إن من فضائل الأخلاق وجميل الصفات حُسن الإنصات وفن الاستماع، فهو خصلة رفيعة ومهارة عالية يجب أن نتقنها، فغالباً ما نحرص على تعلم فن الإلقاء ومهارة التحدث أمام الناس، بينما نفتقد الكثير من فنون ومهارة الإنصات مع إن المستمع الجيد خيرٌ من المتحدث الجيد في أغلب الأحوال.

لكي نكون ناجحين في الانصات علينا أن نكبح جماح «الأنا» فينا، وألا نفكر فقط فيما نريد أن نقول حينما ينتهي المتحدث من الكلام، بل نتعمق في الأفكار والمعاني المطروحة، ونحكم على الرسالة بناءً على مزايا مضمونها وليس على أساس خلفية المتحدث أو طريقة توصيلها، فنستمع بصدرٍ رحبٍ وعقلٍ منفتحٍ.

لذلك، من الضروري أن نتعلم هذه المهارة لأنها الباب الذي يفتح لنا مجالاً أكبر للتعلم وتحري الحقيقة والتعرف على من حولنا بصورة أقرب وتكوين علاقات اجتماعية قوية على قاعدة التعايش وتحقيق الوئام بين الناس.

فلنسأل أنفسنا على الدوام: لماذا خُلِقنا بأذنين وعينين ولسان واحد؟

فلله تعالى حكمة في ذلك، ولهذا فإن الأذنين ليس عليهما غطاء كي نصغي بتمعن من أجل التعلم والعينين عليهما غطاء من أجل غض البصر وستر العيوب، أما اللسان جعل الله له باباً من عظم ٍوباباً من لحمٍ، حتى لا يتساهل الإنسان في الكلام فضبطته ضبطاً محكماً لاستعماله في الخير.

قال سقراط: "خلق الله لنا أذنين ولساناً واحداً لننصت ضعف ما نقول".

وكم هي جميلة قصة لقمان الحكيم حينما قالت له سيده: اذبح شاة، واتني بأطيبها بضعتين فأتاه بالقلب واللسان، ثم أمره بذبح شاة أخرى، وقال له: الق أخبثها بضعتين، فألقى اللسان والقلب فسأله باستغراب:

أمرتك أن تأتني بأطيبها بضعتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب، فقال: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا شيء أخبث منها إذا خبثا.

لذلك، فلننصت لنتعلم وليس بالضرورة لنرد أو ننتقد الآخرين فكم من العلاقات خَسِرت نتيجة مقصود لم يُفهم ومفهوم لم يُقصد؟