> "الأيام" سبوتنيك:

​حلت الذكرى 34 على الوحدة اليمنية في بلد تمزقه الصراعات الداخلية والخارجية وسط تناقضات ما بين مؤيد لاستمرار الوحدة على أساس أنها صمام أمان في الوقت الذي يرى آخرون أنها انتهت رسميا منذ العام 1994 بإعلان الجنوب فك الارتباط مع الشمال.

والسؤال المطروح … ما الذي تبقى من تلك الوحدة بعد حالة التشظي والانقسام والحرب التي قاربت على إنهاء عقدها الأول دون أفق واضح للحل؟

بداية، يقول الدكتور محمد عسكر، الوزير السابق لحقوق الإنسان والشؤون القانونية في الحكومة اليمنية: "‏يجيد اليمنيون عيش صراعات الماضي في الحاضر بكل شغف ويسحبونها معهم إلى المستقبل، ثم نتساءل جميعاً لماذا نتأخر في حين يتقدم الآخرون".
  • حالة من التشظي
‏وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "حالة من التشظي نعيشها اليوم غير مسبوقة تهوي بنا وبسرعة إلى قاع الأمم، وشعب يسحق بمعاناته التي طالت كل شيء، وامتدت لما يقرب من عشر سنوات، ونحن عوضاً عن البحث عن قواسم مشتركة للخروج من هذا الواقع الأليم لاستعادة وطن مسلوب، وجمهورية مؤممة، ومؤسسات دولة مغتصبة".

وتابع عسكر: "‏الوحدة اليمنية باتت اليوم - لدى البعض-أحد تلك حوائط المبكى حيث يرمي عليها حمولة عجزه وقلة حيلته، ظناً منه أنه يتخلص من العبء الأخلاقي ومسؤولياته الوطنية عن تغيير واقع بائس نعيشه جميعاً، وأضحت الوحدة اليمنية لدى البعض الآخر مرمى الجمرات باعتبارها سبباً لكل بؤسه وشقائه والألم الذي طال تفاصيل حياته وضياع حلمه الجميل".
  • مشروع كبير
وأشار عسكر إلى ‏أن "الوحدة اليمنية مشروع كبير من المشاريع التي تنتمي للمستقبل، ظل كذلك حينا من الدهر، حتى وأده المزايدون منذ بداية تأسيسه، بأخذها معهم إلى تفاصيل صراعاتهم القديمة حول السلطة، ولم يجعلوها وسيلة للسفر بهم وبشعبهم للمستقبل المزدهر".

ويكمل قائلا: "سيُضيع المزايدون الجدد على ما تبقى منها على عتبة الإمامة في صنعاء، بعد أن حُولت إما إلى حائط مبكى لدى البعض أو مرمى جمرات البعض الآخر".
  • المطلوب اليوم
وأكد الوزير أن "‏المطلوب اليوم هو توحد اليمنيين شمالاً وجنوباً على كلمة سواء، وفق المشتركات وهي كثيرة، ووفق مشروع واحد جامع ينتمي للمستقبل، ينتمي للإنسان، يهدف إلى وقف الحرب وتحقيق السلام، بضمانات إقليمية ودولية ويترك للشعب حقه في تقرير مكانته السياسية والاجتماعية، وفق المرجعيات المتفق عليها، وحشد الدعم لتوفير الخدمات وتوفير المرتبات، وضبط سعر العملة، ورفع المعاناة الاقتصادية عن كاهل المواطن البسيط".

‏وأوضح عسكر، أن تحرير الإرادة الوطنية، من الولاءات لمشاريع عابرة للدول، وتوفير شروط الحكم الرشيد، لتحقيق ما سبق هو المطلوب اليوم، أما العودة لعادة اليمنيين بالذهاب للتاريخ بحثا عن حائط مبكى، أو مرمى جمرات فإن المصير الذي ينتظرنا سيكون مخيفاً".

  • ضياع للوقت
من جانبه، يقول منصور صالح، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي: "الحديث عن عما تسمى بذكرى الوحدة اليمنية حديث لا معنى ولا قيمة له، وإن الاحتفاء بالمناسبة لدى البعض-ناشطين أو سياسيين- ضياع للوقت ولا يخرج عن رغبة في استفزاز شعب الجنوب وتذكيره بواحدة من أسوأ مراحل تاريخه".

ووصف القيادي الجنوبي في حديثه لـ" سبوتنيك": "تجربة الوحدة بين الجنوب واليمن بالنكبة الحقيقية لشعب الجنوب، ولذلك فجهود المجلس الانتقالي وكل القوى الوطنية الجنوبية تنصب في اتجاه الخروج الآمن من هذا المأزق الكبير".

واعتبر صالح أن "الوحدة الحقيقية بين الدولتين لم تقم أصلاً، حتى يكون السؤال هل تبقى من مظاهرها شيء، موضحاً بأنها كانت مشروعاً لم ينضج واتفاقيتها التي وقعت في عدن كانت في لحظة نزوة وغير مدروسة، في المقابل لم يكن نظام ولا قبائل صنعاء جاهزين أو راغبين في التعاطي معها بمسؤولية وأمانة كما كان حال الشريك الجنوبي يومها، ولذلك فقد وأدت سريعاً، والمؤلم أنها تركت ذكرى أليمة ومشاعر سلبية بات الشعب الجنوبي معها ينظر لهذا الحدث كخطيئة يجب التكفير عنها".
  • مرحلة اللاعودة
وأوضح القيادي في الانتقالي أن "الوحدة أعلنت في مايو 1990 لكنها لم تقم وما تم فقط هو فتح المعابر والحدود والسماح لمواطني الدولتين بالتنقل دون قيود، لكن الدولتين والنظامين ظلا قائمين بكل مؤسساتهما، كما ظلت العملة والجيش قائمين حتى احتلال الجنوب في صيف1994، والذي شهد بعد ذلك فرضاً قسريا للوحدة على الجنوب، وتشريد قيادته ونهب ثرواته ومؤسساته وتسريح جيشه".

وقال صالح إن "الأوضاع في اليمن والجنوب وصلت إلى مرحلة اللاعودة والمنطق والحكمة يتطلبان الانفتاح على الخيارات التي تستجيب لتطلعات الشعب في الجنوب وإن كانت صعبة بالنسبة للقوى اليمنية، مؤكداً الحاجة لفك ارتباط سلس ومدروس يراعي علاقات الجوار بين البلدين ويحفظ مصالح الشعبين وخصوصية الترابط الاجتماعي والاقتصادي، منوهاً بضرورة مغادرة مربع الماضي القائم على ثقافة التعالي والنهب والاحتلال وعدم استيعاب حقائق ومتغيرات الواقع كما هي".
  • مكاسب الوحدة
في المقابل، يقول أكرم الحاج، المحلل السياسي اليمني "صنعاء" بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء فترة التشطير في اليمن الجنوبي والشمالي، وإعلان تحقيق وحدة اليمن في 22 مايو 1990، يحتفل جميع اليمنيين بهذه المناسبة الخالدة كحالة وطنية تجمعهم وتعبر عن تلاحمهم وانتهاء معاناتهم من التقسيم، على الرغم من الأزمات والمآسي التي تهدد المكاسب الوحدوية، إلا أن أساسات هذا المشروع لا تزال قوية و ثابتة وصامدة".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "بغض النظر عن عوامل الانقسام وتهديدات التشظي التي حدثت، لم يكن بإمكان أي طرف من الأطراف المتحاربة تحقيق مشروعه الانفصالي على الرغم من الدعم المادي والعسكرية كون مصير الشعب اليمني هو واحد رغم معاناته، إلا أنه لا يؤمن إلا بوحدته".
  • الصراع الداخلي
وتابع الحاج: "اليوم أصبح اليمنيون أكثر وعيًا وإدراكًا لمصيرهم المشترك وتلاحمهم في الجنوب والشمال رغم معاناة الجميع من الأوضاع السيئة والنتائج الكارثية للصراع الداخلي والتحديات الإقليمية والدولية، لذا فإن تعزيز وحدة اليمن هو أعظم إنجاز للشعب اليمني بعيدًا عن المصالح السياسية والتجاذبات الخارجية والتي مع الأسف وجدت لها من يسوق لها ويمارسها ويسعى فعليا إلى تنفيذها في الداخل اليمني".

وأشار الحاج، إلى أنه رغم تلك التحديات التي ما زالت تتعرض لها الوحدة اليمنية، إلا أنها هي صمام الأمان لمستقبل اليمن وأجياله المستقبلية، لافتا إلى أن الانقسامات الداخلية والتوترات المناطقية، تعكس الآن حالة حقيقية صلابة التماسك والتلاحم الشعبي بين اليمنيين حول الوحدة، وهذا تجلي بالاحتفال بالذكرى الـ34 لعيد الوحدة في وقت يجمع شعب اليمن على أهمية الحفاظ على هذه الوحدة وأنها خيارهم في قوتهم وعزتهم".

واختتم بقوله: "بناءً على الواقع المؤلم للأمة العربية والإسلامية المنقسمة، أدرك اليمنيون أهمية الحفاظ على وحدة اليمن، لأن الوحدة هي القوة والتماسك، وتجنب التفرقة والانحرافات التي تبعث بالطاقة الإيجابية اللازمة للتحدي الذي تواجهه واستمر في تجسيد الشخصية التي ترغب فيها".