تلعب وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دورا محوريا في تحريك القضايا والملفات المعاصرة، فهي تتأثر وتؤثر في البيئة التي تحيط بها، وباستطاعة هذه الوسائل أن توصل المجتمع إلى النهوض، أو تأخذ بهِ إلى شفير الهاوية، فهي سلاح ذو حدين.

وعندما يفقد الإعلام مصداقيته في المجتمع الإنساني سينحرف نحو التطرق إلى مواضيع بعيدة عن القضايا الاجتماعية والوطنية، ويجتر (التفاهات) التي تعمل على تجهيل المجتمع، والتلاعب بوعيه غير آبهة بمصيره، وبما يحصل في الواقع من قضايا حقيقية، ولا يهم "أولئك" سوى المنافع الذاتية، والمطالب الحزبية، وهذا ما يحدث للأسف.

أصبحنا بأمس الحاجة إلى فكر إعلامي واعٍ ومستنير يعمل باحترافية وبمهنية ومصداقية لتصحيح الاختلالات التي تحدث في مجتمعنا الجنوبي الراهن، بدلًا من السقوط والانحدار المستمر في تناول القضايا المصيرية بل الإنسانية، بتلك السطحية والسخرية.

فالإعلام الجنوبي بحاجة إلى إعادة تدوير الأدوات والمفاهيم الصحفية بأساليب حديثة ومتطورة لمواجهة التحديات التي تحيط بهِ، والارتقاء بالخطاب الإعلامي الذي يمكنه من مواجهة المعارك المناوئة بآلية أكثر فاعلية وحكمة قائمة على الحجة والجدية، لكن الإصرار على نفس الخطاب (الوهن) الراهن، وبتلك اللغة (الركيكة)، وبالطرق التقليدية المشبعة بالشعارات الذاتية والنزعات المناطقية التي نراها تشتعل عبر قنوات (السوشيل ميديا) دون تشذيب وتهذيب لأدبيات الخطاب الإعلامي، ووضع ضوابط لتلكم الأفكار والقناعات (الضيقة) التي مازالت تعمل وفق محاكاة العاطفة أكثر من مواجهة الحقيقة، والجريان في مستنقع (التلاسنات) الجانبية، هي من جعلتنا نتهاوى أمام مواجهة الإعلام المضاد الذي نجح إلى حد ما في ترويج أفكاره، واخترق القضايا المحلية وحيدها عن مسارها، وتقديم صورة نمطية سيئة عن الواقع في الجنوب، مكنه أيضًا من الإساءة إلى دول عربية شقيقة كانت ومازالت سندًا للقضية والمواطن دون رادع.

البعض غارق في توزيع صكوك التخوين وتعزيز خطاب الكراهية والتحريض بمهاجمة أشخاص من أبناء جلدته، مشبعًا بالولاء المناطقي لأشخاص مقربين، ومنشغلًا في كتابة منشورات (سطحية)، ومقالات (شطحية)، باتت تفقد القضية الجنوبية جوهرها وتخسر أهميتها.

فالعالم يراقب ما يحدث في بلدنا، ويقرأ كُل ما نكتبه ويسمع كُل ما نقوله ويوثق كل ما ندونه، وهو مهتم أيضًا بكل ما يحدث في مجتمعنا التي تعصف به الأزمات والمصائب.

ليت بعض الزملاء الصحفيين الجنوبيين يرتقون قليلًا بخطابهم وبطريقتهم في التعبير والتعاطي مع القضايا بلغة حضارية واعية، وبأسس أكثر حرص ومسؤولية، وعليهم إدراك أن الإعلام صناعة فكرية، وليس ترويج بضاعة وطنية.

إن ما جعل الإعلام المناوئ يتفوق في بعض القضايا المتعلقة بالواقع الجنوبي، هو أنه فهم كيف يوظف وسائل الإعلام، وتسخير أدواتها خدمة لتوجهاته، ويصنع تقارير صحفية وأفلام وتغطيات مكثفة عبر قنواته وفق رؤيته لتحقيق أهدافه مستغلًا حالة التضارب ونقاط الضعف في خطابنا، وكيف أصبحنا ندور حول دوامة أنفسنا.