استعادة الدولة .. لابد من خطوات تسبقها

> الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية المنشودة يظل مفهومًا ومصطلحًا سياسيًا يتم تداوله وتكراره كعناوين في مانشتيات عريضة، تطالب المحيط والعالم بضرورة عودة الدولة الجنوبية إلى الوجود.. هذا مطلب يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي ليل نهار بكل إصرار لتحقيقه، معبرًا فيه عن (إرادة شعب الجنوب)! لكن .. ما الذي ينقصنا فعلًا في الجنوب؟ نحن بحاجة إلى خطوات (مقابلة) لتحقيقه على الأرض، قبل أن نخاطب محيطنا العربي والإقليمي والدولي.

ولكي يعترف بحق أبناء الجنوب في استعادة هذه الدولة، التي فقدت شخصيتها الاعتبارية وذابت عند قبولها بالتوقيع على (اتفاقية) (تحقيق) الوحدة اليمنية، وفي المقابل نهاية كلا النظامين السابقين شمالًا وجنوبًا، ليبقى الأمر في نطاق ذلك (التحقيق) الذي أوصل الجنوب إلى ذوبانه الكامل في أرض يمنية وتربة خصبة من اللادولة، ونهاية المدنية، وانبعاث القبيلة تحقيقًا لحلم اليمننة. لقد كانت أولى خطوات ذلك الحلم هو اللعب على الهويات، وإشغال الجنوب بردة فعل مصطنعة ليعود به الزمن لحاضنة تم الترويج لها بأنها الأم. وعمل على نزع السلاح وتفكيك مكامن القوة في نظام عرف عنه أمام العالم بأنه فاشي، ويهدد دول الجوار والمحيط.

لاشك أن لتقديرات الحرب الباردة انعكاساتها على تلك المرحلة، ولكن ظل الشمال يتصرف بحرية تامة في الاستمرار بعملياته الممنهجة، لتغيير الهوية والعادات والتقاليد والأخلاق، ونشر الفساد وتطوير نظامه، وتخصيب جيناته على الأرض والتربة الجنوبية. وتقدم بخطوات سريعة لم تعرف الكلل والملل، لينتقل بها إلى تفكيك المنشآت الصناعية التي كانت تتواجد وتتوافر في الجنوب. وقضى كذلك على التعليم بجميع مراحله ومطابعه، وعمل على الاستحكام بنوافذ الصناعة والتجارة في عدن، عبر خلق كبار وصغار تجار يمنيين، فجعل كل التجارة والصناعة وخيوطها متركزة فيهم فاستحكمت حلقاتها. وفي المقابل، كما كان للجنوب مكامن قوة، كان أيضًا يمتلك مكامن ضعف، وهذا ليس عيبًا، وإنما أخطاء كان عليه أن يستجيب لها، خصوصًا مع وجود معارضة جنوبية كانت تعيش في الخارج، مكونة من جميع الشركاء التي تم تغييبهم عن المشهد، لقصور في منظور العمل السياسي حينذاك، وعدم الرغبة في الانفتاح على الآخر القريب وحتى البعيد.

فلم ينظر حكام دولتنا السابقون في الجنوب سوى إلى مواضع أقدامهم، و تركزت فيما بعد على النأي بأنفسهم، وتأمين احتياجاتهم، والقبول بالعروض التي تقدم لهم. فمنهم من قبل وبقي واندمج، ومنهم من اختار أن يكون في المنفى. إن عملية الاستعراض التي قدمتها كانت ضرورية لفهم ما كان يفترض التنبه له. لأن من أكبر الأخطاء التي ارتكبها قادة الجنوب، وأرجو أن لا يتكرر وأتمنى ذلك.. هو تركيز القرار السياسي في نطاق معين أوفرد .. وكما قلت من سابق أن تلك ليست عيوبًا يمكن إصلاحها.. بل إن الأخطاء إن لم يتم تحديدها وتفاديها ستكون نتائجها كارثية بما تحمل الكلمة من معنى.

تركيز السلطات في يد واحدة، وعدم إشراك الآخرين فيها أوصناعتها تعمل على خلق هوة وفجوة واسعة. وبالتالي يمكن لنا ردمها وتحقيق الهدف عبر فتح باب المشاركة وصناعة القرار والحكم الواسع الصلاحيات، ومنح الهويات حقها في إيجاد البيئة التي تحقق مصالحها، مع تضافر هذه الجهود يمكن استعادة الدولة الجنوبية المنشودة. لقد بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي خطوات مهمة وهذا لاشك فيه ، لكنه لم يمنح الآخرين حق التمثيل وحق الصلاحيات، مما خلق استنكارًا ونفورًا وخوفًا من أن يعيد التاريخ نفسه.

ولذلك، نرى التململ والفعل ورد الفعل المستمر دون جدوى من الجميع، في ظل غياب تام للخدمات الأساسية، والاعتراف بالهويات والخصوصيات التي يمكن الحفاظ عليها، و أن يكون الجنوب بكل ولكل أبنائه كما قيل. الحوار الوطني الجنوبي وانعقاد اللقاء التشاوري، ولغة الحوار والوثيقة التي لم ترَ النور، والمبادئ التي مازالت بحاجة إلى إعادة النظر فيها، وهو ليس عيبًا بل خطأ أن نعتقد أنها كاملة ومثالية، فالكمال لله وحده. والبشر يخطئون ويصيبون. لكن يمكن تلافي القصور، وهو موجود في التمثيل الذي يمنح دون مواربة ودون تقديم عطاءات، فهي ليست عملية إدارية تدخل في سلم المناقصات والمزايدات، بل هي منح مكتسبة شرعًا وقانونًا، والطبيعة تفرضها وعلى البشر أن يكونوا أكثر حكمة في التعاطي معها.

علينا أن نبدأ من الداخل بأنفسنا، لأن ما يتطلع إليه اليوم الناس ومواطنوه في الجنوب هو إيجاد الثقة المفقودة بينه و بين أوساط المسؤولين والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية، التي يمكن أن تعيد له حقه في الوجود، وفي نشأة دولة جنوبية فيدرالية مستقلة. إن كنا فعلًا نتطلع لمشهد جديد متغير غير جامد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى