الإعلام والقادة

>
المدارس الإعلامية (الرئيسية) بمختلف وسائطها المقروءة والسمعية والمرئية. تتعدد، ولكل منها خصائصها التي تميزها عن غيرها من المدارس. ولهذه المدارس الإعلامية رواد وأسماء تركت بصماتها على طريقة أداء كل مدرسة إعلامية في هذه الدولة أو تلك، طبقًا ومدى أفق حريات العمل السياسي الذي تتيحها القوانين في تلك البلدان.

وتنوعت تلك المدارس من حيث جرأة الطرح والمصداقية ودرجة الإثارة الخبرية وشفافية النشر للمضامين الخبرية. ونحن هنا في الركن من الجزيرة العربية وخصوصًا في عدن تحديدًا، التي كانت تدار سياسيًّا من المستعمر البريطاني، وتُحكم بالقوانين البريطانية، التي كانت تحمل نفسًا ديمقراطيًّا يعترف بحرية العمل السياسي وبالتالي حرية الرأي والكلمة وحرية الصحافة، لذلك كان مستوى حرية الصحافة متقدمًا كثيرًا عن معظم العواصم في الدول العربية.

وسبقت عدن غيرها من العواصم العربية بمسافات كبيرة، وتبلورت أسس ما يمكن أن نسميه المدرسة الصحفية العدنية.

لكن هذه المدرسة الصحفية انهارت بعد ظهور جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في 30 نوفمبر 1967 وبناء النظام السياسي الأحادي/ الأوحد، وإنكار كل رأي مخالف بل وتجريمه في الشطر الشمالي من اليمن، كانت الأمور شبيهة بما هو في الجنوب بل وربما أسوأ.

 جاءت الوحدة اليمنية، وربما لاتزان القوى بين الشطرين أُتفق على مبدأ حرية الرأي، وكذا الصحافة وآل ذلك الاتفاق إلى لا شيء، بعد حرب احتلال الشمال للجنوب 1994 وبالذات فيما يتعلق بالصوت الجنوبي، الذي حوصر ومنع عن حقه في التعبير. جاءت الثورة التكنولوجية المعلوماتية في العقد الأخير من القرن العشرين، وظهرت معه جيوش جرارة من ممتهني الإعلام واختلط الحابل بالنابل، وغابت وتلاشت تلك المدارس الإعلامية، التي كان الإعلامي يتنقل تدريجيا في مستوياتها ليتشرب مبادئها وأدبياتها. غابت أخلاقيات المهنة لدى الكثيرين إلاّ من رحم ربي.

وتلى ذلك ظهور المواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح السواد الأعظم من الناس، يمارسون العمل الإعلامي بكل مستوياته، الموجّه والكاذب والصادق والمخادع والدعائي والتابع والمأجور إلخ. تشوشت العقول، وغابت القواعد والقوانين والأخلاق والمصداقية، وانخفض مستوى الاحترافية، وتدنت أخلاقيات المهنة للإعلاميين في نسبة كبيرة منهم - إلاّ قليلٍ منهم - وأصبحنا نرى الكذب والغش والتدليس في معظم ما نقرأه ونشاهده ونسمعه، وساعدت البرمجيات التقنية على تسريع ذلك الانهيار في مصداقية المادة الإعلامية.

وللتدليل على ما نقول، فإنه مما يدعو للانزعاج والدهشة لدى المتلقي، أن يجد المرء أخبارًا تملأ شاشاتنا وصحفنا، مفادها أن القائد أو المسؤول سين قد زار الوزارة أو المؤسسة العلانيّة والتقى بالوزير ص أو المدير المعني ميم، وأن س قد وجّه الوزير ص أو المدير المعني ميم باتخاذ الإجراءات الكفيلة بخدمة المواطن في المجال المعني. وكأنما ذلك القائد قد اكتشف قانون الجذب الكوني الذي سبق أن تم اكتشافه قبل أكثر من أربعمائة سنة. هل أتى هذا القائد بمعجزة كي يُحتَسَب له توجيهه كمنجز بطولي؟.

ومن الناحية الأخرى هل الوزير ص أو المدير ميم، لا يدركان بأنهما من موقع مهمتيهما، مكلفان رسميا بإدارة وتنظيم وتأمين الخدمة المناطة بهما للمواطنين، حتى يتم تذكيرهما بها؟

يا جماعة أوصلَ بنا غياب المنطق وعدم احترام عقول المواطنين إلى هذا المستوى من التدني في التفكير؟ اتقوا الله فينا ورمضان كريم على الجميع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى