التعديلات الدستورية تزيد مخاطر تفكك الصومال

> مقديشو "الأيام" العرب اللندنية:

> ​يرجح محللون أن تؤدي الزيادة المطولة في التوترات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وولاية بونتلاند (أرض الصومال) بشأن التغييرات في الدستور الصومالي إلى توسيع الصدع بين الصومال وإثيوبيا.

ووافق البرلمان الاتحادي الصومالي المكون من مجلسين في 30 مارس الماضي على تغييرات في الفصول الأربعة الأولى المنقحة من دستور البلاد المؤقت المكون من 15 فصلا.

وجاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أن المراجعات تعزز سلطة الرئيس وتصادق على اعتماد الاقتراع العام المباشر، من بين تغييرات أخرى، لكن ولاية بونتلاند ردت بسحب اعترافها بالحكومة الفيدرالية في 31 مارس، وذكرت أن مقديشو لم تتشاور مع حكومتها كما يلزم بخصوص التغييرات.

وأضافت أنها ستعمل بشكل مستقل عن الحكومة الاتحادية حتى يوافق الشعب الصومالي على التغييرات الدستورية في استفتاء وطني.

وبعد ذلك استقبل وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية مسغانو أرغا وفدا وزاريا رفيع المستوى من بونتلاند في 3 أبريل الجاري، ودفع هذا الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى إصدار أمر بطرد السفير الإثيوبي في مقديشو، وإغلاق القنصليات الإثيوبية في بونتلاند، مشيرة إلى تدخل أديس أبابا في شؤون الصومال الداخلية.

وكانت التغييرات الدستورية في الصومال من تعهدات الرئيس محمد شيخ محمود الأساسية خلال حملته الرئاسية. ويمكن أن تساعد في تعزيز الدولة الصومالية بينما تتطلع الحكومة إلى الابتعاد عن المؤسسات العشائرية التي أنشئت أثناء الحرب الأهلية.

ووعد محمود خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في مايو 2022 بوضع اللمسات الأخيرة على الدستور المؤقت للبلاد، حيث يخضع لمراجعة شبه مستمرة منذ الموافقة عليه في 2012. وعقد الرئيس بعد انتخابه لولاية ثانية عدة اجتماعات للمجلس الاستشاري الوطني في البلاد، الذي يضم قادة الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء في الاتحاد.

وهدف بذلك إلى ضمان توافق في الآراء بشأن التغييرات في المؤسسات والقوانين الانتخابية في الصومال.

ووافق المجلس في مايو 2023 على نقل النظام الانتخابي في الصومال من التصويت العشائري إلى الاقتراع العام المباشر.

وشكّل هذا تحولا عميقا في هيكل المؤسسات الصومالية. وتزامن التحول مع تطلع محمود إلى تعزيز مؤسسات الدولة الصومالية الضعيفة تاريخيا ومساءلة المشرعين أمام الجمهور من خلال الحد من سلطات العشائريين. لكن رئيس بونتلاند سعيد عبدالله ديني قاطع المجلس في خضم خلافات بشأن توازن القوى بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات ولم يوقع على اتفاق مايو 2023. وكان هذا منطلق النزاع الأخير مع الحكومة الفيدرالية.

وشهدت سنة 2000 إضفاء الطابع الرسمي على النظام الانتخابي القائم على العشائر في الصومال، والمعروف أيضا باسم نظام “4.5”. وكان آلية مؤقتة لإدارة التمثيل السياسي خلال الحرب الأهلية الصومالية. ويمنح النظام كل عشيرة من العشائر الأربع الرئيسية في البلاد 20 في المئة من المقاعد في البرلمان، مع ترك المقاعد المتبقية للعشائر الأصغر.

وبسبب تواصل التوتر بينها وبين الحكومة الفيدرالية، من المتوقع أن توسع بونتلاند تواصلها مع إثيوبيا.

وسيعمق ذلك الخلاف بين مقديشو وأديس أبابا ويعقد أي حل للنزاع بين البلدين حول الصفقة البحرية الإثيوبية مع أرض الصومال.

واندلع نزاع بونتلاند مع الحكومة الفيدرالية بينما أبرمت دولة أرض الصومال (التي أعلنت استقلالها رسميا عن الصومال في 1991) اتفاقا مع إثيوبيا المجاورة في يناير الماضي من شأنه أن يمهد الطريق لاعتراف أديس أبابا باستقلال المنطقة الانفصالية.

وأثارت هذه الخطوة إدانات شديدة من مقديشو، واعتبرها محمود عملا عدوانيا من أديس أبابا وانتهاكا لسيادة الصومال.

ويقود الرئيس الكيني وليام روتو جهود الوساطة لتهدئة التوترات، لكن طرد الصومال للسفير الإثيوبي في 4 أبريل يسلط الضوء على استمرار تدهور العلاقات الثنائية.

وفي خضم التوترات مع الحكومة الفيدرالية، قد توسع بونتلاند نطاق تواصلها مع إثيوبيا على أمل افتكاك تنازلات من مقديشو فيما يتعلق بتوازن القوى بين الولايات والحكومة الفيدرالية.

ومن المتوقع أن ترحب إثيوبيا بالتواصل مع بونتلاند، لأن هذه العلاقات يمكن أن تساعد الدولة غير الساحلية على تنويع منافذها البحرية مع توسيع التعاون الأمني في انتظار عودة محتملة لحركة الشباب. لكن تعزيز إثيوبيا للعلاقات مع بونتلاند قد يزيد من تعميق الخلاف بين البلاد والصومال ويسبب ميل حكومة محمود أكثر إلى تعاونها الدفاعي المتوسع بسرعة مع الشركاء الخارجيين، بما يهدف إلى إنشاء بعض الردع تجاه إثيوبيا.

واقترحت كينيا في مطلع أبريل الجاري معاهدة بحرية إقليمية تحكم كيفية وصول البلدان غير الساحلية إلى الموانئ بشروط تجارية لتهدئة التوترات بين إثيوبيا والصومال. لكن المعاهدة ستشكل تحديا سياسيا لمحمود حيث ستجبر الصومال على منح إثيوبيا إمكانية الوصول البحري على الرغم من استياء الجمهور الصومالي وعدم ثقته التامة بهذه البلاد.

ومع تواصل التوتر بينها وبين كل من إثيوبيا وأرض الصومال أبرمت الصومال اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي لمدة 10 سنوات مع تركيا في 22 فبراير الماضي. وستعمل أنقرة بموجب الاتفاق على تدريب البحرية الصومالية وتجهيزها. كما ستكون البحرية التركية قادرة على نشر أصول بحرية في المياه الإقليمية الصومالية، والتي تشمل مياه أرض الصومال بموجب القانون الدولي.

وبينما من غير المرجح أن تعلن بونتلاند استقلالها رسميا على المدى القصير، إلا أن التوترات قد تتصاعد بين الولاية الشمالية والحكومة الاتحادية، ما قد يؤدي إلى اشتباكات مسلحة.

وأعلنت بونتلاند في يناير 2023 أنها ستدير شؤونها بشكل مستقل عن الحكومة الفيدرالية بسبب خلافات سابقة مع محمود بشأن الإصلاحات المؤسسية. لكن الولاية لم تعلن استقلالها الرسمي.

ويبقى النزاع الأخير استمرارا لخلاف 2023. وستتبع الدولة لذلك نمطها السابق من خلال الامتناع عن إعلان الاستقلال رسميا (في المدى القصير على الأقل). لكن التحديات اللوجستية والأمنية الشديدة أمام تنظيم الاستفتاء على الصعيد الوطني الذي تطالب به بونتلاند قد تؤجج نزاعا طويل الأمد بين الولاية والحكومة الاتحادية.

ويهدد أي نزاع مطول مع بونتلاند الرئيس محمود بترسيخ الوضع الراهن ورؤية الدولة تنجرف بعيدا عن مدار مقديشو. كما سيشكل النزاع طويل الأمد سابقة للولايات الفيدرالية الأخرى لسحب اعترافها بالحكومة الفيدرالية في حالة حدوث خلافات مؤسسية.

ويهدد هذا بدوره سلامة أراضي الصومال على المدييْن المتوسط والطويل. ويبدو محمود غير راغب في تقديم تنازلات بشأن خططه لوضع اللمسات الأخيرة على دستور الصومال.

ومن المرجح أن تضغط الحكومة الفيدرالية على بونتلاند سياسيا واقتصاديا للتراجع عن موقفها الحالي بدلا من تمكين استفتاء على مستوى البلاد (في المدى القصير على الأقل). ولذلك من المتوقع أن تزداد التوترات بين الحكومة الاتحادية وبونتلاند خلال الأشهر المقبلة.

وقد يؤدي هذا إلى اشتباكات محلية بين القوات العسكرية في بونتلاند والميليشيات العشائرية المرتبطة بها ضد قوات الحكومة الاتحادية. لكن من المرجح أن تبقى الاشتباكات محلية ومحدودة النطاق في البداية، ولن تنذر بالعودة إلى الحرب الأهلية الشاملة.

وتقع بونتلاند في أقصى شمال الصومال، وهي أغنى ولاية. وتتمتع بموقع إستراتيجي على طرف القرن الأفريقي بالقرب من مضيق باب المندب، وقد جعلها هذا الموقع بؤرة لنشاط القرصنة.

وبررت بونتلاند قرار العمل المستقل عن الحكومة الفيدرالية الصادر في يناير 2023 بالإشارة إلى المادة 142 من دستور الصومال المؤقت. ويسمح للولايات الأعضاء الفيدرالية في البلاد بالعمل وفقا لدساتيرها حتى الانتهاء من صياغة الدستور الفيدرالي.

وإذا تحولت التوترات بين بونتلاند والحكومة الاتحادية إلى اشتباكات مسلحة، فقد يوفر ذلك لحركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة فرصة توسيع نطاق الهجمات داخل الصومال وخارجه.

وأطلق محمود بعد إعادة انتخابه عملية الأسد التي استهدفت مقاتلي حركة الشباب في وسط الصومال وجنوبه ونجحت في استعادة أكثر من 100 منطقة محلية من الحركة. لكن الحكومة الاتحادية أوقفت المرحلة الثانية من العملية في مارس الماضي وسط تقارير عن نزاعات داخلية على الموارد وفشل في تأمين تحالفات مع ميليشيات العشائر المحلية.

وحدث التوقف بعد عدة انتكاسات ضد حركة الشباب منذ بداية العام، حيث تمكنت من استعادة عدة مواقع وسط الصومال ونجحت في شن سلسلة من الهجمات القاتلة في مقديشو.

وإذا تصاعدت التوترات بين الحكومة الاتحادية وبونتلاند إلى اشتباكات مسلحة، فقد يضطر محمود إلى إعادة توجيه الموارد العسكرية بعيدا عن القتال ضد حركة الشباب.

وقد يوفر ذلك للجماعة مجالا إضافيا للعمل ويساعدها على تعزيز سيطرتها على وسط الصومال وجنوبه، خاصة لأن بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال قد تستكمل رحيلها عن البلاد بحلول ديسمبر.

ولذلك ستهدد الاشتباكات بين بونتلاند والحكومة الفيدرالية بوقوع المزيد من الهجمات البارزة في مقديشو، وتوسيع حركة الشباب لعملياتها عبر الحدود ضد إثيوبيا وكينيا.

وأكملت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، التي تضم قوات من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، المرحلة الثانية من انسحابها في يناير الماضي.

وأفادت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان في 24 مارس بتشكيل خلايا مرتبطة بحركة الشباب في منطقة بالي بإقليم أوروميا. ويأتي ذلك بعد أن تعهدت حركة الشباب بشن حرب ضد الدولة الإثيوبية إثر الإعلان عن اتفاق ميناء أديس أبابا البحري مع منطقة أرض الصومال الانفصالية في يناير.

وستخاطر الاشتباكات بين قوات الأمن في بونتلاند والحكومة الاتحادية بإجبار الولاية الشمالية على تحويل الموارد بعيدا عن أنشطة مكافحة القرصنة، بالإضافة إلى منحها حركة الشباب فرصة توسيع نطاق هجماتها. وسيخاطر كل هذا أيضا بتأجيج عودة هجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى