بداية نشكر الأخ على الكازمي (أبو مشعل) على جهده واجتهاده في معالجة واقعة الأخ ماهر اليافعي، التي وجد لها حلًّا قانونيًّا (مجازًا) وقبليًّا بالذهاب لتحكيم أهل ماهر اليافعي والشكر موصول للأخ جلال الربيعي مع حفظ الألقاب لهما ولكل من شاركهما السعي للحل.
لكن هذه الواقعة كشفت سقوط هيبة أجهزة سيادية يفترض بها حماية الحقوق القانونية للناس، من الحقوق المادية إلى حق التعبير دون إساءة أو تجريح يعاقب عليه القانون.
أن تؤدي واقعة حادث مروري، تشهده كل مدن العالم في كل ساعة، إلى سجن أحد طرفيه، فمن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى استنكار الرأي العام والسلطة الرابعة في المجتمع (صحافة ووسائل تواصل) وأن نرى انتقاد بدرجات متفاوتة لكن ليس من الطبيعي أن يصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى بيانًا تحذيريًّا فيه شبهة تكميم لأفواه الناس التي تستحيل السيطرة عليها، ويملك أي متضرر الحق في المقاضاة.
تصادف أثناء وجودي في مصر إن حدثت قضية قتل في أحد الملاهي الشهيرة التي يرتادها الأثرياء وتحولت إلى قضية رأي عام.
عند نظر القضية طلب محامي المتهم نزول القاضي لعين مكان الجريمة فرأى القاضي ألا فائدة من النزول يمكن أن تغير في الأمر، فطلب المحامي رد القاضي فرفض القاضي ودافع عن رفضه في المحكمة الأعلى درجة التي لم تجد ما يبرر رده عن مواصلة نظر القضية، لكن القاضي بعد تبرئته من التحيز تنحى طواعية عن القضية وقال (لن أحكم في قضية يشكك أحد طرفيها في نزاهتي).
ولأي منّا أن يتخيل مقدار السمو الذي أحدثه موقف القاضي هذا لرفعة سمعة القضاء المصري كله، ولنا أن نتخيل الضرر الذي كان سيلحقه بسمعة القضاء فيما لو ثبت تحيزه أو تمسكه بحقه في استكمال نظر القضية، فالقاضي أو وكيل النائب العام أو رجل الأمن، كأفراد، هم عناوين فرعية لأجسام أكبر هي القضاء والنيابة والأمن وإذا سقطت هذه العناوين الفرعية سقط معها الجسم كله وفقد المجتمع الحصن الذي يمنع تحوله إلى غابة.
لا زلنا إلى اليوم نرى الأزياء التقليدية العتيقة التي يرتديها القضاة في محاكم المعمورة عند نظر القضايا في تقاليد متوارثة لا تعكس الزي فقط لكنها تعكس تراكمًا معرفيًّا وسلوكيًّا يتوارثونه، حتى إن بعضنا قرأ عن قضايا تم نظرها والحكم فيها فأصبحت هذه الأحكام مقاييس في محاكم أخرى في قضايا مشابهة تعزز هذا التراكم.
كنا إلى زمن ليس ببعيد نطمئن عندما نرى رجل الأمن في الأرجاء، فيما أصبح مصدرًا للقلق منذ 1994م حتى اليوم، وكنا نسمع عن أن التحقيق في القضاء يتم من قبل قاضي تحقيق محترف لا يعنف المتهم، وكنا نسمع عن (حكاوي) أن السجين في (بيت الدولة، أكثر البيوت أمنًا) وأنه يملك الحق في المطالبة بالتعويض عند تعرضه للسجن ظلمًا.
نسأل الله تعالى الرشاد، وكفى.