> د. م صالح علي السحيقي:
- قصة بناء الأنفاق لتحقيق الاستقرار المائي في بينون
- عبقرية الهندسة.. رحلة شق الأنفاق لتحديد مستقبل المدن
> في زمن ملوك دولة سبأ وذي ريدان ذمار علي وابنه ثاران ايفع حتى زمن ياسر يهنعم وابنه شمر يهرعش وفي مدينة بينون الحدا، اتسع البنيان وزادت حركة قوافل التجارة كمحطة ربط تجاري بين مدينة مأرب وظفار وآزال، وكان من المهم عمل خزانات حصاد مياه الأمطار لتوفير حاجة السكان والزراعة وكان الحل المناسب هو تشييد حاجز مائي كبير أعلا وادي نمارة القريب من المدينة على خط القوافل مع وجود مشكلة شحة مصادر تغذية الحاجز بمياه السيول حول محيطه إلا أنها قريبة منه وتقف الجبال عائق بينها، ومن المهم التفكير بطريقة لجر مياه السيول من وراء جبل النقوب إلى وادي الجلاهم ثم من جبل بينون إلى وادي نمارة لتصب في الحاجز المائي الكبير، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بشق أنفاق لنقل المياه عبر تلك الجبال كأفضل الحلول الممكنة حتى ترسخت الفكرة في عقول وقلوب السكان وملوكها ولم يبق سوى التنفيذ.

- التنفيذ
أولا: تم قياس المناسيب بين مداخل ومخارج النفقين وكان هذا أمر غاية في الأهمية للبدء بالعمل، وتم هذا من قبل عيون خبيرة بالانحدارات وتقدير المناسيب وتفاوتها بين طرفي الجبلين وحل هذه المعضلة الكبيرة ووضع علامات ولم يبق سوى البدء بالعمل عند نقطة البداية للنفق (أ) والنفق (ب)، تم وضع علامات فوق الصخور من قبل حكماء الهندسة تشير إلى عرض وارتفاع النفقين المستقبليين بعد تقدير حجم مياه السيول المطلوب جرها عبر الأنفاق، وبعد جمع العمال المهرة مع أدوات الحفر وتوزيعهم إلى فرق عمل وشرح طريقة العمل وفكرة عن مخطط النفقين وحفظه ذهنيا تم تدشين العمل بأول ضربة معول من كبير حكماء ومشرف العمل في كل نفق.
تم تجهيز فرق العمل لتعمل في آن واحد في شق النفقين لتبدأ المعاول تدق الصخور وكان من المهم تنظيم المسافات بين العمال ليتم قطع أكبر قدرا من الصخور عند مدخل كل نفق وإزاحة الركام بعيدا حتى اتضحت معالم مدخل كل نفق، كل يوم وقبل المغيب يتم غمر الصخور بالمياه ليأتي اليوم الثاني وقد لانت قليلا أمام ضربات الفؤوس والمعاول لتزداد إنتاجية العاملين وبعض الأحيان لا بأس من العمل ليلًا تحت أضواء مسارح الزيت وضوء القمر.

العمل يتقدم داخل النفقين وبين كل مسافة وأخرى يأتي خبراء المناسيب لمراجعة المسار والميول وإعطاء بعض التعليمات للعاملين بزيادة القطع وتشذيب الجدران والأرضية أو السقف أو تعديل المسار بعمل انحراف بسيط لتصحيح مسار الحفر باتجاه المخرج المرسوم والمخطط له مسبقًا.
مرت شهور والعمل يسير سيرًا حسنًا في النفقين وفرق العمال تتناوب على العمل ليلًا ونهارًا وكلما مر الوقت كلما زادت خبرتهم في قطع وتهذيب صخور النفق وإضافة معدات عمل جديدة أكثر كفاءة من سابقتها بينما تولى الملك واقي دولة سبأ وذي زيدان مهمة تأمين الشراب والطعام يوميا للعاملين.
أخيرًا اقترب العمال من النهاية وكانت هذه مرحلة حاسمة بالنسبة للجميع، ففي هذه النقطة سوف تتضح صوابية التدبير والإبداع الهندسي في كل صنوفه من حيث الفكرة ووضع المخططات الحسية المسبقة وتحديد المسار المناسب والمناسيب بين نقطة البداية والنهاية بكل دقة ومهارة في كل ذراع عمل يتم شقه داخل الصخور ودقة العمل الهندسي الإنشائي في شق الصخور ومراجعة المقاسات واختيار الأدوات المناسبة للقطع وإعادة تأهيلها بين الفترة والأخرى ودقة تنظيم العمل اليومي بين فرق العاملين لضمان إنتاج أكبر قدرا من العمل، أشياء كثيرة تميت مراعاتها بكل دقة ومهارة لتأتي اللحظة الحاسمة في قطع آخر الصخور لمخرج النفقين ليظهر النور من الجهة الأخرى يليه توسعة الفتحة ليتضح بأن كل شيء تم التخطيط له بكل دقة ومهنية عالية ويحتفل الجميع بهذه النتيجة ولم يعد يبقى سوى المعاينة الأخيرة من قبل حكماء الهندسة للعمل وإعطاء بعض الملاحظات الأخيرة مثل تهذيب هذا الجدار وتلك الأرضية أو السقف ولا شيء غير ذلك لتصبح الإنفاق جاهزة للعمل وربط مدخل النفق الأول بقناة كبيرة مع مجاري السيول وعند مخرج النفق شيدت قناة مماثلة تخترق الوادي وصولا إلى مدخل النفق الثاني ليكتمل العمل بالمشروع وتدوين زمن تنفيذه بنقش منحوت فوق صخور مدخل إحداها وشاهد على عظمة تلك الأعمال الإنشائية.
- تم أخذ أسماء الأماكن والجبال من بعض سكان منطقة الحدا القريبين من موقع نفق بينون.