أهم معوّقات حل الأزمة الجنوبية (3-4)

> إن غياب الرؤية الشاملة لدى الرباعية والتحالف لطبيعة الحل السياسي الشامل لإنهاء الأزمة اليمنية بشقيها الشمالي والجنوبي لمصلحة الشعب اليمني وليس لمصلحة قوى داخلية وخارجية محددة، وعدم إدراك الرباعية بأن الأزمة في الشمال هي في جوهرها مسألة صراع على السلطة، وأن المسألة في الجنوب هي مسألة وجود وحياة وحقوق لشعب، دخل في وحدة سياسية طوعية مع الشمال، سرعان ما انتهت بالانقلاب العسكري الشمالي على الجنوب (المبيت له مسبقا) واحتلاله للجنوب واستباحته وتدميره والاستيلاء الفردي على مقوماته الثرواتية في البر والبحر والإخلال بالتوازن العسكري والأمني بتفكيك الجيش والأمن الجنوبيين لتثبيت منطق حكم القوة في البلاد. كل ذلك يوصلنا إلى أن حل الأزمة يتكون من جزئين رئيسيين هما حسب المنطق الفلسفي والواقعي السياسي:

أولًا: الحل العادل للقضية الجنوبية وفقًا لإرادة الشعب في الجنوب.

ثانيًا: الحل السياسي لمسألة الصراع على السلطة في الشمال.

• إن هذين الحلين مختلفين بطبيعتيهما لأن القضيتين مختلفتين نوعًا سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا. فحل الأولى يفضي أتوماتيكيًّا إلى الحل الثاني والعكس غير صحيح. وأن أي محاولات فرض أي حال خلاف ذلك لأي طرف وسيط لن يؤدي إلاّ إلى بقاء واستفحال الأزمة وامتداد أثرها السلبي على المستويين الداخلي والخارجي.

فشل الرباعية والتحالف في التحديد الصحيح والدقيق لعناصر المعادلة السياسية من القوى الفاعلة سياسيًّا، القادرة على تبني وتنفيذ الحل السياسي. فعلى سبيل المثال وبدون وجود مقدمات منطقية مقنعة ينظر التحالف إلى طرف الحكومة الشرعية و (في طيه!) الطرف الممثل للجنوب (المجلس الانتقالي)، على الرغم من كل التناقض الصارخ بينهما في الأهداف والمنطلقات لكل منهما كطرف واحد دون حتى تقديم حجة واحدة تسند ما يقوله ويفعله. وبكل بلاهة يقدم وعدًا للجنوبيين بأن قضيتهم سيتم مناقشتها لاحقًا. لكن متى يأتي لاحقًا هذا فعلمه عند الله أو بالأحرى عند الشيطان الذي يقود الملف اليمني.

وعلى صعيد المناطق الشمالية لا نستطيع أن نقول أن التحالف يمكن أن يمتلك رؤية أفضل من تلك، التي يعدها للجنوب. فهو يقدم الشرعية كطرف يمثل اليمن بأجمعه من ناحية مغفلًا بذلك وجود جماعة أنصار الله كطرف حقيقي مسيطر على الأرض، في المحافظات الشمالية. وفي نفس الوقت يحاول أن ينسج مع جماعة أنصار الله علاقات، يؤمّن بها ويضمن من خلالها أن صواريخ أنصار الله لن تطال أراضيه، أو تطال المصالح الغربية الموجودة في أراضي دول التحالف. وهو بهذا كأنما ينفي وجود قوات شمالية أنشئت وسُلّحت ودُرّبت خصيصًا لإسقاط المحافظات الشمالية من يد الحوثي. هذا يحدث في ذات الوقت الذي تؤكد فيه جماعة أنصار الله بأنهم لا يعترفون بل ورافضين لأي حوار مع الشرعية، وأنهم قد جاؤوا بثورتهم لكنس وإنهاء قوى منظومة صالح وكذا القوى المستقبلية وقوى حزب الإصلاح المتحالفة مع النظام البائد. كما يؤكد نيته وعمله على تصفيتها نهائيًا من الساحة السياسية لكونها قد أجرمت وعبثت بالبلاد والعباد خلال العقود الثلاثة الماضية. هذا يعني أن القوة الفاعلة المسيطرة على الأرض في الشمال لا تعترف أصلًا بإمكانية وجود أي حلول سياسية، تكون فيها (الشرعية) كطرف، موجودة في معادلة الحل السياسي للأزمة اليمنية.

في تقديرنا (ويعتقد كل مراقب سياسي منصف) أن التحالف ومعه الأمميون قد ارتكبوا خلال الثمان السنوات الماضي خطأين استراتيجيين أساسيين، ما كان عليهما أن يرتكبانه مثليهما وهما:

أولًا: أنهما خلافا لكل أبجديات العمل السياسي ومبادئ الوساطات السياسية بين القوى المتناحرة أو المختلفة ومبادئ الواقعية السياسية، قد ارتكبا خطأ جسيمًا يتمثل في التعامل الخاطئ سياسيًّا وربما أيضًا اقتصاديًّا وعسكريًّا، مع أهم قوتين فاعلتين على الساحة اليمنية (بغض النظر عن الكيفية العاطفية التي ينظرا بهما التحالف والأمميون لتلكما القوتين) ونعني بهما المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب وجماعة أنصار الله في الشمال. ففي الجنوب قام التحالف بتكبيل الانتقالي على أكثر من صعيد وتدريجيًا على مدى السنوات الماضية، مما أدى إلى إضعافه سياسيًّا من خلال ما سمي باتفاقات الرياض 1 و2 و3 ومجموعة اتفاقات جانبية أخرى (اعترف بخطئه بعض الصادقين من قيادات الانتقالي)، جميعها أدت إلى تداع وتدنٍ في مستوى أدائه السياسي وانهيار في العملة اليمنية ومثله انهيار خدماتي حاد، على ضآلة ما يُقدم من تلك الخدمات التي تُقدم للشعب في المحافظات الجنوبية، مما أدى إلى انخفاض اسهم شعبية الانتقالي في أوساط الجماهير الجنوبية، وبالتالي هبوط مصداقيته ليس لدى الجماهير فقط بل ولدى القوى السياسية الحليفة أو المناوئة له. كما أن إدخال لغة جديدة في الخطاب السياسي والإعلامي للانتقالي والمتمثلة في إظهار التحالف بصفة المنّزه من الأخطاء الذي لا يأتي بالباطل في كل أفعاله وأقواله، قد صنع فجوة بينه وبين الشعب الجنوبي الذي وصلت معاناته إلى مستوى لم يحصل في تاريخه القديم والحديث من جهة، وبين الخصم السياسي من الطرف الشمالي بأن الرديف الجنوبي قد جُيِّر بالكامل لصالح قوى التحالف العربي / الغربي وأن إيجاد لغة مشتركة أصبحت صعبة المنال. وهذا ما أدى إلى زيادة تعقيد الوضع بين أطراف الأزمة في اليمن.

ثانيًّا: أن التحالف العربي/ الغربي (الأممي) قد صنع من الطرف الحوثي خلال الثمان سنوات الماضية، قوة عسكرية وسياسية مجيّرة بالكامل لصالح جمهورية إيران الإسلامية بل أداة إيرانية بالمطلق من خلال الخطاب السياسي والإعلامي الغربي والعربي، على الرغم من براجماتية واضحة لا تخطئها العين في العلاقات والحوارات بين الطرفين (العربي والغربي) والطرف الحوثي، التي شهدت وتشهد تقلبات بين صعود وهبوط اقتراب وابتعاد ولا تزال.

• جاءت أحداث غزة والموقف الحوثي منها من خلال عمليات البحر الأحمر، وموقف الغرب والمحور العربي التابع له تجاه موقفه، لتجعل من الحوثي بطلًا قوميًّا، كسب من خلاله تعاطف الجماهير العربية وأولها اليمن، لتزيد من قوة التواجد السياسي والعسكري(لأنصار الله).

• إن مبادئ الوساطات المتعارف عليها، بين الأطراف المتنازعة سواء بين الأفراد أو الجماعات أو القوى المتصارعة، تشير إلى أن على الوسيط أن يبقى محافظًا على مسافة متساوية في قربه أو ابتعاده عن الأطراف التي يتعامل معها في وساطته حتى مع إدراكه بأن في كثير من الحالات، تكون الأمور في الواقع خلاف ذلك. غير أن إبداء الاتزان في لعب دور الوساطة يفرض معطيات أخرى لا تشبه ما قام به التحالف في الحالة اليمنية. وأن مخالفة هذه المبادئ، قد انعكس سلبًا على مجرى عمليات الوساطة بين أطراف الأزمة في اليمن.

• على التحالف والأمميين وهم يبحثون عن حل للأزمة أن يبتعدا عن البحث عن حل متعدد المراحل، وما نراه من إصرار غريب على البحث عن حل متعدد المراحل وطويل المدى يهدف للتحكم بعملية الحل نفسها ويسمح لهم بتنفيذ ما يستجد من ملحقات سياسية للسيطرة على اليمن ومقدراتها.

• إن السياسات التي انتهجها التحالف والأمميون في المحافظات المحررة، في وضعها باستمرار أسيرة لحرب الخدمات الأساسية، وفشل الحكومات اللاتي أتوا بها على مدى 8 سنوات مضت، وعدم استلام موظفي الدولة لرواتبهم، واستشراء الفساد إلى درجة مرعبة، وفشلهم في تفعيل المرتكزات الاقتصادية مثل المصافي والميناء، وفشلهم في خلق نموذج نظام سياسي ناجح في تلك المحافظات، كل ذلك قد خلق مزاجًا شعبيًّا وفي أوساط النخب المجتمعية سلبيًّا، تجاه نوايا التحالف نحو حياة الشعب مما أفقد جهود التحالف زخمًا جماهيريًّا كان يمكن أن يدفع لتشجيع النخب السياسية في المضي قدمًا مع جهود التحالف في بحثها لحل الأزمة.

د. عبدالله صالح عبيد

عدن 21/4/2024

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى