كُشِفَ الغطاء.. وجدوا ضالتهم في المناصفة، جعلوها "تقية" تقيهم المساءلة والمحاسبة.. فَرِحَ القادمون من الشمال بالشراكة المزعومة مع الجنوب، وجعلوها فرصة للفساد والإفساد.. هذا الظلم الذي يقع على الشعب سببه المناصفة، لأن الطرف الذي يدّعي أنه "وحدوي"، تخلّى عن الحِس بالمسؤولية عندما حِيك في نفسه أنه فارق أرضه وأهله في الشمال، وأنهُ ليس يهمه أمر الجنوب وأهله البتّة.

الذين جاؤوا إلى عدن وتبوأوا مناصب عليا أفسدوا إلّا قليلاً منهم، لأنهم ما زالوا مشدودين إلى بلادهم التي اضطرهم الحوثي لمغادرتها، فعُدِمَت النيّة في نفوسهم أن يعملوا خيراً للمحافظات المحررة، لأن الجنوب هو "المُحرَّر" الأول وما دونه ست مديريات شمالية فحسب.

هذا هو البلاء الذي أصاب الجنوب وأهله، حتى أن مؤسسات اقتصادية كبرى بقيت مرتبطة بإدارة صنعاء إلى اللحظة الراهنة تدرُّ أموالاً باهظة لخزينة الحوثي.

يتواطأ مسؤولون في الشرعية من كتلة الشمال في تسهيل عبور المليارات إلى صنعاء لغوث السكّان هناك، بينما يجوع الناس في المناطق المحررة في أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم.

جناية الجنوب أنه شارك في المناصفة، وصارت نُخبه متهمة بالشراكة في الظلم والفساد الذي حل بعدن ومحافظات الجنوب الأخرى، حتى على مستوى وظيفة المبعوث الأممي ظل المحسوبون على كتلة الشمال في الشرعية والحكومة يتماهون مع تصرفات جراند هانسبيرج المتواطئة مع الانقلاب، ورضوا بعمل المنظمات الدولية وبقاء مكاتبها في صنعاء لإغاثة سكان الشمال ولا بأس أن يفقر الناس في مناطق سيطرة الشرعية المزعومة.

بصراحة لم يكن شركاء المناصفة من أبناء الشمال أهل ود، فقد تململوا في حمل الأمانة وألحقوا بنا الأذى، والذين أخلصوا منهم ضاع خيرهم في ركام الفساد الكبير،

فآثروا الصمت والانزواء بعد أن حصلوا على نصيبهم من الكعكة.

حبكة المناصفة صَنَعَت وجعاً ودماً ودموعاً، لكن حسبنا أن نحِل الظالم إلى الله:

إلى الدَّيان يوم الحشر نمضي

وعند اللهِ تجتمعُ الخصومُ

ماذا عساها أن تفعل نُخَب الجنوب أمام هذا الفساد الفظيع، وأفظع منه أن تدري؟

إنّ محرِّك هذا الخراب في الجنوب هم عناصر في سلطة الشرعية خبروا القيادة وإدارة الدولة والأزمات منذ نظام صنعاء القديم، لذا عجز المحسوبون على الجنوب في كيان الشرعية أن يصدوا هذا السيل من الخراب، بينما صمت بعضهم وانزوى جانباً بعد أن حصل على نصيبه من الكعكة أيضاً.

نُخَب الشمال في حكومة عدن المعترف بها دولياً آثرت أن تظلّل الغمامة رؤوس سكان الشمال، وأن يكون الغيث والغوث من نصيبهم في لؤمٍ واضح وفاضح.

أيٌّها الجنوبيون خذوا حِذركم في اللحظة الأخيرة، فقد وقعتم في مصيدة المناصفة، وجاع شعبكم وافتقر وعانى مرارة العيش على مرأى ومسمع منكم، وربما كنتم سبباً فيما حصل.

قيل إن شاعراً أراد أن يلوم نفسه لما أصابه من الألم والحسرة، لأنه كان المتسبب الأعظم فيما جرى له من داء العِشق والوقوع في الغرام فأنشد يقول:

وأنا الذي جَلَبَ المنيّة طَرْفُهُ

فمنِ المُطالَبُ والقتيلُ القاتلُ

ربما لا تنفع الآن الدعوة لفضّ الشراكة، لأن الوقت متأخراً، لاسيما أن إدارة ترامب الجديدة تنوى عمل حل للمشكلة اليمنية ليس من أجل عيون الشعب، ولكن بسبب جناية الحوثي في القرصنة وتعطيل الملاحة الدولية.. هذا ترامب أيها السادة عينهُ على "القروش"، وهو صاحب الكلمة الشهيرة "ادفعْ".