> هاشم علي حامد محمد:

مثلت الخطوة التي اتخذتها مصر بإرسال قوات ومساعدات عسكرية إلى الصومال تطورًا تسابقت تجاهه التصريحات والمواقف، لتعين إثيوبيا في خطوة مقابلة، سفيرًا لها لدى أرض الصومال، وتعلن جيبوتي جاهزيتها لتخصيص ميناء بحري لإثيوبيا خيارًا بديلًا لاتفاقها مع أرض الصومال، ودرء التوتر، فما هي التبعات وراء هذه التحركات وإلى أين تقود الأيام المقبلة الأفعال؟

اتجهت الأنظار لوقائع الأحداث في القرن الأفريقي من جديد، الذي تتداخل فيه هذه المرة مجمل قضايا الخلاف القائم بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، وإعلان مصر انسحابها من المفاوضات، والخلاف الصومالي الإثيوبي حول اقتطاع إثيوبيا لميناء في الأراضي الصومالية على البحر الأحمر عبر توقيعها اتفاقًا مع أرض الصومال "صوماليلاند" غير المعترف بها دوليًّا، ثم توقيع مصر اتفاق البروتوكول العسكري بينها وبين الصومال.

وبوصول المساعدات العسكرية المصرية إلى الأراضي الصومالية يشار إلى بداية مرحلة متقدمة في الأزمة الصومالية متعددة الأطراف تشكل فيها القاهرة طرفًا حقيقيًا بخلفيات خلافاتها المائية مع إثيوبيا في شأن سد النهضة، وما تعده مصر من نيات إثيوبية متعدية على حقوقها المائية التاريخية، فضلًا عما يشكله طموح أديس أبابا في البحر الأحمر من تحدٍ آخر لا يروق القاهرة سواء في فرضه كوجود عسكري، أو فيما يتخذ من وسائل عبر التعدي على سيادة دولة عضو في الجامعة العربية كالصومال.
  • تراقب من كثب
وفي ظل التطورات المتلاحقة مثل إرسال مصر قوات ومعدات عسكرية في الـ28 من أغسطس الماضي إلى الصومال ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية الجديدة، التي تعد بديلًا لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية أتميس (ATMIS) عدتها إثيوبيا تهديدًا مباشرًا لها.

وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية كرد على ذلك، إن "إثيوبيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الجهات التي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة"، مشددة على أنها تراقب من كثب التطورات التي قد تهدد أمنها القومي.

وأكدت الخارجية الإثيوبية أن إثيوبيا "عملت بلا كلل من أجل تعزيز السلام والأمن في الصومال والمنطقة، ومن أجل تحقيق النمو المشترك، إضافة إلى تعزيز الروابط الوثيقة بين شعوب المنطقة".

وأعربت أديس أبابا في البيان عن شعورها بالقلق من استبدال بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "ATMIS" ببعثة جديدة للسلام، قائلة إن هذه العملية محفوفة بالأخطار على المنطقة، وتدخل المنطقة في المجهول.

وذكر البيان أنه "لم تؤخذ النداءات المتكررة من جانب إثيوبيا وغيرها من البلدان المساهمة بقوات على محمل الجد، وأنه لا يمكن لإثيوبيا أن تقف مكتوفة الأيدي، بينما تتخذ الجهات الفاعلة الأخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة".

وعلى مستوى آخر أعربت حكومة أرض الصومال في 30 أغسطس الماضي عن معارضتها للوجود العسكري المصري في الصومال، مبدية قلقها العميق إزاء تأثير ذلك في استقرار المنطقة، وحثت المجتمع الدولي على إدانة تصرفات مصر وتعزيز الحلول الدبلوماسية التي تحترم سيادة جميع الدول في القرن الأفريقي، كما حذرت أرض الصومال من أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الإجراءات التي تهدد السلام".
  • مناورات مرتقبة
وكانت صحيفة "الصومال الجديد" الصادرة في مقديشو نقلت في الرابع من سبتمبر الجاري عن مسؤولين أمنيين قرار كل من مصر والصومال إجراء مناورات عسكرية مشتركة في الدولة الواقعة في القرن الأفريقي، وأشارت نقلًا عن صحيفة "ذا ناشيونال" أن المناورات الحربية المرتقبة تشمل قوات برية وجوية وبحرية، وفقًا لمصادر أمنية إقليمية مقربة من القاهرة، رفضت الكشف عن تاريخ البدء أو المدة أو عدد القوات المشاركة.

وقال أحد المسؤولين وفقًا للصحيفة، "إن التدريبات سترسل رسالة واضحة حول التزامنا الراسخ بالتعاون وحماية الصومال، وستعني أكثر بكثير من مجرد تدريبات حربية".

ومن جهتها قالت إذاعة "أرينا الدولية" نقلًا عن الجيش المصري، إنه سيقوم بمناورات عسكرية مشتركة مع الصومال، وأفادت صحيفة "الجيش المصري" أن قوات مصرية ستجري مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الصومالي في الصحراء الصومالية، ولم تحدد الصحيفة عدد القوات التي ستشارك في هذه المناورات، فيما قالت صحيفة "ذا ناشيونال"، إن التدريبات العسكرية المصرية- الصومالية ستشمل أيضًا القوات البحرية والجوية، وعلى رغم أنه لم يُعلن عن موعد التمرين، فإنها توقعت أن يتم ذلك خلال الشهر الجاري.
  • جيبوتي تهدئ
وكانت جيبوتي الدولة المحايدة تجاه إثيوبيا والصومال قالت، إنها ستمنح أديس أبابا ميناء بحريًّا يكون تحت إدارة إثيوبية 100 في المئة ويقع على بعد أقل من 100 كيلومتر من الحدود المشتركة بين البلدين.

وقال وزير خارجية جيبوتي محمد يوسف في لقاء مع "بي بي سي نيوز" الأحد الماضي، "إنهم يفعلون ذلك لحل النزاع بين إثيوبيا والصومال"، وأشار المسؤول الجيبوتي إلى أن "الرئيس إسماعيل قيلي سيعمل أثناء حضوره قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي سبتمبر الجاري ببكين للجمع بين الرئيسين الصومالي والإثيوبي من أجل الوصول إلى حل لخلافهما".

وفي تطور سابق كان وزير الخارجية الإثيوبي تاي أتسكي سلاسي دعا مصر فيما يبدو كخفض للتوتر وطمأنة للقاهرة في شأن مخاوفها حول نيات إثيوبيا المائية في سد النهضة إلى تجاوز الخلافات، موضحاً أن أبواب بلاده مفتوحة للحوار والتفاوض لإنهاء ملف الخلافات في شأن سد النهضة، فيما أشار إلى أن الخلافات مع الصومال يجب أن تحل عبر المفاوضات مطالبًا بعدم الاستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده.

وعدت الخارجية الإثيوبية المساعدات العسكرية المصرية للصومال "بأنها ترقى إلى مستوى تدخل خارجي".
  • رواية لم تروَ
بروك هايلو المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أديس أبابا قال في حديث لقناة "فانا" (FBC)، إن "إثيوبيا بحكم أنها دولة ذات كثافة سكانية عالية واقتصاد كبير لا تزال لها مساهمات في الحفاظ على استقرار وأمن منطقة القرن الأفريقي، لكنها لم تعد تحظى بالتقدير تجاه المساهمات التي تقدمها"، مشددًا على أن "سياسة إثيوبيا لا تكون بالتهاون في حقوق دول المنطقة والدول المجاورة".

وتساءل هايلو من الذي دافع عن الصومال وساعدها على النجاة؟ قوات إثيوبيا "وهذه رواية لم تروَ"، بحسب قوله، مضيفاً "مصر تصر على هدم حق إثيوبيا المجتمعي، ولذلك عزمت إثيوبيا على عرض هذه القضية على المجتمع الدولي"، متابعًا "الفكرة التي أريد أن أقدمها هي أنه يجب عرض قضيتنا على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعلى الدول الأعضاء في (إيغاد) فنحن لم نغلق بابنا أبداً ولدينا رغبة دائمة للتشاور".

من جهته يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد، إن "التحركات المصرية التي تأتي بغطاء حماية المصالح العربية المتمثلة في حماية الصومال تتناسى الدور المصري في غزة والسودان، وهذه قضايا ينبغي أن يكون للقاهرة دور فاعل وعاجل فيها بدلًا من الهرولة إلى منطقة القرن الأفريقي".

وأضاف أحمد، "التهديدات الأمنية التي تواجه الصومال لم تكن وليدة اللحظة، فمن الطبيعي أن تتبادر أسئلة حول دور مصر منذ أن فقدت الصومال أمنها واستقرارها بسبب تهديدات (حركة الشباب)".
  • أمام اختبار
إثيوبيا وضمن مجمل ردودها ما بين التصعيد والتهدئة جاءت خطوة تعيينها تيشومي شوندي هاميتو سفيرًا لها لدى "صوماليلاند" كقرار فوري، ورد فعل مباشر على إرسال مصر مساعداتها العسكرية للصومال، ودلالة عازمة على مضيها تجاه اتفاقها مع أرض الصومال، وهي خطوة عدها المراقبون منح شرعية جديدة لمذكرتها الموقعة مسبقًا مع "صوماليلاند".

الكاتب الصومالي فرحان حرسي يقول، إن "إرسال مصر قوات ومعدات عسكرية إلى الصومال لا يختلف كثيرًا عن القوات التركية والأفريقية الموجودة في البلاد، وكل هذه القوات إما موجودة كبعثة أفريقية أو بطلب من الصومال بغرض مساعدتها عسكريًّا".

ويوضح حرسي أن "العرض الجيبوتي يأتي كحل يلبي احتياج إثيوبيا للبحر ويقي المنطقة شر الصراع والمواجهات التي لا تحمد عقباها"، متابعًا "إذا كانت إثيوبيا راغبة بالفعل للوصول إلى منفذ بحري يكون تحت إدارتها فها هو العرض الجيبوتي السخي فلتقبله"، مشيرًا إلى أن "أديس أبابا الآن أمام اختبار صعب فرفضها العرض الجيبوتي يكون تصديقًا لشكوى مقديشو بأنها تريد اقتطاع جزء من الأراضي الصومالية ولا تحترم سيادتها".
  • تصعيد وتاريخ
الوجود المصري في الصومال مهد له لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود نظيره المصري الرئيس عبدالفتاح السيسي وتوقيعهما بروتوكول التعاون العسكري الثنائي عقب فشل مفاوضات الطرفين الصومالي والإثيوبي في العاصمة التركية أنقره في يوليو الماضي، وقال شيخ محمود إنه "لا توجد علامات تشير إلى استعداد إثيوبيا لإعادة النظر في مذكرة التفاهم المثيرة للجدل".

المتخصص في الاقتصاد والعلوم السياسية محمد حسب الرسول قال، إن الأوضاع في القرن الأفريقي تشهد حالة من التوتر المتصاعد منذ أن ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خطابه أمام برلمان بلاده في نوفمبر 2023 الذي قال فيه "إن حصول إثيوبيا على منفذ بحري بات مسألة حياة أو موت، وإنه حان الوقت لمناقشة الموضوع علنًا من دون مواربة، وإن البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يحددان مصير إثيوبيا، وأساس تنميتها أو تدميرها".

وأضاف المتخصص الاقتصادي، "ازدادت حدة التوتر في الإقليم عامة وبين الصومال وإثيوبيا خاصة، بعد توقيع مذكرة التفاهم مطلع هذا العام بين إثيوبيا وأرض الصومال (صوماليلاند) التي تمكن الأولى من إقامة ميناء تجاري وعسكري في الساحل الصومالي".

ويوضح حسب الرسول أن ما يحدث الآن من نزاع ليس بين إثيوبيا والصومال ما هو إلا انعكاس للتاريخ القديم والحديث الذي سجلت مضابطه حقبًا من التدافع بين البلدين، ففي القرن الـ16 نشبت الحرب "العدلية الحبشية" التي تمكنت سلطنة عدل الصومالية خلالها من بسط نفوذها وسلطانها على ثلاثة أرباع أراضي الإمبراطورية الحبشية قبل أن يطلق عليها اسم إثيوبيا في القرن الـ20".

ويتابع المتخصص السياسي "وفي القرن الـ19 غزا الملك الإثيوبي منليك الثاني أنحاء من الصومال، وسيطر على إقليم أوغادين، واستمرت الحروب والغزوات في القرنين الـ20 والـ21 حين نشبت حرب الحدود في عام 1964، وحرب أوغادين في عامي 1977 و1978، وحرب أغسطس 1982، ثم الحرب التي استمرت لعامين بين 1998-2000، تلاها ما عرف بالغزو الإثيوبي الذي امتد من 2006-2009".

وأشار المتحدث إلى أنه "في كل الحروب والنزاعات بين إثيوبيا والصومال كانت الأطماع التوسعية والأجندة الخارجية حاضرة، إذ وقفت تركيا إلى جانب مقديشو في الفترة العثمانية الأولى، ووقفت بريطانيا وفرنسا وأميركا وغيرها من الدول إلى جانب إثيوبيا في الماضي والحاضر"، مؤكدًا أن "الزمن لم يغير الأطماع ولم يبدل الأجندة، وها هي طبول الحرب تدق من جديد، وهي تستلف معطيات التاريخ وتمضي نحو المحظور بدفع كولنيالي ظاهر ومستتر".

"إندبندت عربية"