بأوامر حوثية... رمضان بلا "تراويح" للنساء هذا العام

> غدير عبدالله

> "لا أجيد القراءة والكتابة، لهذا أنتظر شهر رمضان بشغف من أجل الذهاب إلى المسجد وأداء صلاة التراويح والاستماع إلى القرآن الذي لا أحفظ منه سوى سور قصيرة"، بهذه الكلمات تعبّر ابتسام عبده (66 عامًا)، من صنعاء، عن خيبة أملها وحزنها جراء منع جماعة الحوثي لها ولجاراتها من دخول مسجد التقوى القريب من منزلها، في منطقة نقم، لأداء صلاة التراويح كما اعتدن في شهر رمضان من كل عام.

تقول لرصيف22 إن اعتراضها اليائس على هذا التعنت الحوثي في اليوم الأول من شهر رمضان، الذي صادف الحادي عشر من مارس 2024، قوبل بتعنيفها من قبل أحد عناصر الميليشيا المسلحة، إذ أخبرها بأن عليها كامرأة أن تلزم منزلها ولا تخرج منه وبأن بوسعها أداء صلواتها هناك. تتحسر: "حتّى بيت الله لم يعد بوسعنا الذهاب إليه".

في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تحرم النساء من ارتياد المساجد في رمضان هذا العام بسبب رفض عناصر حوثية صلاة النساء بالمساجد، أو إغلاق المساجد القريبة من منازلهن، أو تخصيصها للرجال فقط.


وهذا ما أثار غضبهن كونهن لا يذهبن في الأيام العادية إلى المساجد لأداء الصلوات اليومية أو حضور خطب الجمعة بسبب ثقافة المجتمع القبلية والدينية التي تمنع ذلك. وتسمح به فقط خلال رمضان حيث تجد النساء في المساجد خلال هذا الشهر، مكانًا مناسبًا للترفيه عن أنفسهن، وقضاء بضع ساعات بعيدًا عن منازلهن ومهامهن المنزلية الشاقة.

يحدث ذلك في وقت لم يصدر أي بيان أو قرار مكتوب من الحوثيين يشير إلى منع صلاة النساء بالمساجد، كما لم يتم رصد أي تصريح لمسؤول أو رجل دين مرتبط بالجماعة يؤكد أو ينفي الأمر، وهو ما يعده البعض جزءًا من سياسية الجماعة المتمثلة في تمرير قراراتها وتنفيذها بحيث تصبح روتينًا حياتيًا.

"لن تجد منظمة ناشطين يغامرون بطرح هذا الموضوع، لأنهم سيواجهون بقوة من قبل غالبية أفراد المجتمع، وقد يلاحقون من قبل الحوثيين ويُزج بهم في السجن"... الحوثيون يمنعون نساء في مناطق سيطرتهم من صلاة التراويح في المساجد طيلة شهر رمضان، ويعتدون على بعضهن

الرجال أيضًا

بوجه عام، ترى ميليشيات الحوثي في صلاة التراويح "بدعة" وقد حاولت منعها بالقوة وبشتى الطرق منذ سيطرتها على العاصمة اليمنية وأجزاء من البلاد عام 2014. فمنعت استخدام مكبرات الصوت أثناء التراويح أولًا، ثم منعتها في مساجد بعينها مثل المساجد التي يديرها سلفيون خشية انتهاز التجمعات والتحريض أو الحشد ضدها. ثم استبدلوها بـ"برنامج ديني رمضاني" من إعدادهم يتضمن، في كل منطقة، كلمة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أو أي مسؤول حوثي بارز آخر تتمحور حول تصورهم للشريعة والمستجدات السياسية.

قبل أيام، وقعت اشتباكات مسلحة إثر فضّ عناصر حوثية صلاة التراويح في مسجد "عمر بن الخطاب" في شارع تعز بصنعاء بالقوة، واشتباكهم مع إمام المسجد، الشيخ صالح طعيمان، وفق ما أفاد به ناشطون يمنيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع محلية. سبب فضّ الصلاة هو "إطالتها" حتى تعارضت مع الكلمة اليومية لعبد الملك الحوثي. تكرّر الاشتباك في مسجد أبو بكر الصديق، وسط العاصمة.

وقال ناشطون عبر الإنترنت إن تهمة "إطالة الصلاة" باتت توجّه بشكل متكرّر لشيوخ المساجد الذين لا يقبلون بث كلمة زعيم الجماعة أو يطيلون صلاة التراويح بحيث تتزامن مع الكلمة. في حين يُسمح بحرية أداء "التراويح" في المساجد التي تدعو لقادة الميليشيا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟ هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديدًا، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يدًا بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

ليصدح صوت المرأة من منبرنا!

تعقيبًا على هذه السياسة، صرح وزير الأوقاف والإرشاد في الحكومة المعترف بها دوليًا، محمد بن عيضة شبيبة، في تصريحات إعلامية، إن الجماعة تحاول بذلك "أن تجبر الناس بالقوة على أفكارها وطقوسها ومشروعها" بأن "تضيّق على اليمنيين في دينهم ودنياهم".

منع النساء لا يهم أحدًا

وفي حين حدثت اشتباكات ورفض اليمنيون محاولات منع الرجال من صلاة التراويح بالمساجد، لم يلقِ أحد بالًا لتضرر النساء من منعهن من صلاة التراويح في المساجد، ما يضيف بعدًا تمييزيًا على هذا القمع.

بوجه عام، ترى ميليشيات الحوثي في صلاة التراويح "بدعة" وقد حاولت منعها بالقوة وبشتى الطرق منذ سيطرتها على العاصمة اليمنية وأجزاء من البلاد عام 2014. فمنعت استخدام مكبرات الصوت أثناء التراويح أولًا، ثم منعتها في مساجد بعينها مثل المساجد التي يديرها سلفيون خشية انتهاز التجمعات والتحريض أو الحشد ضدها. ثم استبدلوها بـ"برنامج ديني" من إعدادهم يتضمن كلمة لعبد الملك الحوثي.

وقد أظهر مقطع فيديو متداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم 21 مارس الجاري، اقتحام عناصر من الحوثيين منزل في أرحب (شمالي اليمن)، والاعتداء على مجموعة من النساء. يُعتقد أن المنزل تتجمع فيه نساء لصلاة التراويح جماعة بعد منعهن من فعل ذلك في المساجد القريبة من منازلهن. لم يتسن لرصيف22 التحقق من سبب الاعتداء على النساء لكنه شكل آخر لانتهاكات الجماعة المتشددة بحق اليمنيات على أي حال.

يُسمع في الفيديو صوت امرأة تقول: "هؤلاء أنصار الله يتهجّمون علينا في شهر رمضان… حاصروا بيوتنا وانتزعوا أبوابنا". كما يمكن سماع صوت مسلّح حوثي وهو يقول محذرًا: "هذه هي المرة الأخيرة".

ذكورية المجتمع تساعد على قمع النساء

يقول لرصيف22 معتز الشرجبي، ناشط ومدرب في مجال النوع الاجتماعي والمناصرة من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، إن "إغلاق المساجد يرتبط بالذكورية وليس بالدين، لأن الشعائر الدينية ليست مرتبطة بالمسجد بشكل أساسي ولا توجد أدلة واضحة تحرم صلاة النساء في المساجد. لكن مع تغير التنشئة المجتمعية، تلعب القناعات دورًا في بناء مفاهيم يمكن أن تُصبح شبيهة بالعقيدة والتوجيه الديني. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤثر التقليد الاجتماعي للرجال والمجتمع بشكل عام على عدم ذهاب النساء إلى المساجد".

ويشير إلى أن تركيز وسائل الإعلام على مساجد الرجال دون التطرق إلى إغلاق المساجد أمام النساء: "يعكس تفضيلها تغطية القضايا المتعلقة بالرجال على حساب النساء، ما يمكن عده تمييزًا وانتهاكًا لحقوق النساء في المشاركة بالشؤون الدينية والمجتمعية".

يتفق مع هذا الرأي أستاذ علم الاجتماع والباحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني، عبد الكريم غانم، الذي يقول لرصيف22 إن منع النساء من الذهاب إلى المساجد لأداء الصلوات لا يتعلق بالدين بقدر ما يتعلق بالثقافة الاجتماعية.

وهو يرى أن للمرأة الحق في أن تقرر أين يمكنها أن تصلي، في المسجد أو المنزل: "إلا أن المعايير الاجتماعية التقليدية لا تقر بهذا الحق، وقلما تتساهل مع ارتياد المرأة للمسجد ومشاركتها في صلاة الجماعة. فالمسجد، وفقًا للثقافة الاجتماعية، هو واحد من الأماكن العامة التي ينحصر ارتيادها على الذكور دون الإناث".

ويذكر أن النزعة الذكورية والالتزام بالثقافة التقليدية تسيطران على المجتمع اليمني، والتشدد فيهما يتفاقم في أوقات الأزمات والحروب "إذ تتراجع مقوّمات استقلال المرأة اقتصاديًا، وبالتالي تقل قدرتها على اتخاذ القرارات، ويصبح تحركها محكومًا بموافقة الذكور أو رفضهم، بما في ذلك صلاتها في المسجد".

ناشط مدنيٌ من صنعاء، طلب عدم الإشارة إلى اسمه لأسباب أمنية، يقول إن قرار الحوثيين منع دخول النساء إلى بعض عدد من المساجد، يمكن أن يتحول إلى عرف متبع مستقبلًا، بحيث تفرض عقوبات على المرأة في حال خالفته.

وفق رؤيته، فإن ذلك يتماشى مع الفكر القبلي السائد في المجتمع والذي يفرض قيودًا صارمة على حركة المرأة خارج نطاق المنزل لذا "لن تجد منظمة أو ناشط/ين يغامر/ون بطرح هذا الموضوع، لأنهم سيواجهون بقوة من قبل غالبية أفراد المجتمع، وقد يلاحقون من قبل الحوثيين ويُزج بهم في السجن".

ثريا (29 عامًا)، ربة منزل من منطقة سعوان، تقول إن مصلى النساء في مسجد أبو القاسم، أصبح مكانًا للمحاضرات الدينية الخاصة بالرجال، مبرزةً أنها وشقيقتها اضطرتا إلى قطع مسافة طويلة حتّى مسجد قباء لأداء الصلاة التي يسمح بها هناك، منوهةً "لكن والدتي لم تتمكن من الانضمام إلينا بسبب كبر سنها وخوفها من عناء الطريق". تتابع: "يحيّرني التضييق المتزايد على مساجد النساء، سواء من حيث إغلاقها أو المحاضرات التي تُقام فيها، فهي إجراءات توحي بأن لا أهمية للمرأة".

الشريعة لا تمنع

في الأثناء، يرى شهاب هزاع، وهو إمام مسجد ونائب مدير أوقاف تعز، أن إغلاق المساجد له تبعات سلبية على المرأة سيّما و"أنها تشعر براحة نفسية في المساجد، وحرمانها منها بدون عذر وجيه من شأنه أن يشعرها بالنقص"، بحسب ما يقول لرصيف22.

ويضيف: "النبي محمد، وهو المبلغ عن الله، قال لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله، وقال أيضًا: إذا استأذنت امرأتك إلى المسجد فلا تمنع. ما يؤكد عدم وجود موانع شرعية من ذهاب النساء إلى المساجد للصلاة والاستماع إلى المحاضرات الدينية". يشير هزاع أيضًا إلى أن الإسلام يوصي بالتعامل الحسن مع النساء "وعدم امتهانهن وضمان حقوقهن المادية والمعنوية" لذا يعتقد أن حرمانهن من الصلاة في المسجد، سواء كانت "فرضًا أو نافلة، مخالفٌ للشريعة الإسلامية".

ويلفت الشيخ إلى أن مسألة منع المرأة من الصلاة في المسجد ينبغي أن تنحصر في الزوج أو ولي الأمر وليس الجهة الحاكمة. ويستدرك: "حتّى بالنسبة لمنع الزوج زوجته من الذهاب إلى المساجد، فلا بد أن يكون بموجب سبب، وحتى مع وجود السبب، يعد منعها من قِبَله مكروهًا في الشريعة الإسلامية".

على الرغم من عدم وجود قرار مكتوب أو معلن بمنع صلاة النساء التراويح في المساجد، يحذّر ناشط مدنيٌ من صنعاء، في حديث مع رصيف22، من أن يتحول القرار إلى عرف متبع مستقبلًا، بحيث تفرض عقوبات على المرأة في حال خالفته

تداعيات اجتماعية

في سياق متصل، تنوه شيماء حامد (28 عامًا)، ربة بيت من حي التوحيد بصنعاء، إلى أنها مُنعت من دخول مسجد التعاون، في منطقتها، قائلةً: "المسجد ليس مكانًا للصلاة فحسب، بل وأيضًا لمقابلة الصديقات والمعارف، والتعرف على صديقات جدد والاطلاع على ما يجري في العالم".


تفكر قليلًا قبل أن تضيف: "أغلب أوقاتنا نقضيها بين الجدران، وهي مليئة بالطبخ والغسيل والاعتناء بالأطفال والأزواج وغيرها من الأعمال المنزلية، لذلك ننتظر وبشوق فرصة للراحة بالذهاب إلى المسجد بعد صلاة العشاء، وهي من اسمها – تراويح - أي لنروّح عن أنفسنا".

د. علي حميد، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة تعز، يعتقد أن الحظر هذا على النساء، سيفاقم التمييز ضدهن في المجتمع، ويؤثر بنحو كبير على حياتهن لأن المساجد تشكل رمزية خاصة بالنسبة للكثيرات منهن. يقول: "حرمانهن يعني إسقاط حقهن في ممارسة وأداء العبادة المفروضة عليهن في الإسلام".

ويلفت إلى أن لذلك تداعيات يصفها بـ"الجسيمة" من الناحية الاجتماعية إذ أن المرأة "تُعزَل عن محيطها، فيتولد لديها إحساس بالتهميش والإقصاء، وبأنها كائن غير فعال وغير مرغوب فيه بالمجتمع".

"شعرت بالذل والإهانة والخوف، فلا أحد أخبرنا قبلها أنه لن تقام صلاة التراويح للنساء... لا أريد الذهاب مجدداً إلى المسجد، كنت أجد هنالك الأمان والسكينة، أصبح الآن محل تهديد".

وتصر يُمنى أحمد (25 عامًا)، وهي ربة بيت من صنعاء، على أن صلاة التراويح في المسجد تمنحها حيوية ونشاطًا بعد يوم مرهق بسبب الصوم والعمل المنزلي، فضلًا عن الطمأنينة الروحية. تقول: "أشعر بالهدوء والخشوع في الصلاة هناك أكثر مما أشعر في المنزل وبعد إغلاق مسجد علي في نقم حُرمت من كل هذا". ثم تتساءل: "أليست المساجد بيوت الله، كيف إذن يغلقون أبوابها في وجوهنا؟".

وبالنسبة لنعمة إبراهيم، البالغة من العمر 43 عامًا، وهي معلمة عزباء من صنعاء، فإن حرمانها من دخول مسجد معاذ بن جبل في منطقة سعوان، يؤثر عليها من الناحيتين "الروحية والنفسية"، على حد قولها. تضيف: "الصلاة وغيرها من العبادات توفر السكينة والهدوء الداخلي، وتعد وسيلة يعبر بها الإنسان عن تقديره وامتنانه لله"، مشددةً على أن المنع قد يؤثر على شعور المرأة "بالقيمة الذاتية والانتماء إلى المجتمع الديني، ما يمكن أن يسبب لها الإحباط والضياع الروحي".

اعتادت رحمة علي (34 عامًا)، وهي ربة منزل من صنعاء، مرافقة والدتها كل رمضان لأداء صلاة العشاء والتراويح في مسجد عمر بن الخطاب في منطقة بني الحارث القريبة من منزليهما المتجاورين، غير أنهما فوجئتا في أول يوم من رمضان الحالي بمنعهما من دخول المسجد. لم تعيرا اهتمامًا بادئ الأمر لما قاله لهما شابٌ بباب المسجد من أنهما ممنوعتان من دخوله، وسارتا بهدوء تصعدان الدرجات المؤدية إلى مصلى النساء، عندها سمعا خلفهما صوتًا غاضبًا يقول لهما: "لا يوجد مسجد هنا للنساء، لقد أصبح مقرًا لأنصار الله".

تقول: "شعرت بالذل والإهانة والخوف، فلا أحد أخبرنا قبلها أنه لن تقام صلاة التراويح للنساء"، مؤكدةً أنها بعد تجربتها تلك، لا تريد الذهاب مجددًا إلى المسجد حيث "كنت أجد هنالك الأمان والسكينة، أصبح الآن محل تهديد".

ملحوظة: جميع أسماء النساء الواردة في التقرير هي أسماء مستعارة بناءً على رغبتهن وللحفاظ على سلامتهن.

رصيف 22.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى