> د. حافظ قاسم القطيبي:
يشهد قطاع التعليم في اليمن أزمة غير مسبوقة تُعد هي الأسوأ في العقود الأخيرة، فقد تفاقمت التحديات في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها، مثل عدن وحضرموت وتعز ولحج وأبين وشبوة والضالع، بفعل التدهور الاقتصادي الحاد، وتأخر صرف الرواتب، وتردي الأوضاع المعيشية. وأمام هذا الواقع، باتت الرواتب عاجزة عن تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية، مما أدى إلى تراكم الديون وتفاقم معاناة الأسر في تأمين الغذاء والمسكن والتعليم لأبنائها.
وقد اندلعت موجة من الإضرابات والاحتجاجات، بدأت بالإضراب الشامل، الذي بدأ في 22 ديسمبر 2024، للمعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية: جامعات عدن وأبين ولحج وشبوة، تعبيرًا عن استيائهم من الأوضاع المتردية. ومع تفاقم الأزمة، التحقت نقابات العمال الجنوبيين بالحركة الاحتجاجية، وهو ما أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات وشمولها مختلف القطاعات، في مؤشر واضح على تصاعد حالة الاحتقان المجتمعي وعجز الحكومة عن إيجاد حلول فعالة.
هذا الواقع أثار استياءً واسعًا في الأوساط الشعبية، فقد عدّ كثيرون أن هذا التفاوت يشير إلى غياب العدالة الاجتماعية واستفحال الفجوة الطبقية، ويؤكد غياب الجدية لدى الجهات المسؤولة في إيجاد حلول للأزمة؛ لكون أبنائهم غير متضررين من تدهور التعليم الحكومي. إن استمرار هذا التمييز قد يؤدي إلى انقسامات اجتماعية عميقة، إذ يصبح التعليم امتيازًا محصورًا بمن يملك القدرة المالية، بينما يُحرم منه أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الأمر الذي يهدد بنشوء مجتمع غير متكافئ تسوده الفوارق الحادة وغياب تكافؤ الفرص.
وكان الأجدر توجيه هذه الموارد نحو دعم رواتب المعلمين، وتحسين بيئة التعليم، وإنشاء مدارس جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب، بدلاً من تركهم يتكدسون في فصول مزدحمة تفتقر إلى أدنى مقومات البيئة التعليمية السليمة. إن هذه الممارسات من الفساد وسوء الإدارة تُظهر غياب سياسة تعليمية واضحة، وهو ما يفسر التراجع الحاد الذي شهده التعليم في اليمن خلال السنوات الأخيرة.
وفي ظل هذا الوضع المتردي، نظمت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين وقفة احتجاجية جديدة أمام مبنى وزارة التربية في عدن في يوم الأربعاء الماضي 12 فبراير 2025، تعبيرًا عن رفضهم لما وصفوه بـ"العذاب والقهر والظلم" الذي تكبدوه في ظل الحكومات المتعاقبة، التي لم تولِ القطاع التعليمي الاهتمام اللازم، بل انشغلت بالفساد وإهمال حقوق الموظفين. وفي بيانهم، قال المحتجون: "نعلن بوضوح تام أننا لن نتردد في التصعيد وصولًا إلى العصيان المدني بالاتفاق مع اتحاد نقابات عمال الجنوب".
في 1 يناير 2025، نُظِّمت وقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر الأمم المتحدة في عدن، بمشاركة نقابات العمال الجنوبيين والمعلمين والأكاديميين والعسكريين والموظفين. لقد كانت هذه الوقفة رسالة واضحة للمجتمع الدولي بشأن خطورة الوضع الاقتصادي، والمطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ العاملين في القطاع العام من كارثة اقتصادية محققة.
وتلت هذه الوقفة وقفة احتجاجية كبرى في ساحة العروض في خور مكسر، في 14 يناير 2025م.
ومع كل وقفة احتجاجية، يزداد الضغط على الحكومة للاستجابة للمطالب، لكن حتى الآن، لم تظهر أي بوادر جدية للحل. وفي ظل هذه الظروف، بدأت الأصوات تتعالى للمطالبة بتوسيع نطاق الاحتجاجات، بل والتصعيد وصولًا إلى العصيان المدني الكامل في حال لم يتم تلبية المطالب خلال الفترة القادمة.
وقرر المجلس الاستمرار في الإضراب المفتوح خلال الفصل الدراسي الثاني، مع السماح باستكمال امتحانات الفصل الأول في بعض الكليات التي لم تستكمل امتحاناتها، وذلك لضمان عدم ضياع العام الدراسي بالكامل على الطلاب.
وفي 2 فبراير 2025م نظمت نقابة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الجنوبية وقفة احتجاجية في ساحة كلية الطب بجامعة عدن، وقد أكد البيان الصادر عن الوقفة الاستمرار في الإضراب والتصعيد كحق مشروع، معتبرًا أن التراجع غير وارد في ظل استمرار التهميش والظلم. كما أوضح أن هذا التصعيد "ليس مجرد خطوات احتجاجية رمزية، بل هو التزام أخلاقي وإنساني لانتزاع الحقوق" "ورفض لحالة الفقر المعنوي والمادي". ووجه دعوة صريحة إلى جميع أعضاء هيئة التدريس للالتزام بالإضراب والوقفات الاحتجاجية حتى تتحقق المطالب المعلنة.
لقد باتت هذه الإدارات الجامعية تخضع بشكل غير مبرر لإملاءات مندوب الجامعة لدى الخدمة المدنية والمالية، متجاهلة مسؤولياتها الأساسية في الدفاع عن حقوق الأكاديميين ومتابعة قضاياهم، وكأن القرار الأعلى بيد هذا الموظف وليس بيد الجهات المخولة قانونًا. هذا التخاذل يُظهر هشاشة الإدارة وافتقارها إلى الكفاءة والشعور بالمسؤولية، إذ أصبح همّها الأول إرضاء المسؤول الأعلى، ولو كان ذلك على حساب زملائهم من أعضاء هيئة التدريس الذين يفترض أن تكون هي السند المدافع عنهم. إن هذا الوضع الإداري المختل لا يعبر سوى عن عجز مؤسسي صارخ، يسهم في إضعاف الجامعات ويرسخ الظلم داخلها.
وفي السياق ذاته، تقع مسؤولية مباشرة على دول التحالف، التي تعرضت لانتقادات شديدة، بسبب موقفها من الأوضاع المتفاقمة، وكما جاء في بيان نقابي، "يصدمنا صمت دول التحالف" إزاء معاناة الشعب، واعتبر البيان هذا الصمت "تواطؤًا صريحًا مع الفشل". لقد كان من الأجدر أن يخصص التحالف جزءًا من دعمه لتحسين رواتب المعلمين والأكاديميين والموظفين في القطاع المدني، إلى جانب تمويل مشاريع تنموية حقيقية، والإسهام في ضبط سعر الصرف، فضلًا عن مراقبة أداء الحكومة في إدارة الموارد والمساعدات والودائع المالية، لضمان توظيفها بفعالية تخدم مصلحة المواطنين.
يبقى السؤال الأهم: هل سيدرك المجلس الرئاسي والحكومة والتحالف والمجتمع الدولي خطورة الوضع ويتحركون لإنقاذ ما تبقى، أم أن استمرار التجاهل سيؤدي إلى انهيار لا يمكن إصلاحه؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.
"خيوط"
وقد اندلعت موجة من الإضرابات والاحتجاجات، بدأت بالإضراب الشامل، الذي بدأ في 22 ديسمبر 2024، للمعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية: جامعات عدن وأبين ولحج وشبوة، تعبيرًا عن استيائهم من الأوضاع المتردية. ومع تفاقم الأزمة، التحقت نقابات العمال الجنوبيين بالحركة الاحتجاجية، وهو ما أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات وشمولها مختلف القطاعات، في مؤشر واضح على تصاعد حالة الاحتقان المجتمعي وعجز الحكومة عن إيجاد حلول فعالة.
- تفاقم التباين الطبقي والتناقض الصارخ بين التعليم الحكومي والخاص
هذا الواقع أثار استياءً واسعًا في الأوساط الشعبية، فقد عدّ كثيرون أن هذا التفاوت يشير إلى غياب العدالة الاجتماعية واستفحال الفجوة الطبقية، ويؤكد غياب الجدية لدى الجهات المسؤولة في إيجاد حلول للأزمة؛ لكون أبنائهم غير متضررين من تدهور التعليم الحكومي. إن استمرار هذا التمييز قد يؤدي إلى انقسامات اجتماعية عميقة، إذ يصبح التعليم امتيازًا محصورًا بمن يملك القدرة المالية، بينما يُحرم منه أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الأمر الذي يهدد بنشوء مجتمع غير متكافئ تسوده الفوارق الحادة وغياب تكافؤ الفرص.
- غياب الدور الحكومي وسوء إدارة الموارد
وكان الأجدر توجيه هذه الموارد نحو دعم رواتب المعلمين، وتحسين بيئة التعليم، وإنشاء مدارس جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب، بدلاً من تركهم يتكدسون في فصول مزدحمة تفتقر إلى أدنى مقومات البيئة التعليمية السليمة. إن هذه الممارسات من الفساد وسوء الإدارة تُظهر غياب سياسة تعليمية واضحة، وهو ما يفسر التراجع الحاد الذي شهده التعليم في اليمن خلال السنوات الأخيرة.
وفي ظل هذا الوضع المتردي، نظمت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين وقفة احتجاجية جديدة أمام مبنى وزارة التربية في عدن في يوم الأربعاء الماضي 12 فبراير 2025، تعبيرًا عن رفضهم لما وصفوه بـ"العذاب والقهر والظلم" الذي تكبدوه في ظل الحكومات المتعاقبة، التي لم تولِ القطاع التعليمي الاهتمام اللازم، بل انشغلت بالفساد وإهمال حقوق الموظفين. وفي بيانهم، قال المحتجون: "نعلن بوضوح تام أننا لن نتردد في التصعيد وصولًا إلى العصيان المدني بالاتفاق مع اتحاد نقابات عمال الجنوب".
- المطالب الأساسية للنقابات
- الوقفات الاحتجاجية: رسائل قوية للداخل والخارج
في 1 يناير 2025، نُظِّمت وقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر الأمم المتحدة في عدن، بمشاركة نقابات العمال الجنوبيين والمعلمين والأكاديميين والعسكريين والموظفين. لقد كانت هذه الوقفة رسالة واضحة للمجتمع الدولي بشأن خطورة الوضع الاقتصادي، والمطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ العاملين في القطاع العام من كارثة اقتصادية محققة.
وتلت هذه الوقفة وقفة احتجاجية كبرى في ساحة العروض في خور مكسر، في 14 يناير 2025م.
ومع كل وقفة احتجاجية، يزداد الضغط على الحكومة للاستجابة للمطالب، لكن حتى الآن، لم تظهر أي بوادر جدية للحل. وفي ظل هذه الظروف، بدأت الأصوات تتعالى للمطالبة بتوسيع نطاق الاحتجاجات، بل والتصعيد وصولًا إلى العصيان المدني الكامل في حال لم يتم تلبية المطالب خلال الفترة القادمة.
- نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية وبياناتها: تصعيد متواصل ومطالب مشروعة
وقرر المجلس الاستمرار في الإضراب المفتوح خلال الفصل الدراسي الثاني، مع السماح باستكمال امتحانات الفصل الأول في بعض الكليات التي لم تستكمل امتحاناتها، وذلك لضمان عدم ضياع العام الدراسي بالكامل على الطلاب.
وفي 2 فبراير 2025م نظمت نقابة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الجنوبية وقفة احتجاجية في ساحة كلية الطب بجامعة عدن، وقد أكد البيان الصادر عن الوقفة الاستمرار في الإضراب والتصعيد كحق مشروع، معتبرًا أن التراجع غير وارد في ظل استمرار التهميش والظلم. كما أوضح أن هذا التصعيد "ليس مجرد خطوات احتجاجية رمزية، بل هو التزام أخلاقي وإنساني لانتزاع الحقوق" "ورفض لحالة الفقر المعنوي والمادي". ووجه دعوة صريحة إلى جميع أعضاء هيئة التدريس للالتزام بالإضراب والوقفات الاحتجاجية حتى تتحقق المطالب المعلنة.
- ظلم ذوي القربى: ظلم مركب وفساد إداري
لقد باتت هذه الإدارات الجامعية تخضع بشكل غير مبرر لإملاءات مندوب الجامعة لدى الخدمة المدنية والمالية، متجاهلة مسؤولياتها الأساسية في الدفاع عن حقوق الأكاديميين ومتابعة قضاياهم، وكأن القرار الأعلى بيد هذا الموظف وليس بيد الجهات المخولة قانونًا. هذا التخاذل يُظهر هشاشة الإدارة وافتقارها إلى الكفاءة والشعور بالمسؤولية، إذ أصبح همّها الأول إرضاء المسؤول الأعلى، ولو كان ذلك على حساب زملائهم من أعضاء هيئة التدريس الذين يفترض أن تكون هي السند المدافع عنهم. إن هذا الوضع الإداري المختل لا يعبر سوى عن عجز مؤسسي صارخ، يسهم في إضعاف الجامعات ويرسخ الظلم داخلها.
- محاولات كسر الإضراب وتفتيت المحتجين
- من يتحمل المسؤولية؟!
وفي السياق ذاته، تقع مسؤولية مباشرة على دول التحالف، التي تعرضت لانتقادات شديدة، بسبب موقفها من الأوضاع المتفاقمة، وكما جاء في بيان نقابي، "يصدمنا صمت دول التحالف" إزاء معاناة الشعب، واعتبر البيان هذا الصمت "تواطؤًا صريحًا مع الفشل". لقد كان من الأجدر أن يخصص التحالف جزءًا من دعمه لتحسين رواتب المعلمين والأكاديميين والموظفين في القطاع المدني، إلى جانب تمويل مشاريع تنموية حقيقية، والإسهام في ضبط سعر الصرف، فضلًا عن مراقبة أداء الحكومة في إدارة الموارد والمساعدات والودائع المالية، لضمان توظيفها بفعالية تخدم مصلحة المواطنين.
- المجتمع الدولي: صمت غير مبرر
- إلى أين تتجه الأمور؟
يبقى السؤال الأهم: هل سيدرك المجلس الرئاسي والحكومة والتحالف والمجتمع الدولي خطورة الوضع ويتحركون لإنقاذ ما تبقى، أم أن استمرار التجاهل سيؤدي إلى انهيار لا يمكن إصلاحه؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.
"خيوط"