"الوعل العربي" باليمن.. يواجه تحدّيًا وجوديًا مع تنامي الاصطياد وغياب التشريعات

> عبداللاه سُميح:

> ​تتنافس بلدات وادي وصحراء حضرموت، جنوب شرق اليمن، منذ الأزل، على ممارسة طقوس شعبية سنوية متوارثة، لاصطياد الوعل العربي "النوبيّ"، الذي يواجه تحدّيًا وجوديًا في ظل تحذيرات من انقراضه.

وتحتفي البلدات الحضرمية في شتاء يناير، بمهرجان "القنيص" السنوي، عبر طقوس شعبية تسبق وتتلو رحلات الصيد الممتدة لأيام، التي يقوم بها أبناء كل منطقة بشكل منفصل، إلى الوديان والمرتفعات الجبلية المحيطة؛ بهدف اصطياد الوعول البريّة.

ويُستقبل صيادو كل منطقة، عقب عودتهم المتوّجة برؤوس الطرائد، بالأهازيج والرقصات الشعبية والقصائد المفاخرة بجسارة الصيادين، وفعاليات متواصلة على مدى يومين متتاليين، في تقليد قديم، ينتهي برفع قرون الوعل، على واجهة منزل الصياد.

  • توثيق الروابط

وترتبط هذه الطقوس بمعتقدات دينية غابرة، كان يمارسها ملوك الممالك القديمة في جنوب الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، من خلال اصطياد الوعول وتقديمها كقرابين لما كان يُعرف بـ"إله المطر"؛ أملًا في هطول الأمطار وريّ بلدانهم الزراعية، وفق ما ورد في بعض المصادر التاريخية.

ويقول سعيد بامطرف، أحد أبناء بلدة دمّون بحضرموت، إن تقليد "القنيص" متوارث منذ آلاف السنين، وهو بمثابة نشاط رياضي يعزز قدرات الرماية والصيد والانضباط لدى المشاركين، إضافة إلى ما تمثله الطقوس المصاحبة في توثيق روابط المجتمعات في البلدات الحضرمية، عبر الاحتفالات والرقصات والسمرات وأجواء الفرح، التي تعقب عودة الصيادين برؤوس الوعول التي اصطادوها.

وأشار بامطرف لـ"إرم نيوز"، أن اصطياد الوعل أصبح الآن منظمًا، بعكس ما كان يحدث خلال العقود الماضية، إذ "يتم الاكتفاء باصطياد وعل واحد أو اثنين فقط من الذكور، ويعود بها القناصة لإدخال السرور والفرح على أهل بلدتهم؛ حفاظًا على هذا الموروث الشعبي التاريخي".

ويقتصر انتشار الوعل العربي في بعض المناطق الجبلية من محافظات: حضرموت، شبوة، المهرة ومأرب، جنوب وشرق اليمن، وسط تحذيرات من استمرار صيده الجائر الذي يعرّض نوعه للانقراض، في ظل تناقص أعدادها بشكل ملحوظ.

  • تنامي الاصطياد

ويقول مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة في وادي وصحراء حضرموت، عمر بن شهاب، إن حيوان الوعل أصبح مهددًا بالانقراض من بيئته؛ بسبب انتشار الصيد الجائر الذي يقضي على أعداد كبيرة منه، ويدفع ما تبقى للهجرة من بيئته إلى بيئات أخرى.


ويشير بن شهاب في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن صيد الوعل "النوبي" يتنامى على مستويات فردية أو جماعية، سواء من خلال البدو ورعاة الماشية المتنقلين، أو عبر المتاجرين ببيع لحمه، أو من خلال الموروثات الشعبية التي تفاخر بصيده؛ ما تسبب في غيابها حتى عن بيئاتها التي تتواجد فيها في كثير من الأوقات، خاصة وأن البعض يستهدف إناثها وصغارها علاوة على الذكور.

ويردف أن انقراض الوعل كغيره من الحيوانات النادرة، يتسبب في حدوث خلل في التوازن البيئي، ينعكس أثره على الحياة البيئية في تلك المناطق، "والإنسان العادي غير مدرك لهذا الشيء، لكن على المدى البعيد أو المتوسط، ستكون له آثار سلبية كبيرة".

ويضيف أنه لا يمكن مقارنة اصطياد الوعول قديمًا في حضرموت، بما يجري خلال مهرجان "القنيص" السنوي في الأعوام الأخيرة، إذ لم يعد لأدوات الصيد القديمة والبسيطة وجود، وبات الصيادون الآن يستخدمون تقنيات لقتل الوعول وإطلاق النار عليها من الأسلحة؛ وذلك يعني ارتفاع وتيرة قتل هذا الحيوان بشكل أكبر.

  • غياب التشريعات

وتطرق مدير هيئة حماية البيئة بوادي وصحراء حضرموت، إلى جملة من الإجراءات في محاولة للحفاظ على هذا النوع النادر من الحيوان، مثل حملات التوعية المختلفة وإصدار قرارات بالتعاون مع السلطات المحلية والأمنية لضبط المخالفين، "لكن ذلك لم يكن كافيًا؛ لأن اصطياد الوعل مرتبط بموروث قديم، أصبح متأصلا في المجتمع".

واعتبر أن عدم وجود تشريعات قانونية تجرّم قتل مثل هذا الحيوان، واستمرار غياب العقوبات الواضحة التي يمكن لها أن تردع المخالفين، هما أكبر المشاكل التي تواجههم.

ويشير إلى أهمية نقل التجربة الأردنية في التصدي للصيد الجائر للحيوانات المهددة بالانقراض، التي أنشأت عدة جمعيات متخصصة، ودعمت المجتمعات المحلية وموروثاتها الشعبية، بطرق مبتكرة وناجحة، حققت أهدافها.

وعلى مدى الأعوام الأخيرة، خصّص اليمنيون يوم الـ22 من يناير من كل عام، كمناسبة وطنية للاحتفاء بيوم الوعل والتذكير بأهمية حمايته بيئيًا؛ باعتباره موروثًا شعبيًا ورمزًا حضاريًا عريقًا، يرتبط بهوية البلد منذ آلاف السنين.

ويرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، أن يوم الوعل اليمني، "يذكرنا بأمجاد أمتنا اليمنية وتاريخنا الضارب في جذور التاريخ والموغل في القدم، فمن هذه الأرض انبعثت الحضارات وتوسعت وتمددت مع الهجرات المتتالية".

وقال في منشور له على منصة "إكس"، أمس الأحد، إنها "مناسبة لبعث الروح اليمنية من جديد، تلك الروح المتّقدة والمثابرة التي ترفض الضيم والانكسار، التي تنحت النصر بعزيمة لا تلين، كما هي مناسبة تحفزنا على الوحدة والتكاتف والانتصار في معركة الكرامة والحرية واستعادة الدولة".

إرم نيوز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى