> عدن "الأيام" خاص:
عدن: بيع الكلى والأعضاء آخر ملاذ الموظفين لمواجهة الفقر والجوع
اليوم يرفع خالد صوته، ليس طلبًا للشفقة، بل أملًا في أن تصل صرخته إلى من يملك القرار، لعل هناك من يستجيب، حتى لا يصبح بيع الأعضاء في عدن هو الحل الوحيد للنجاة من شبح الجوع والتشرد.
> في زاوية شارع مهجور يفترش الأستاذ خالد الجفري قطعة كرتون قديمة، متلحفًا سماء عدن بلياليها وأيامها القاسية، بعدما كان يومًا ما يُلقي دروسا داخل فصل مدرسي ليضيء عقول تلاميذه بالمعرفة، لم يكن يتخيل بعد 27 عامًا من العطاء أن يجد نفسه مشردًا، بلا مأوى، يبحث عن مأكلٍ يسد رمقه، بعدما ضاقت به سبل العيش، وأُجبر على عرض إحدى كليتيه للبيع في محاولة يائسة للنجاة.
قضى خالد 27 عامًا من عمره في تعليم الطلاب بمدرسة بئر أحمد بمديرية الشعب، مكرسًا جهوده لبناء جيل متعلم رغم كل التحديات، لكنه اليوم يعيش واقعًا مريرًا بعد أن اضطرته الظروف القاسية إلى اتخاذ قرار يوجع القلب، وهو بيع إحدى كليتيه.
كانت حياته تسير في مسارها الطبيعي، حتى بدأت الأوضاع الاقتصادية في التدهور، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، بينما بقي راتبه ثابتًا عند 94 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 155 ريالًا سعوديًا، وهو مبلغ لا يكفي حتى لسد حاجات أسرته الأساسية، ومع تأخر صرف الرواتب تراكمت عليه ديون الإيجار حتى اضطر صاحب المنزل إلى طرده، ليجد نفسه وحيدًا في الشارع.
أما أسرته، زوجته وولديه، فلم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى أهلها في منطقة باتيس بمحافظة أبين، وهو الأمر الذي كسر قلبه، إذ لم يكن يتخيل يومًا أن يكون بعيدًا عنهم، غير قادر على تأمين سقف يؤويهم جميعًا.
صباح الخميس الفائت وصل خالد إلى مقر صحيفة "الأيام" منهكًا يحمل على كاهله همومًا أثقلت روحه، وعيونه تفيض بالألم، تحدث عن معاناته، عن ليالي البرد التي يقضيها في العراء، وعن الإذلال الذي يشعر به حين يضطر لطلب المساعدة، وعن الوجع الذي يعتصره وهو يسمع صوت أطفاله عبر الهاتف يشتاقون إليه.
"لم يعد لديَّ خيار آخر.. سأبيع كليتي حتى أتمكن من شراء منزل صغير يلم شتات أسرتي"، قالها بصوت مخنوق، بينما يحاول أن يخفي دموعه. يدرك خالد أن بيع كليته قد يعرضه لمخاطر صحية، لكنه يفضل التضحية بجزء من جسده على أن يرى أسرته مشردة أو جائعة.
مأساة خالد هي انعكاس لواقع يعيشه آلاف المعلمين والمواطنين في محافظات الجنوب واليمن، الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية وغياب الحلول الجذرية لمشاكلهم، فبينما تواصل الأسعار ارتفاعها الجنوني، يظل راتب المعلم بالكاد يكفي لسد حاجات بضعة أيام، ويظل السؤال مفتوحًا: إلى متى سيظل المعلم، الذي يبني الأجيال، عاجزًا عن تأمين أبسط مقومات الحياة لنفسه ولأسرته؟