صحيفة: جهود سلطنة عمان التيسيرية مع الحوثيين تتعثر

> مسقط "الأيام" العرب اللندنية:

>
​فيما تستمر المناوشات المنبثقة من الحرب في غزة بالانتشار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، قد يكون من المتوقع أن يضطلع الدبلوماسيون العُمانيون بدورهم المعتاد في نزاعات الخليج، من خلال التحدث مع الجميع والسعي إلى جذب أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات في محاولة لتأمين الاستقرار الإقليمي.

لكن الظروف الحالية مختلفة، وتشير مسقط إلى أن انخراطها المتجدد يتطلب تحرك الجهات الفاعلة الأخرى.

وتندرج جهود التيسير العُمانية ضمن تقليد قديم قائم على التسامح وضبط النفس، تجلى عند تشكل المذهب الإباضي في الإسلام على يد الذين لم يرغبوا في الانحياز إلى أي طرف في ما أصبح يُعرف لاحقا بالخلاف بين الشيعة والسنّة.

وتماشيا مع هذا التقليد، عمل السلطان قابوس خلال فترة حكمه بنجاح وتكتم على تيسير التسويات بين الكثير من الأطراف الأجنبية المتناحرة مع بعضها البعض، بما في ذلك استضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارة قام بها في أكتوبر 2018. 

وتعهد خلفه السلطان هيثم بن طارق بمواصلة دور الوسيط الودي والمساعي الحميدة في أول خطاب له عند تبوئه العرش خلفا لقابوس في عام 2020، وواصلت السلطنة القيام بذلك في العديد من المواقف.

ولكن في نزاع غزة الحالي، تُعد قطر الشريك المفاوض الطبيعي بين إسرائيل وحماس، لاسيما وأن الدوحة استضافت حماس ودعمت وجودها لسنوات كثيرة. 

وقد تبنت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدوحة وجهة نظر الحركة في تغطية الوضع في غزة، ومن غير المستغرب أن قيادة حماس أصبحت تعتمد بدرجة معينة على مضيفتها. وفي المقابل، واجهت عُمان مشاكل مع حماس في الماضي، بحيث قامت بتفكيك خلية تابعة للحركة على أراضيها في منتصف تسعينات القرن الماضي.

ويرجح جوناثان كامبل جيمس، العضو السابق في "فيلق استخبارات الجيش البريطاني" في لبنان والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، في تقرير نشره معهد واشنطن، أن تكون عُمان في وضع أفضل للتعامل مع الإيرانيين والحوثيين.

فالدبلوماسيون العُمانيون يتمتعون بعلاقات عمل وثيقة مع نظرائهم الإيرانيين ويصف كبار المسؤولين العُمانيين علاقاتهم الثنائية مع إيران بأنها ودية وقائمة على الثقة التي بنيت على مدى سنوات كثيرة.

ويعكس النهج الإيجابي الذي تتبعه عُمان تجاه إيران الحقائق الجيوسياسية في الخليج: إيران هي قوة مهيمنة، ولا تلقى إستراتيجيتها المتعلقة بنفوذها الإقليمي معارضة تُذكر من قبل الجهات النافذة للتصدي لها.

وبما أن جهود التيسير التي تبذلها عُمان تقوم على التكتم، لم تظهر تفاصيل تُذكر عن الدور العُماني في اتصالات إيران مع خصومها السياسيين في الأشهر الأخيرة. 

لكن إيران اعترفت بأنها كانت على تواصل مستمر مع الولايات المتحدة، وبدون علاقات دبلوماسية قائمة بين البلدين، تمرّ على الأرجح هذه الاتصالات إما عبر السفارة البريطانية في طهران أو عن طريق العُمانيين، ولكن على الأرجح من خلال مزيج من الاثنين.

ويتعزز موقف عُمان بالنسبة إلى إيران، دعما لهذه الاتصالات، من خلال إدانة عُمان للهجمات الأميركية والبريطانية المضادة للطائرات بدون طيار على مواقع الحوثيين في اليمن، ومن خلال رسائل أخرى من جانب مسقط تؤكد حق الفلسطينيين في إقامة دولة.

ويلف التكتم أيضا دور عُمان في التبادلات بين الحوثيين وخصومهم. فالحوثيون يمارسون دبلوماسيتهم العامة بواسطة مكبرات الصوت والخطابات العدائية التي يصدح بها المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع وعضو المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” محمد البخيتي.

وفي المقابل، تمر القناة المعتمدة للحوار الجدي عبر محمد عبدالسلام، كبير مفاوضي الحوثيين وعضو المكتب السياسي، الذي غالبا ما يتم رصده في مسقط وليس في صنعاء. 

وهذه هي القناة الدبلوماسية التي كادت أن تفضي إلى تسوية للحرب الأهلية اليمنية طويلة الأمد، ولكن يبدو أن هذه التسوية باءت اليوم بالفشل من جراء تداعيات النزاع في غزة.

ومن الواضح أن لعُمان مصلحة في مواصلة دور الوسيط ومساعيها الحميدة مع الحوثيين. ويمكن إعادة إحياء التسوية المحتملة للحرب الأهلية، إذ لا تزال لدى عُمان مصلحة أمنية قوية في استقرار اليمن على حدودها الغربية ومصلحة اقتصادية في تعزيز التجارة مع جارها.

وعلى غرار دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تعاني عُمان من جراء تحويل مسارات سفن الشحن بعيدا عن قناة السويس ليس بسبب زيادة تكاليف الشحن فحسب، بل أيضا بسبب خسارة حركة الملاحة من السويس إلى آسيا عبر صلالة، والتي جعلت هذه الأخيرة ثاني أكثر الموانئ نشاطا في الشرق الأوسط. 

كما ستتعطل الصادرات المتجهة غربا من مصفاة الدقم الموسعة حديثا.

ولكن في حين تملك عُمان عوامل محفزة قوية لتساعد في تهدئة الحوثيين، من الواضح أن مسقط تعتقد أنها لا تستطيع القيام بذلك طالما أن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم تُحل. 

وأكد وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي في خطاب ألقاه في أكسفورد في الخامس عشر من فبراير، قناعته بأن تسوية النزاع في غزة وتحقيق الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة يعتمدان بشكل حاسم على تلبية التطلعات الفلسطينية والإسرائيلية والتوفيق بينها.

وفي هذا الإطار، فإن السعي إلى القيام بتحسينات مؤقتة للوضع قد يعيق حتى تحقيق الطموح طويل الأمد بإرساء الاستقرار الإقليمي. ولذلك، صرّح البوسعيدي في اجتماع أكسفورد بأنه بينما كان يتمنى أن يدعي بحصول مفاوضات خلف الكواليس، إلا أن الواقع كان مختلفا.

وفي حين أن هكذا تصريح قد يكون متوقعا في العلن، إلا أن ما يدور في الكواليس لا يبدو مختلفا. ويبدو أن الوقت لم يحن بعد للمضي قدما في جهود التيسير مع الحوثيين، كما أن محاولة فعل ذلك من شأنها أن تستهلك رأس المال السياسي الذي سيكون ضروريا للغاية في المستقبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى