محمية الحسوة الواقع المغاير والأمل المرتقب

> علي الصبيحي

> تعاني اليوم محمية الحسوة والأراضي الرطبة في عدن من التدمير والإهمال وبسبب العوامل البشرية تحولت هذه المنطقة الخضراء الساحرة إلى شيء عكسي وواقع مغاير لما كانت عليه، فأشجار البهش الجميلة تعرضت للقطع غير المسؤول وتيبس عدد كبير منها وتم تجاهل الاحتياجات البيئية للمحمية التي غدت مجرد أطلال مهجورة تجتاحها الروائح الكريهة وتجوب فيها الكلاب الضالة منذ سنوات.

تعد محمية الحسوة الطبيعية والأراضي الرطبة في عدن واحدة من الجواهر الطبيعية النادرة التي تعج بها البلاد. تتميز هذه المحمية بجمالها الخلاب وأهميتها البيئية الكبيرة، إذ تعتبر واحة خضراء تحتضن تنوعًا بيولوجيًا فريدًا وتضفي أشجار البهش الكثيفة الموجودة في المحمية جمالا لا يضاهى على المكان حيث تتداخل أغصانها الخضراء لتشكل سقفًا طبيعيًا يقي الزائرين من حرارة الشمس الحارقة.

134738
تتوافر أيضًا بحيرات وأنهار صغيرة تجري في المحمية ما يعزز روعة المشهد الطبيعي ويخلق بيئة مثالية للحياة النباتية والحيوانية.

مثالية الجذب


محمية الحسوة هي موطن للعديد من الطيور المهاجرة والمستوطنة حيث تجذب هذه البيئة الخصبة العديد من الأنواع المختلفة من الطيور الجميلة والنادرة المبهجة التي تملأ السماء كما تعد المحمية موطنًا للعديد من الكائنات الحية الأخرى مثل الزواحف والثدييات الصغيرة ما يجعلها أرضًا مثالية للدراسات العلمية والبحوث البيئية.

تصنيفها الطبيعي


تصنف محمية الحسوة الطبيعية ضمن محميات الأراضي الرطبة الاصطناعية كونها نتجت عن تصريف مياه الصرف الصحي المعالجة في الأراضي القريبة من الساحل وكان جزء منها أراضي رطبة طبيعية استخدمت في الماضي كأحواض لإنتاج الملح.

منتهى السهل الفيضي

تقع محمية الحسوة في نهاية دلتا السهل الفيضي للوادي الكبير (وادي بنا) الممتد من المناطق الوسطى شمال محافظة لحج مرورا بمناطق محافظة لحج والوهط وبئر أحمد وينتهي في مناطق الحسوة المهرام حتى مصبه النهائي في خليج التواهي.

معنى كلمة الحسوة


الحسوة في اللغة هي الأرض الوفيرة الماء حيث يتواجد بالقرب من السطح وعلى أعماق قليلة.

وماتزال الحسوة تتمتع بهذه السمة حيث يمكن أن يوجد الماء على عمق أربعة أذرع تزداد ملوحته كلما اقتربنا من الساحل، ويقال إن جيش الاحتلال البريطاني كان يحصل على جزء من احتياجاته المائية من تلك المنطقة مقابل مبالغ نقدية كان يسددها لحاكم المنطقة آنذاك والذي كان من قبيلة العقارب بعد شراء المنطقة من سلطان لحج وحفر الآبار في أعلى الدلتا بالمنطقة المعروفة ببئر أحمد وما تزال أحواض المياه الجوفية في تلك المنطقة حتى اليوم وتغطي احتياج سكان عدن من مياه الشرب.

النشأة والتكوين


قال م. فيصل الثعلبي رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، إن محمية الحسوة البيئية لم تكن موجودة في السابق وذلك ملاحظ من طبيعة تخصيب الأراضي فهي كانت عبارة عن منطقة أحواض ملح وبدأت عملية الزراعة فيها مع منتصف سبعينيات القرن الماضي بتأسيس محطة معالجة الصرف الصحي (الحزام الأخضر) وبدأت المياه تتسرب إلى داخل المحمية وبدأ عدد من المستفيدين زراعة بعض الأشجار مثل أشجار نخيل البهش (الطاري) المستخدم في صناعة الخل وتشكلت مجاميع نباتية ساعد في ذلك موقع المحمية الفريد

كونها تقع في الفيض النهائي للسيول التي تفيض من منطقة بئر أحمد ما أسهم في تشكل غطاء نباتي كثيف شبه غابة بفضل وجود محطة معالجة مياه الصرف الصحي التي تعمل على فلترة المياه قبل وصولها إلى البحر.

الأهمية وتعدد المنافع

أكد م. الثعلبي أن محمية الحسوة الطبيعية ذات أهمية بيئية واقتصادية واجتماعية البيئية تمثلت في وجودها في الفيض النهائي مع وجود محطة معالجة مياه الصرف الصحي ما جعلها تعمل على تنقية الأتربة من المياه والمخلفات ومنع دخولها إلى البيئة البحرية إضافة إلى كونها موئل لعدد من التنوع الحيوي أكانت الطيور

أو غيرها كما تشكل المحمية أكبر غطاء ملحي في عدن يضم أكثر من 33 نوع وهي مركز لغذاء العديد من الطيور المهاجرة من أوروبا وإفريقيا في فترة الشتاء وتم رصد أكثر من 80 نوع منها المستوطنة وأخرى مهاجرة أهمها أبو نورس الأبيض وأبو العقبان والفلامنجو.

منطقة جذب سياحي اقتصادي

لفت م. الثعلبي إلى أن محمية الحسوة الطبيعية منطقة جذب سياحي وذات فائدة اقتصادية تتمثل في نبات البهش الداخل في العديد من صناعات الموروث التقليدي (السعف - الزناببل - السلق) وكانت توجد جمعية نسوية خاصة بصناعة ذلك من منطقة الحسوة إضافة إلى العائد الاقتصادي للرجال العاملين في صناعة الخل المستخلص من أشجار البهش بحكم تواجده كأكبر قطاع نباتي في محمية الحسوة التي يستفيد أيضا من جهتها الغربية المزارعون من خلال زراعة الأعلاف وعملية الاحتطاب.

مراحل التأسيس

أكد م. فيصل الثعلبي على أن مرحلة التأسيس في محمية الحسوة كانت ما بين العام 2005 و2007م وتضمنت إعادة تشكيل المحمية وعمل مسارات واستراحات وبناء برج وبناء مشتل وخزانات مياه وتشكيل مسارات ترتيب أماكن لسياحة البيئة وما أن تم افتتاحها كانت منطقة جذب سياحي ومتنفس للأهالي ومصدر دخل للقائمين على إدارتها .

الحسوة مقاييس عالمية

قال م. فيصل الثعلبي "في 2008م تم إعلان محمية الحسوة كمحمية رقم 8 على مستوى العالم ضمن الأراضي الرطبة وجاء فريق من الولايات المتحدة لزيارتها وأنتج فيلم عن محمية الحسوة باعتبارها ذات أهمية بيئية حيوية غير عادية".

الأراضي الرطبة في عدن

أوضح م. فيصل الثعلبي بأن عدن تتميز بتعدد البيئات الحيوية هناك الأراضي الرملية وهناك الخلجان والمناطق الساحلية لكن الأراضي الرطبة في عدن والمعلنة رسميا وفق القانون بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (249) لسنة 2008م هي (بحيرة البجع - المملاح - محمية الحسوة - خور بئر أحمد الفارسي).

محطة المعالجة

أوضح م. الثعلبي بأن تزايد عدد السكان و الضغط الاقتصادي والاجتماعي انعكس تأثيره سلبا على محطة معالجة مياه الصرف الصحي في المحمية مما أدى إلى توقف عملها مشيرا إلى الطاقة الاستيعابية للمحطة 15 ألف متر مكعب بينما الذي يصل إليها حاليا من 30 إلى 40 ألف متر مكعب مما أفقدها القدرة في معالجة المياه وأضحت المحمية ملوثة وهذا ما دفع الهيئة العامة لحماية البيئة بإيقاف زيارة المحمية حرصا على سلامة الناس حتى يتم التأهيل الشامل.

تباشير التأهيل

كشف م. فيصل الثعلبي رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة عن مشروع ضخم لإعادة تأهيل محمية الحسوة الطبيعية قبل منتصف العام 2024م الجاري.

وقال م. الثعلبي "كانت محمية الحسوة الطبيعية من أجمل ما تكون خلال الأعوام 2012-2015م إلا أنها تدهورت وتدمرت كليًا جراء الحرب وساعد في تردي أحوالها والقضاء على البنية التحتية لها قلة الوعي لدى الناس وحاليا هناك مشروع ضخم جدا من مرفق البيئة العالمي وتم تخصيص مبلغ كبير من ميزانية مشروع الأراضي الرطبة لتأهيل محمية الحسوة بشكل كامل قبل منتصف العام 2024م بإذن الله وقد نفذ الفريق الفني التابع لمرفق البيئة العالمي نزولا ميدانيا للمحمية ووضع تقيمه النهائي لعملية التأهيل، إضافة إلى تدخلات جميلة للملاح ومحمية البجع وستعود محمية الحسوة أفضل مما كانت عليه".

محمية العزيزي مهددة بالانقراض

أكد م. فيصل الثعلبي رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة أن جزيرة العزيزي في منطقة عمران غرب البريقة هي محمية طبيعية وموطن السلاحف نوع القاريات الصغر على مستوى العالم ضمن 7 أنواع.

لافتًا إلى أن العزيزي أضحت المحميات المهددة بالانقراض بسبب السلوكيات الخاطئة التي تهدد موطن السلاحف التي لها خاصية أبهرت العلماء فهي تطوف كل دول العالم لكنها تعود لتضع بيضها في نفس الشاطئ الذي ولدت فيها فهي قد تغيب أعواما لكنها تعود وقت وضع البيض لموطنها الأول إلا أن بعض السلوكيات الناتجة من قلة الوعي دفعت بالكثير لارتكاب جريمة ذبحها مع إنها الوحيدة المتبقية من جيل الديناصورات المنقرضة.

داعيًا الصيادين إلى تجنب العبث بالسلاحف من أجل الحفاظ على نسلها، مشددا على ضرورة حماية محمية الحسوة وتبني مشاريع جادة لجعلها محمية عالمية.

النقيض المغاير


أ. محمد عبدالله سعد المستشار البيئي لهيئة حماية البيئة لفت إلى أن أضرارا كبيرة حدث للمحميات والأراضي الرطبة بعد حرب العام 2015 وأضحت اليوم نقيضًا مغايرًا عما كانت عليه من بين ذلك محمية الحسوة التي غدت بيئة غير صالحة تنبعث منها الروائح الكريهة.

مشددا على ضرورة إعادة تأهيل محمية الحسوة التي كانت ترتكز على كورزون تبدأ من أحواض كابوتا وتنتهي في المحمية.

وأشار المستشار البيئي إلى أن جزء من محمية الحسوة تحول إلى مكب للنفايات ( ترازيشن ) نقطة تحويلية بعد إغلاق مقلب بئر النعامة لافتا إلى أن وجود مكب نفايات في محمية الحسوة يخدش الجمال مشددا على ضرورة إيجاد حلول لمكب النفايات ومعالجة مشكلة الصرف الصحي لتعود المحمية مزارًا ملائمًا للعائلات ومركزًا سياحيًا اقتصاديًا وفق المعايير العالمية.

الأراضي الرطبة وفقًا لاتفاقية رامسار

هي مناطق مستنقعية أو سبخات أو مياه سواء كانت طبيعية أو صناعية دائمة أو مؤقتة مياهها ساكنة أو جارية عذبة أو ضاربة في الملوحة بما في ذلك المياه البحرية التي لا يتجاوز عمقها عند الجزر ستة أمتار وتشمل أيضا الوديان والواحات.

واتفاقية رامسار هي معاهدة دولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة من أجل وقف الزيادة التدريجية لفقدان الأراضي الرطبة في الحاضر والمستقبل.

استعادة روح الطبيعة

إن تحوّل محمية الحسوة الطبيعية والأراضي الرطبة من مزار سياحي ولوحة خضراء مدهشة إلى هذا النقيض المأساوي يعكس الإهمال واللاحقية في التعامل مع الثروات الطبيعية. يجب أن يتم التركيز على حماية واستعادة هذه المحمية الثمينة لتعود إلى مجدها السابق وتستعيد رونقها كواحدة من أجمل المناطق الطبيعية في عدن. يجب أن يتحمل الجميع المسؤولية في المحافظة على هذه البيئة الهامة وتوعية الناس حول أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي والحياة الطبيعية.

ومن خلال الجهود المشتركة يمكننا استعادة مجد هذه المحمية وتحويلها مرة أخرى إلى مزار سياحي مذهل وملاذ للحياة البرية.


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى