حدود الاستفادة الإسرائيلية من الضربات الأمريكية ضد الحوثيين

> "الأيام" العرب اللندنية:

>
​بعد تهديدات استمرت لأسابيع، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات جوية على أهداف عسكرية للحوثيين في اليمن، وذلك في إطار التحالف الدولي “حارس الازدهار” الذي تشكّل في ديسمبر 2023، كـ”قوة بحرية” متعددة الجنسيات تعمل على صد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وضم أكثر من 20 دولة، فضّلت بعضها عدم الكشف عن مشاركتها.

وصرحّت الولايات المتحدة بأنها نفذت ضربات متعمدة على أكثر من 60 هدفاً في 16 موقعاً للحوثيين، باستخدام أكثر من 100 ذخيرة موجهة بدقة. وبعد ذلك بأيام، وتحديداً في 16 يناير الجاري، نفّذت الولايات المتحدة ضربات استهدفت صواريخ بالستية مضادة للسفن، في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين باليمن، وهي صواريخ كانت مُعدة للإطلاق، فيما وكأنه مرحلة جديدة من الضربات الأميركية ضد الحوثيين، تعنى أكثر بالضربات الاستباقية.

واستمر هذا النهج الأميركي الضاغط، إذ نفذ الجيش الأميركي، في 18 و20 يناير، ضربات دفاعية، استهدفت قاذفات صواريخ جاهزة للإطلاق في البحر الأحمر. كذلك قامت الإدارة الأميركية، في 17 يناير، بإعادة تصنيف الحوثيين على أنهم "كيان إرهابي دولي مصنف تصنيفاً خاصاً" (SDGT). وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد ألغت إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2021، بعد أن صنفتها إدارة دونالد ترامب السابقة في أسابيعها الأخيرة ذلك التصنيف.

ويقول الباحث المتخصص في الشؤون الإقليمية محمد محمود السيد في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إنه على الرغم من قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في شهر ديسمبر الماضي، بإبلاغ الرئيس بايدن أنه سيتحرك عسكرياً ضد الحوثيين، إذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك؛ فإن عدداً من المُعلِّقين الإسرائيليين ربما لم يرحبوا بالضربات الأميركية الأخيرة، وذهبت بعض التحليلات إلى أن المكاسب الإسرائيلية من هذه الضربات قد تبدو محدودة، وربما تحمل الكثير من القيود.

واتفق أغلب المحللين الغربيين على أن انتقال عدوى الحرب الحالية في قطاع غزة إلى اليمن، عبر التصعيد الحوثي، كان نتيجة غير متوقعة. وعندما ترافق التصعيد الحوثي مع نظيره في جبهات لبنان وسوريا والعراق، ربما أصبحت الحرب الإقليمية الشاملة أكثر احتمالاً من ذي قبل.

وخلال الأسابيع الأولى لحرب غزة، أطلق الحوثيون صواريخ - لم تكن مؤثرة - تجاه ميناء إيلات، وأعلنوا أنهم لن يتوقفوا عن ذلك إلا عندما تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف الحرب في القطاع. ولكن سرعان ما تطورت تكتيكاتهم إلى حملة من الهجمات المفاجئة على سفن الشحن التجارية المارة بالبحر الأحمر.

  • تهديدات إسرائيل

لاحقاً، وسّع الحوثيون أهدافهم من مهاجمة سفن ترفع العلم الإسرائيلي، إلى السفن التي تُتاجر مع إسرائيل بشكل عام. كما شهدت تكتيكاتهم العسكرية تطوراً واضحاً؛ بما في ذلك استخدام الصواريخ البالستية - لأول مرة في الحروب – كمضادات للسفن، بالرغم من أن النماذج الصاروخية لديهم أقل تعقيداً مما هي عليه في الدول الكبرى.

يمكن قراءة أبعاد التهديد الحوثي للمصالح الإسرائيلية من خلال النقاط التالية:

1 – الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي: تستحوذ التجارة البحرية على 70 في المئة من واردات إسرائيل، ويمر 98 في المئة من تجارتها الخارجية عبر البحرين الأحمر والمتوسط، وتسهم التجارة عبر البحر الأحمر بنحو 34.6 في المئة في اقتصاد إسرائيل. لذلك تضرّر هذا الاقتصاد بشدة، نتيجة اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهو اضطراب تعاظم أثره في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تل أبيب أساساً بسبب الحرب، وحالة الشلل التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي.

2 – مضيق باب المندب كثغرة أمنية لإسرائيل: غالباً ما تنظر إسرائيل – تاريخياً – إلى مضيق باب المندب كثغرة أمنية، تُستغَل ضدها في أوقات الأزمات. فبحسب المدير التنفيذي لميناء إيلات، جدعون غولبر، كان إغلاق المضيق سبباً مباشراً في نشوب حربي 1956 و1967. وعلى مدى عقود، كان تأمين المضيق أحد أهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية، خاصةً في تفاعلها مع دول مثل: جيبوتي وإريتريا. وحالياً يلوح التهديد الحوثي من هذا الاتجاه.

3 – تنامي الدور الإيراني: ترى إسرائيل أن نجاح الحوثيين في تهديد المصالح الإسرائيلية، سيدفع إيران إلى استثمار المزيد من الموارد في دعم الحوثيين عسكرياً، وهو ما قد يُضيف نقطة قوة إضافية لصالح طهران في مواجهتها مع تل أبيب.

4 – البُعد الأيديولوجي للتهديدات الحوثية: كان واضحاً لإسرائيل أنه بحلول عام 2019، كان عبدالملك الحوثي يُوجّه خطابه بشكل متزايد ضد إسرائيل، إذ قال: “إن شعبنا لن يتردد في إعلان الجهاد ضد العدو الإسرائيلي وتوجيه أشد الضربات لأهداف العدو الحساسة إذا تورط في أعمال ضد شعبنا”.

ويخشى الخبراء الإسرائيليون أن السلوك الحوثي حالياً تجاه تل أبيب ينبع من دوافع أيديولوجية، لن تتوقف بعد حرب غزة، بل قد تكون المواجهات الحالية بداية جولة عداء بين الطرفين قد تستمر لسنوات.

على الرغم من التهديد الواضح الذي مثّله الحوثيون لإسرائيل على مدار الأسابيع الماضية، فإن الضربات الأميركية والبريطانية ضدهم قد لا تبدو مفيدة بشكل كبير لتل أبيب ومصالحها، وذلك للأسباب التالية:

1 – استدراج الأميركيين إلى الحرب في التوقيت الذي أراده الحوثيون: رأى الخبيران ديفيد هاردن وآدم كليمنتس، في مقالهما المنشور في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن “ميليشيا الحوثيين نجحت في استدراج الولايات المتحدة إلى شن هجوم عسكري ضد اليمن.. وأنه ما كان ينبغي للرئيس بايدن أن يبتلع الطُعم”. واعتبرا الضربات الأميركية “خطأً إستراتيجياً مُكلِّفاً، ومن غير المُرجح أن يردع الحوثيين، بينما يخاطر بالتصعيد الإقليمي والعالمي”.

ومرد هذا الطرح أن الحوثيين رأوا في وقوع الضربات الأميركية بينما حرب عزة مستمرة، تعظيماً لمكاسبهم، على العكس إذا ما تأجلت هذه الضربات إلى ما بعد انتهاء الحرب الجارية. لأن هذا التوقيت منح الحوثيين الفرصة لتسويق الضربات الأميركية على أنها عقاب لهم على دعمهم للفلسطينيين. كما أن تلك الضربات سوّقت لهم كفاعلين على المستوى الإقليمي وليس فقط في اليمن، بل ربما منحتهم الشرعية في مواجهة واشنطن بشكل مباشر.

  • حدود الاستفادة

بسبب استمرار الحرب على غزة، ربما لم يلق التحالف الأميركي ضد الحوثيين، الدعم الإقليمي والدولي الكافيين، حتى إن دولاً بثقل دولي وإقليمي واقتصادي كبير، مثل: فرنسا وألمانيا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية، لم تشارك في هذا التحالف. ولكن إذا كان قد تشكّل بعد حرب غزة، لربما تغيرت الصورة، ولتلقى دعماً أوسع.

2 – التشكيك في تأثير الضربات الأميركية في القدرات الحوثية: صرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، باتريك رايدر، في 17 يناير ، بأن محاولة ردع الحوثيين لم تنجح حتى الآن، مُشيراً إلى أن واشنطن ستواصل العمل مع شركائها في المنطقة لردع الحوثيين عن شن مزيد من الهجمات.

وتذهب أغلب الترجيحات إلى أن وتيرة ونمط الضربات الأميركية المُتبعة حالياً لن تردع الحوثيين، ولن تُوقِفهم عن توجيه الضربات لطرق الملاحة في البحر الأحمر. ولكن على العكس من ذلك، يحاول الحوثيون تصعيد مستوى ونوعية الضربات، وباتوا يُسوِّقون للرأي العام أن الضربات الأميركية دليل على “موقفهم الأيديولوجي الصحيح”، كما أن مواجهتهم مع الولايات المتحدة تجذب الدعم الإيراني بمعدلات أعلى مما سبق.

وعلى صعيد فعالية الضربات الأميركية في تقويض القدرات العسكرية للحوثيين، يرى تسفي بارئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هآرتس”، أن الحوثيين، منذ عام 2015، عزّزوا تقنياتهم العسكرية الدفاعية، بالاستعانة بالخبرة الإيرانية، وأغلب قياداتهم محصنة بالفعل ضد القصف الأميركي، في المنطقة الجبلية النائية. كذلك، فإن الحوثيين لم يتفاجؤوا بالهجمات الأميركية، إذ إنهم تلقّوا تحذيرات صريحة علنية وسرية، وفقاً لتقارير. لذلك، فمن المؤكد أنهم نقلوا جزءاً من ترسانتهم من الصواريخ والطائرات من دون طيار إلى مناطق آمنة ومتفرقة، بما قد يُمكّنهم من مواصلة شن حرب استنزاف طويلة وإلحاق الضرر بالملاحة في البحر الأحمر.

وعلى صعيد التكلفة الاقتصادية للحملة الأميركية، فإن المُسيّرات التي يُطلقها الحوثيون تُعد رخيصة الثمن. وعلى النقيض من ذلك، تُنفق قوات التحالف – وفق تقديرات صحيفة “الغارديان” البريطانية – ما يقرب من مليون يورو على كل صاروخ من طراز “أستر-15” يستخدمه الغرب لصد الطائرات الحوثية. ومن المُحتمل أن تكون هذه الحرب طويلة ومكلفة، وربما يتم شنها بمستويات مختلفة من الشدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى