتبار النظام جاهزاً للتجسس ونقل المعلومات.

تم تحديد موعد المقابلة البابوية في الـ 15 من يناير 1973، وتم إخبار غولدا مائير بأنه سيكون لديها 35 دقيقة بالضبط مع البابا، وأنهما سيتبادلان الهدايا في نهاية المقابلة. لم يكن هناك جدول أعمال محدد للاجتماع، ولكن غولدا كانت تأمل بإقناع البابا بزيارة إسرائيل.

استدعت غولدا زامير، وأخبرته أنها ستذهب إلى الفاتيكان، لكنها لا تود أن تكون "كانوساً" جديدة.

يفيد تعبير "كانوسا" تاريخيًا بالإذلال الذي لقيه الإمبراطور هنري الرابع رأس الإمبراطورية الرومانية، في مواجهة البابا غريغوريوس السابع، الذي جعله يقف أمام أبواب البابا ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة في البرد والصقيع، قبل أن يغفر له ويسمح له بإدخاله لمقابلته.

سافر زامير إلى روما لتفقد الإجراءات الأمنية هناك، فقد كانت المدينة قاعدة لجماعات النضال العربي المختلفة في أوائل السبعينيات لا سيما الفلسطينية منها.

زرع زامير أحد أفضل "الكاستا" لديه (عملاء الموساد الميدانيين) مارك هيسنز.

يذكر الباحث الإسباني إريك فراتيني في مؤلفه المثير المعنون "الكيان/ خمسة قرون من جاسوسية الفاتيكان السرية"، أن زامير وحين دخوله إلى قلب الفاتيكان كان يراقب بعينيه الأماكن التي تصلح لأن يضع فيها أدوات التنصت مستقبلا، في محاولة من الموساد للإحاطة علمًا بما يجري في قلب المؤسسة الرومانية الكاثوليكية.

سيقدر للزيارة أن تتم بالفعل، لكن زامير كان عليه إنقاذ حياة غولدا من موت محقق... ماذا عن ذلك؟

زامير ينقذ غولدا من الستريلا

بطريقة أو بأخرى تسرب خبر سفر غولدا إلى روما لمقابلة البابا، مما فتح شهية الجماعات الفلسطينية للتحضير لعملية غير مسبوقة.

استطاع أبو يوسف النجار، الذي قتل في بيروت لاحقاً، الحصول على معلومات عن زيارة مائير للبابا، فأرسل من لحظته رسالة إلى علي حسن سلامة في ألمانيا الشرقية قال فيها "دعنا نقضي على الشخص الذي يريد سفك دمائنا في أنحاء أوروبا".

هذه الرسالة لم يعرف بها الإسرائيليون إلا بعد أن عثروا عليها ضمن أكوام من وثائق منظمة التحرير في لبنان عام 1982.

جرت بالفعل عملية التحضير من قبل علي حسن سلامة لصيد طائرة غولدا مائير وهي في الجو، وقبل أن تحط في مطار روما، وذلك من خلال استخدام صاروخ "ستريلا" روسي الصنع، الذي يسميه السوفيات "سام -7" فيما الناتو يطلق عليه اسم "الغريل".

تم نقل هذا الصاروخ بالفعل من معسكرات التدريب الفلسطينية في يوغوسلافيا، لينصب قرب مطار روما.

كادت الخطة أن تنجح بالفعل، لولا قيام زامير ورفاقه بحركة بدائية تمثلت في قلب السيارة التي تبدو وكأنها ذات مداخن ثلاث قرب مطار روما، فتم إنقاذ غولدا، التي ستظل مدينة بجميل كبير لرئيس الموساد، على رغم ما جرى في أكتوبر 1973.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى