> واشنطن "الأيام" العرب اللندنية:

​تمثل رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فتح قنوات الحوار مع إيران لحل ملفها النووي ورقة رابحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليستثمر الشراكة مع طهران ويعرض لعب دور الوسيط الذي يحوز ثقة الطرفين. كما أنه يحرص على رد الجميل لترامب لموقفه الحاسم ضد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وسعيه لفرض سلام على مقاس خاص يخدم روسيا ولا يعطي اهتماما لموقف كييف وداعميها الأوروبيين.

وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، أثار تراجع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن دعم أوكرانيا، وتبنيها لنهج ودي تجاه موسكو استياء الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في أوروبا. وشكل هذا التحول في موقف واشنطن، والذي تخللته المشادة العلنية داخل المكتب البيضاوي بين ترامب وزيلينسكي، هبة لبوتين.

وقال إيلان بيرمان النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية في واشنطن، في مقال نشرته مجلة ناشونيال إنتريست الأميركية، إن هذا التحول حدث في وقت يكافح فيه بوتين على نحو متزايد في مواجهة التداعيات الداخلية المزعزعة للاستقرار لحربه طويلة الأمد على أوكرانيا وفي الوقت نفسه، يمنح ميل الإدارة الجديدة في البيت الأبيض إلى عقد صفقات روسيا فرصة لتحسين موقفها على نحو أكبر، من خلال عرض نفسها كوسيط دبلوماسي بين واشنطن وطهران.

وقال بيرمان خبير الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى والاتحاد الروسي إن هذا الاقتراح غير متوقع، كما يتسم بالجرأة والمخاطرة. وتتباهى روسيا وإيران بشراكة إستراتيجية واسعة النطاق بين البلدين تمتد لعقود من الزمن. وعلى مر السنين، شملت هذا الشراكة جميع المجالات، من مبيعات الأسلحة إلى دعم البرامج الإستراتيجية المتنوعة للنظام الإيراني.

وتدخلت موسكو أيضا لصالح طهران في مختلف المحافل الدولية، بفضل نفوذها الدبلوماسي، لإضعاف فاعلية العقوبات الغربية على إيران، ولتقليص عزلة النظام الإيراني الدولية. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، صارت الشراكة بين البلدين أكثر عمقا، حيث ساعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، والضغوط الغربية الناجمة عنه، في تحويل روسيا إلى دولة منبوذة على المستوى الدولي. وتحولت الجمهورية الإسلامية إلى ما يشبه شريان الحياة لحكومة الرئيس بوتين.

ومنذ منتصف عام 2022، صارت إيران لاعبا أساسيا في حرب روسيا على أوكرانيا، حيث زوّدت موسكو بالآلاف من الطائرات دون طيار (المسيّرات) طراز “كاميكازي”، التي استخدمها الجيش الروسي ضد كييف في وقت لاحق، وغيرها من المراكز السكانية الأوكرانية، وكان لها تأثير مدمر.

كما ساعدت إيران روسيا في بناء منشأة لتصنيع المسيّرات لإنتاج المزيد منها محليا، وساعدت موسكو في التحايل على العقوبات الدولية والحصول على مكونات وتكنولوجيا ذات استخدام مزدوج للمجهود الحرب الروسي. ووفرت طهران “معدات” تستخدم في ساحة المعركة، من المدرعات إلى قذائف الهاون، التي عززت القدرات القتالية للقوات الروسية. وفي مقابل ذلك، كثّفت روسيا مشاركتها في البرامج الإستراتيجية لإيران.

وأفادت تقارير العام الماضي بأن متخصصي صواريخ روس قاموا بزيارة الجمهورية الإسلامية عدة مرات لتقديم العون للنظام الإيراني في تعزيز قدراته الصاروخية الباليستية في خضم تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل.

وأشار بيرمان إلى ما نشرته مؤخرا صحيفة “تايمز أوف لندن”، والتي أفادت بأن “إيران ترسل بعثات دبلوماسية سرية إلى روسيا لتعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية،” وكذلك للحصول على طائرات مقاتلة روسية متطورة، وعلى دعم الكرملين لإعادة تسليح جماعة حزب الله. وفي نفس الوقت، عملت الدولتان على توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بينهما، والبدء في دمج أنظمتهما المصرفية وآليات المعاملات المالية كوسيلة للتحوط ضد الضغوط الغربية.

وجرى في يناير الماضي، تقنين هذه العلاقات بشكل رسمي، حيث وقع الرئيس بوتين، ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان “اتفاقية إستراتيجية مشتركة شاملة” جديدة مدتها عشرون عاما. وتتضمن الاتفاقية تعهدات بـ”تعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع” و”تنسيق الأنشطة على المستويين الإقليمي والعالمي على نحو وثيق،” إلى جانب مجموعة من الاتصالات العسكرية والاستخباراتية الجديدة بين موسكو وطهران.

وبصيغة أخرى، الشراكة بين روسيا وإيران عميقة، وتزداد عمقا على نحو واسع النطاق. ويرى بيرمان أن ذلك كله يجب أن يكون أمرا بنّاء لواشنطن. ويقول إنه حتى في الوقت الذي عاد فيه ترامب إلى ممارسة “الضغط الأقصى” على النظام الإيراني، أوضح الرئيس الأميركي اهتمامه بالمفاوضات المحتملة مع طهران.

وكشف ترامب أنه بعث برسالة إلى إيران يضغط فيها على الجمهورية الإسلامية للتفاوض بشأن ملفها النووي أو مواجهة عمل عسكري محتمل. وقال ترامب لقناة “فوكس بزنس” في مقطع فيديو بث الجمعة “بعثت برسالة لهم تقول آمل أن تتفاوضوا لأنه إذا كان علينا اللجوء للخيار العسكري فسيكون الأمر مريعا جدا لهم.. لا يمكن أن نسمح لهم بامتلاك سلاح نووي”.

وفرض الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة،” قيودا على برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات عنها. لكن الاتفاق انهار بعد أن سحب ترامب بلاده منه عام 2018 خلال ولايته الرئاسية الأولى. وواصلت إيران لمدة عام بعد انسحاب واشنطن التزاماتها وفق الاتفاق، قبل أن تبدأ بالتخلي عنها تدريجيا. ورد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بعد يوم من تصريح ترامب بأنه أرسل رسالة إلى إيران بقوله إن طهران لن تقبل مطالبهم بالتأكيد

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده لن تجري مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، طالما واصل ترامب سياسة “الضغوط القصوى”. لكن بعثة إيران في الأمم المتحدة أكدت الجمعة أنها لم تتلقّ أيّ رسالة من ترامب بشأن التفاوض بخصوص الملف النووي.

وفي حين رفض النظام الإيراني حتى الآن هذا الاحتمال، تشير المشكلات الداخلية المتنامية في البلاد – من تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى انتشار حالة عدم ارتياح اجتماعية – إلى أنه لن يكون أمام آيات الله خيار سوى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويرجّح أن يكون ذلك عاجلا، وليس آجلا.

ويؤكد بيرمان في أنهم عندما يفعلون ذلك، يمكن أن يكون لديهم حليف مهم إلى جوارهم، حيث إنه عندما يتعلق الأمر بالجمهورية الإسلامية، فإن روسيا “ليست وسيطا نزيها.” وربما يطرح بوتين نفسه الآن كحل محتمل لمشكلة واشنطن المثيرة للإزعاج مع إيران، ولكن التاريخ يثبت أن الكرملين ليس على هذا النحو في الواقع.