الأمام الشافعي والخليفة

> جاء في بعض الروايات عند ابن عبد البر قال: "دخل الشافعي ومن معه من العلويين على الرشيد، وكان دخولهم واحدا واحدا، يكلم أحدهم وهم يسمعون من خلف الستر. قال الشافعي: إلى أن بقي حدث علوي من أهل المدينة وأنا، فقال للعلوي: أأنت الخارج علينا والزاعم أني لا أصلح للخلافة؟ فقال العلوي: أعوذ بالله أن أدعي ذلك أو أقوله، قال: فأمر بضرب عنقه، فقال له العلوي: إن كان لا بد من قبلي فأنظرني أكتب إلى أمي بالمدينة فهي عجوز لم تعلم بخبري، فأمر بقتله، فقتل، ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه، فقال لي مثل ما قال للفتى، فقلت: يا أمير المؤمنين لست بطالبي ولا علوي، وإنما دخلت في القوم بغيا عليهم، وإنما أنا رجل من بني المطلب بن عبد مناف من قصي، ولي مع ذلك حظ من العلم والفقه، والقاضي بن الحسن يعرف ذلك، أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.

فقال لي: أنت محمد بن إدريس؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ما ذكرك لي محمد بن الحسن. ثم عطف على محمد بن الحسن، فقال الرشيد: يا محمد ما يقول هذا، هل هو كما يقوله؟ قال القاضي: بلى وله من العلم محل كبير، وليس الذي رفع عليه من شأنه. قال: فخذه إليك حتى أنظر في أمره.

قال ابن كثير: فحمل الشافعي على بغل في قيد إلى بغداد، فدخلها في سنة 184 وعمره 34 سنة، فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد، وأحسن القول فيه محمد بن الحسن، وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه، وأنزله محمد بن الحسن عنده، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة أو سنتين، وأكرمه محمد بن الحسن.

وكان الإمام الشافعي معظما لمحمد بن الحسن تمام التعظيم مع ما يجري بينهما من مناظرات وخلافات مشهورة بين المذهبين، فالشافعي -رحمه الله- على مذهب أهل الحديث، ومحمد بن الحسن -رحمه الله- على مذهب أهل الرأي، ومعلوم ما بين المذهبين من اختلاف، ومع هذا يقول الشافعي عن محمد بن الحسن: ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيت الكراهة في وجهه إلا محمد بن الحسن.

رحلته إلى مصر

كانت نفسه تتوق إلى مصر رغما عنها، وكان لا يدري حقيقة هذا الرغبة، ولكنه استسلم أخيرا لقضاء الله، وخرج من العراق إلى مصر، وفي ذلك يقول:

لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونــها أرض المهامـه والقفـر

فـو الله ما أدري أللفـوز والغـنى أساق إليها أم أساق إلى القبر

وحين قدم الشافعي -رحمه الله- مصر ذهب إلى جامع عمرو بن العاص، وتحدث به لأول مرة، فأحبه الناس، وتعلقوا به. قال هارون بن سعيد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي قدم علينا مصر، فقيل: قدم رجل من قريش، فجئناه وهو يصلي، فما رأينا أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه، فلما تكلم ما رأينا أحسن كلاما منه، فافتتنا به، وهناك برز للناس علم الشافعي وسعة اطلاعه واستفاد هو من رحلاته، وعمد إلى كتبه التي كتبها من قبل يراجعها ويصحح ما أخطأ فيه، ورجع عن كثير من أقواله، وأظهر مذهبه الجديد، وأعاد تأليف كتبه ولازمه كثير من العلماء الذين أثر فيهم علم الشافعي ومنهجه، وحرصه على متابعة السنة.

*مما مضى من سيرة الشافعي نستفيد الدروس الآتية:

في نصيحة الرجل الزهري خير عظيم ترتب للشافعي والأمة، فتظهر أهمية النصح الصادق لخير الأمة، وأهمية الاستجابة لهذا النصح الكريم.

في والدة الشافعي نموذج للأم الصالحة التي تستحق الاقتداء بها وتقديرها، فرغم فقرها وحاجتها، فإننا نراها كيف تبذل وتضحي في سبيل تعليم ابنها، وقد أقر الله عينها، فرأت ثمار تعبها في هذا الإمام العظيم.

التلطف وحسن الخلق في النصح، وحسن المدخل عندما قال الرجل الزهري: يا أبا عبد الله يعز علي ألا تكون في العلم والفقه هذه الفصاحة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى