> "الأيام" القدس العربي:

​شهدت مدينة عدن، أمس الثلاثاء، إشهار التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، وهو تحالف جديد يضم أكثر من عشرين حزبًا ومكونًا سياسيًا، بما فيه تشكيلات سياسية لأجنحة مسلحة ومكونات جهوية.

وقد أثارت ولادة هذا التكتل ردود فعل مختلفة بدءًا من إعلان رفض المجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع وغيرها لهذا التكتل، ومرورًا بتشكيك بعض المدونين بأهدافه، لا سيما وقد أشرف ورعى تأسيس هذا التكتل المعهد الوطني الديمقراطي (الأمريكي).

تأسيس وإعلان هذا التكتل يأتي في مرحلة يمنيّة بالغة التعقيد تمضي فيها الأمور بشكل متسارع باتجاه استئناف الحرب، وهي حرب، لو استؤنفت بالشكل الذي يحمله التصعيد الإعلامي الراهن، فستذهب بالبلد إلى “محرقة” لن يخرج منها إلا بعد سنوات عديدة، يكون فيها اليمن قد فقد كل مقدراته، وخسر عقودًا من تاريخه.

تدوينات يمنية عديدة تحذر من استئناف الحرب استجابة لمشاريع خارجية، مؤكدة أن استئنافها لن يكون إلا إحراقًا متعمدًا وواسعًا لما تبقى من آمال وأحلام اليمنيين في إمكانية الخروج من النفق المظلم، لا سيما وأن الحرب هذه المرة تأتي وبشكل واضح باعتبارها تلبية لمشروع مختلف يتم معه استكمال تمزيق الممزق، وحرمانه من كل مقومات وعوامل قوته، وبالتالي هي حرب لن يتجاوزها اليمن إلا بعد عقود من النيران الملتهبة. وأكدَّ التكتل الجديد، في بيان الإشهار، “التزامه بالدستور والقوانين النافذة، والمرجعيات المتفق عليها وطنيًا وإقليميًا ودوليًا، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق، والشراكة، والشفافية والتسامح”.

مهما كانت اللغة والمفاهيم التي حملها بيان الإشهار واللائحة التنظيمية للتكتل فهو كأي تكتل حزبي وسياسي لا بد أن يُعبّر عن نفسه بلغة تعكس رؤية يتفق حولها الكثير، إذ شهد اليمن تأسيس عدد من تحالفات الأحزاب والمكونات السياسية حملت برامجها عبارات رائعة وشعارات براقة، لكنها لم تستطع أن تحمي اليمن من الحرب، أو تذهب بالبلد إلى مرحلة أفضل، بقدر ما ساهمت في تعقيد وصول اليمن إلى شاطئ الحل والتوافق، بل ظل الخلاف سمة يمنية اندفع معها البلد للتنور.

بعد حرب السنوات العشر، التي شهد خلالها الوضع الإقليمي والدولي تطورات باتجاه تشكيل واقع إقليمي جديد، لن يكون الوضع في اليمن بمنأى عن التأثر بهذه التحولات، بحكم ارتباط الصراع في اليمن بالصراع الإقليمي، الذي هو الآخر مرتهن للقوى الدولية. وبالتالي يرجح مراقبون أن يكون تأسيس هذا التكتل مرتبطًا بهذه التطورات الجديدة، بما فيها استئناف الحرب في اليمن. نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر، يقول في تصريح لـ”القدس العربي” إن الأحزاب اليمنية، سواء التي في عدن أو التي في صنعاء، هي جزء من المشكلة، والمقارنة بينها، هي مقارنة بين السيئ والأسوأ.

وأشار إلى أنه من غير المستبعد “أن التكتل الحزبي الجديد يأتي في سياق تمرير توافقات حول مشاريع من بينها استئناف الحرب في اليمن، واستئناف الحرب في اليمن صار أمرًا قائمًا يتم العمل والتحضير له على قدم وساق”. وقال إن الحرب في اليمن مرتهنة للصراع الإقليمي، الذي هو نفسه مرتهن للقوى الدولية، والقوى المحلية هي جزء من أدوات الصراع الإقليمي.

“القدس العربي” حاورت أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبد الله عوبل، وهذا الحزب هو أحد الأحزاب التي تشكل منها هذا التكتل، وكان سؤالنا الأول عن أولويات هذا التكتل في هذه المرحلة، وذلك من خلال مشاركته في الجلسات التحضيرية لإنشاء هذا التكتل.

وقال عوبل: “هذا التكتل نشأ بين الأحزاب والمكونات اليمنية، هدفه توحيد قوى الشرعية ووقف الصراعات بين أجنحتها ومكوناتها، والتأسيس لمفاوضات جاده من أجل إرساء السلام والتنمية والاستقرار في البلاد”.

وفيما يتعلق بإشراف معهد خارجي، وأمريكي تحديدًا، على رعاية وإخراج هذا التكتل إلى حيز الوجود، أوضح: “المعهد الديمقراطي موجود في اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو يقوم بالتنسيق بين الأحزاب، ويقوم بتدريب أعضاء الأحزاب منذ وجوده”. وهل من الضروري أن يكون هناك دور خارجي وأجنبي لتلتقي هذه الأحزاب والمكونات وتشكل هذا التكتل؟ ألم يكن بمقدور المكونات اليمنية أن تلتقي وتتحالف من تلقاء نفسها؟

يجيب عوبل: “نحن نتمنى أن نتفق نحن اليمنيين دون وساطة خارجية، لكن للأسف أقرأ كل تاريخ الوساطات منذ الحرب الجمهورية الملكية، لم يعقد اتفاق واحد بين اليمنيين بدون وسيط خارجي حتى مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي نحترم مخرجاته أيضًا انعقد بوساطة ودعم خارجي.

للأسف هذه نقيصة، ولكن نحن ننظر إلى ما سيقدمه هذا التكتل من جهد من أجل حدوث اختراق في مفاوضات الحل، من أجل وقف معاناة شعبنا الذي تعب بعد سنوات من الحرب”.
واستطرد: “هل كان ضروريًا أن نجتمع بوساطة؟ لم يكن ضروريًا إذا توفرت نوايا طيبة. ولكن كما أسلفت لم يجتمع اليمنيون قط من تلقاء أنفسهم، والأمل في النتيجة أما التكوين أمر سهل، الناس تريد أن ترى إنجازًا ملموسًا وليس مجرد شعارات وكلام”.

لكن كان هناك تحالف أحزاب قائم، ما الذي يميز هذا المكون، وماذا يعني أن يضم أجنحة سياسية لتشكيلات مسلحة؟ ولماذا الإعلان عنه في هذا التوقيت؟

يقول عوبل: “هذا المكون أكبر من حيث العدد، أما احتواؤه على فصائل مسلحة، جناح طارق صالح، وربما كان سيدخل الانتقالي، هنا يجري الكلام حول مكونات سياسية تمتلك أذرعًا مسلحة، جرى التعامل معها كمكونات سياسية يفضل دمجها في المجال السياسي على طريق حل جميع الميليشيات وإعادة بناء مؤسسات الدولة جيش وشرطة”
ما علاقة هذا التكتل برغبة خارجية بتمرير قرارات وتوافقات باتجاه مشاريع كاستئناف الحرب؟

يقول عوبل: “لا لم يجر الحديث بحرف واحد عن الحرب. ونحن ضد الحرب، ولا بد من ترسيخ قواعد السلام. لا علاقة لهذا التكتل بالحرب، وليس لنا مصلحة فيها، كفى ما سالت من دماء خلال عشر سنوات ذاق شعبنا فيها الويل”.
ولماذا لم يشارك المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض المكونات كحزب الرابطة في هذا التكتل؟ يقول عبد الله عوبل: “⁠المجلس الانتقالي شارك في اجتماع أبريل الماضي في عدن. ثم طرح شرطًا أن يُمثل بالنصف باعتبار جميع الأحزاب شمالية كما يزعم. وهذا الشرط غير مقبول وأما الرابطة فهي لم تشارك من البداية”.
  • المجالس الجهوية
وكان الإقليم قد عمل خلال السنوات القليلة الماضية على تهميش دور الأحزاب اليمنية، والتقليل من دورها، من خلال دعمه إنشاء مجالس جهوية، وتمكينها من تصدر الساحات في نطاق محافظاتها، على حساب حضور الأحزاب، وها هو الإقليم بدعم أمريكي يعود لدعم إنشاء تكتل يضم الأحزاب والمكونات السياسية، وكلمة مكونات تعني أنه ليس بالضرورة أن يكون حزبًا، ولهذا ضم التكتل بعض المجالس الجهوية كمجلس حضرموت الوطني ومجلس شبوة الوطني وغيرها، بالإضافة إلى تشكيلات سياسية لأجنحة مسلحة كالمكتب السياسي للمقاومة الوطنية.

الجدير بالإشارة إلى أن بعض الأحزاب، التي ضمها التكتل، لها مكون مماثل في صنعاء، وهي بالطبع رافضة انضمام أحزابها لهذا التكتل، كالمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وحزب البعث العربي الاشتراكي وغيرها.