> تبن «الأيام» هشام عطيري:
سكان: نحن فقراء لا نملك المال لنرحل ومجبرون على مواجهة هذه الطبيعة القاسية






> في قرية الوعرة بمديرية تبن بمحافظة لحج تقف الحجة نجاة عزان على عتبة منزلها، وقد تحولت الدموع إلى رفيق دائم لوجهها الذي أنهكته الأيام، فداخل هذا البيت المحاصر بالكثبان الرملية، تعيش نجاة مع زوجها المريض وأطفالها، محاولين مواجهة الطبيعة القاسية التي سلبت منهم الراحة وحتى الأمان.

تحكي نجاة بمرارة عن معاناتها اليومية: "كل ليلة، عندما تهب الرياح الموسمية، نكون في سباق مع الزمن لإزالة الرمال التي تغمر غرفنا. إحدى الغرف لم تعد صالحة للعيش، فقد ابتلعتها الرمال بالكامل. اضطررنا لسد النوافذ بـ "البلوك"، لكنه مجرد حل مؤقت". ومع كل يوم يمر يصبح البيت أكثر هشاشة، مهدداً بالانهيار تحت وطأة الرمال التي تتدفق من حوله.

الرمال تغمر غرف المنزل
على بعد خطوات من منزل نجاة يعيش حسن جعفر في معركة أخرى مع الرمال المتحركة التي ابتلعت أرضه وضيقت عليه حياته. حاول حسن التشجير لصد زحف الرمال، لكن محاولاته باءت بالفشل. يقول حسن بأسى: "حتى الأكل والشرب لم يعودا كما كانا. كل شيء ملوث بالرمل. الرز الذي نأكله مملوء بالرمال، وحتى الشاهي يتخلله حبيبات صغيرة".

يشير حسن إلى أن إحدى المنظمات حاولت المساعدة، فأحضرت "شيول" لإزاحة الرمال لبضع ساعات، لكن الرمال عادت بسرعة لتبتلع كل شيء من جديد. يقول بمرارة "نحتاج إلى حلول دائمة، لا مجرد مسكنات. التشجير والدعم الحقيقي هما ما قد ينقذنا، لكننا فقراء لا نملك المال لنرحل أو لنواجه هذه الطبيعة القاسية".

أما الناشط شفيق صلاح فقد جعل من معاناة هؤلاء السكان قضية يتحدث عنها بلا كلل. يروي شفيق عن عشرات الأسر في قرى الوعرة ومغرس والشظيف وبئر ناصر والنوبة، التي لم تجد ملاذاً سوى التعايش مع الرمال التي غمرت حياتهم: "المشكلة أكبر من قدرة الأهالي على التحمل. الدولة غائبة، والجهات المسؤولة لا تقدم إلا وعوداً دون تنفيذ".

صورة أخرى توضح الرمال تغمر إحدى الغرفة في المنزل
ويضيف: "هذه البيوت قد تنهار في أي لحظة بسبب ضغط الرمال. لقد ناشدنا السلطات والمنظمات الدولية، لكن دون جدوى. الأمر يتطلب تكاتف الجميع قبل أن تحدث كارثة إنسانية".

في هذه القرى المنسية تحول صمت الجهات الحكومية وتنصلها من المسؤولية إلى صرخة مكتومة، تسمعها فقط الرياح التي تنقل الرمال من مكان إلى آخر، لتكمل مشهد المأساة. بين نجاة، حسن، وعشرات العائلات، يظل الأمل ضعيفاً، لكنه موجود. فهل ستستجيب الجهات المختصة يوماً؟ أم أن الرمال ستواصل ابتلاع كل شيء؟.
