​أمريكا والحاجة إلى تغيير استراتيجية المواجهة في اليمن

> طارق الشامي:

>
أصبح من الواضح لإدارة الرئيس جو بايدن ومراكز البحوث الأميركية أن إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن عبر الضربات الجوية والصاروخية غير كاف لتحقيق مصالح واشنطن في ضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة في البحر الأحمر وخليج عدن.

ولهذا بات من الضروري السعي نحو استراتيجية جديدة تشمل فرض حظر شامل في البحر، وحرمان الحوثيين من مصادر الأسلحة والتدريب والمعلومات والوسائل التي يمكن استخدامها في تعريض التجارة البحرية الدولية للخطر، فما تفاصيل هذه الاستراتيجية؟ ولماذا ارتكزت على هذه المحاور؟ وكيف يمكن لها أن تنجح في تحقيق أهدافها؟
  • بعد 40 عامًا
للمرة الأولى منذ أربعة عقود، أصبحت المصلحة الأساسية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط التي ارتكز عليها الرؤساء الأميركيون المتعاقبون والتي تتمثل في ضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة، معرضة للخطر، بعدما تمكنت جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن من مهاجمة السفن الدولية بالبحر الأحمر وخليج عدن بطائرات درون مسلحة وصواريخ متطورة مضادة للسفن، لتكرر بذلك ما فعلته إيران في مياه الخليج العربي في ثمانينيات القرن الماضي من ضرر هائل للنشاط التجاري في أحد أهم الممرات المائية في العالم.
  • خطة جديدة
وفي ظل عدم نجاح الضربات الجوية والصاروخية الأميركية والبريطانية ضد مواقع الحوثيين في تحقيق أهدافها بصورة كاملة حتى الآن، واستمرار الهجمات الحوثية على السفن التجارية، وعدم ظهور دليل واضح على إمكانية تراجع هذه الهجمات في المدى القريب في الأقل، قدمت نخبة من المتخصصين والباحثين العسكريين الذين تولوا مناصب رفيعة في القوات المسلحة الأميركية بالشرق الأوسط ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، مذكرة إلى الرئيس بايدن بخطة استراتيجية وأمنية جديدة لدراسة تنفيذها والاستفادة منها.
  • استراتيجية إيران مستمرة
وعبر تحليل الوضع الملتهب في المنطقة، يستبعد العسكريون والباحثون الاستراتيجيون أن يؤدي وقف إطلاق النار المحتمل في غزة والتوصل إلى حل دبلوماسي دائم للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الذي يمكن أن ينزع فتيل التوترات في جميع أنحاء المنطقة ويدفع عملية التطبيع العربي - الإسرائيلي إلى الأمام، إلى تغيير النظرة الاستراتيجية لدى إيران أو يوقف عملياتها المسلحة التي ترعاها وتصل إلى حد الإرهاب، بحسب وصفهم.
  • مسؤولية طهران
وعلى رغم أن الهجمات على السفن التجارية تخدم أغراضًا محلية بحتة للحوثيين، فإنه تتفق إلى حد كبير مع مخططات إيران الاستراتيجية في المنطقة، ولهذا فإن مسؤولية إيران ومساءلتها عن التصعيد الأخير ينبغي أن تكون واضحة، بينما يجب أن تكون الاستفهامات حول ما إذا كانت إيران قد أمرت "حماس" بتنفيذ هجوم السابع من أكتوبر أو أمرت الحوثيين بمهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، أو أمرت الميليشيات العراقية بقتل ثلاثة من أفراد الخدمة العسكرية الأميركية، مجرد أسئلة ثانوية.

ولا شك في حقيقة ساطعة تشير إلى أنه من دون تقديم إيران مساعدة سخية ومستمرة لوكلائها الإقليميين، بما في ذلك توفير الأسلحة والتدريب والمشورة والأموال ومعلومات الاستخبارات، لكانت تلك الهجمات إما مستحيلة أو أقل فاعلية بكثير، وإذا كانت طهران تريد حقاً وقف التصعيد، كان بوسعها وقف شحنات أسلحتها أو تبادل معلومات الاستهداف مع وكلائها، لكنها فعلت العكس.
  • أخطار استمرار التهديد
من المحتمل أن يؤدي استمرار تهديد الحوثيين المياه الإقليمية إلى إلحاق ضرر كبير بالتجارة الدولية وأسواق الطاقة بعدما أصبحت الأخطار الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المتفاقمة في البحر الأحمر واضحة بالفعل، إذ أدت هجمات الحوثيين إلى قلب التجارة العالمية رأساً على عقب وأجبرت عديدًا من السفن على تجنب قناة السويس المصرية، التي تعد طريقًا حيويًّا لنقل الطاقة والبضائع من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، بخاصة أن ما لا يقل عن 90 في المئة من سفن الحاويات التي كانت تمر عبر القناة تحول الآن مسارها للالتفاف حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح.
  • استعادة الردع
للولايات المتحدة مصلحة كاملة في منع اتساع نطاق الحرب في غزة، ذلك أن نشوب صراع عسكري طويل الأمد على مستوى المنطقة من شأنه أن يكون ضارًا خصوصًا بالأمن الإقليمي وأسواق الطاقة العالمية، ولهذا السبب فإن منع التصعيد يتطلب استعادة قوة الردع الأميركية ضد إيران.

ويعتقد المتخصصون العسكريون والباحثون أن الرسائل الأميركية المتكررة في شأن الحاجة إلى تجنب حرب أوسع في المنطقة أمر مقدر ومفهوم، لكنه يؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه في وقت ينقل فيه بشكل صحيح ما تسعى إليه الولايات المتحدة، فإنه يشير كذلك إلى درجة من التردد أو الإحجام عن التصرف، مما أدى عمليًا إلى تصاعد التهديد الإيراني، مما يحتم على الولايات المتحدة أن تركز اتصالاتها الاستراتيجية على إجبار إيران على التوقف والكف عن الهجمات.
  • مواجهة التهديد
لمواجهة التهديد الحوثي بصورة فعالة، توصي مذكرة برنامج الدفاع والأمن في معهد دراسات الشرق الأوسط بفرض حظر بحري شامل على الحوثيين عبر سبعة محاور متكاملة لتحقيق الغاية المطلوبة، وهي كالتالي:

- تكليف القيادة المركزية الأميركية بقيادة جهد مشترك لحرمان الحوثيين من الوسائل والقدرات التي تمكنهم من مهاجمة التدفق الحر للتجارة في البحر الأحمر وخليج عدن، على أن يكون هذا الجهد داعمًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي طالب الميليشيات اليمنية بالانسحاب من جميع المناطق التي استولوا عليها خلال حرب اليمن والتخلي عن الأسلحة التي استولوا عليها من الحكومة اليمنية السابقة، وهي إجراءات انتهكتها كل من إيران والحوثيين.

- تزويد هذه الجهود بقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الضرورية، وأسراب القوات الجوية الأميركية وطائرات الوقود، ودمجها مع السفن الحربية، والطائرات والوحدات الأخرى ذات المهام المحددة لتحقيق الأهداف المطلوبة.

- منح قائد الأسطول الأميركي الخامس السلطات اللازمة لإجراء دفاع جماعي عن النفس لأي سفينة ترفع علم الولايات المتحدة، أو تمتلكها أو تديرها الولايات المتحدة، أو تحمل على متنها أفراد طاقم أميركي، أو تحمل بضائع تمر من وإلى الولايات المتحدة، كما يجب أن يكون قائد الأسطول الخامس مفوضًا بالدفاع عن أي سفينة أخرى تطلب دفاعًا أميركيًّا لعبور البحر الأحمر وخليج عدن.

- تمكين القيادة المركزية الأميركية من زيادة الطلعات الجوية التي تستهدف شن هجمات على أراضي اليمن كجزء من جهد مخصص لتقليل قدرات الحوثيين.
  • هل تنجح الاستراتيجية؟
ربما تفشل استراتيجية استعادة الردع الأميركية في تغيير الحسابات الاستراتيجية لإيران أو وقف هجمات الحوثيين، لأن الانشغال بمواجهة وكلاء طهران، مع كل التحديات العسكرية والسياسية التي تنطوي عليها الجهود، قد يكون في النهاية هو ما تريده طهران، ومن الممكن أن يتطلب التأثير في حسابات إيران في شأن الكلفة والعائد اتباع نهج أكثر مباشرة وعدوانية، لكن اتباع نهج أكثر تركيزًا عليها ربما يؤدي إلى نتائج عكسية في الوقت الحالي لأنه يزيد دون داع من فرص التصعيد.

ولذلك، فإن الاستراتيجية المقترحة تترك مساحة كافية لإيران لإعادة النظر في تصعيدها المتعمد، ولكن إذا أصرت طهران على الاستمرار في هذا المسار، فيجب على الولايات المتحدة ممارسة ضغوط متزايدة ورفع الكلفة عليها من خلال ضرب مجموعة أوسع من الأهداف الإيرانية في المنطقة بما في ذلك المواقع الساحلية مثل البطاريات المضادة للسفن، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات والسفن الحربية التي تساعد الحوثيين في جمع معلومات استهداف السفن التجارية.
  • مدى التأثير
وفي حين أن ردة الفعل العسكرية الأميركية لإضعاف قدرات وكلاء إيران بخاصة الحوثيين، ليست ضعيفة، إلا أنه إذا كانت الاستراتيجية المقترحة مدعومة بموارد كافية والتزام سياسي، فإنها يمكن أن تقلل بصورة ملموسة من نفوذ طهران في المنطقة وربما تؤثر في استقرارها في الداخل، وكل ذلك بمستوى مقبول من الكلفة والأخطار على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، إذ إن التأثير الفعال في خفض قدرات الحوثيين سيشير إلى مدى عزم وصلابة الولايات المتحدة ويرسل رسالة قوية إلى طهران مفادها أن واشنطن قادرة على مواجهة أجزاء أخرى من شبكة التهديد الإيرانية.

وعلى الرغم من أهمية القوة الجوية الأميركية وحدها، فمن غير المرجح أن تعالج بصورة فعالة تهديد الحوثيين التجارة البحرية الدولية، لكن إنشاء نظام حظر شامل في البحر بالتعاون مع الشركاء في المنطقة والحلفاء الأوروبيين، لن يضعف فقط القدرات الحالية للحوثيين، ولكن سيؤثر أيضًا في خطوط إمدادهم.

إندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى