> محمد سبتي*:

كشف تقرير حقوقي الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها أكثر من (1796) معتقلًا في سجن ود مدني الخاضع لسيطرة الخلية الأمنية المشتركة التابعة للجيش السوداني، ويقودها عدد من قادة الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين).

واستندت وكالة (الراكوبة) في تقريرها على شهادات مباشرة ووثائق حصرية، موضحة نمطًا ممنهجًا من الاعتقالات العشوائية، وسوء المعاملة، وغياب العدالة القانونية، في ظل صمت رسمي وتواطؤ واضح من الجهات المسؤولة.

ووفق (الراكوبة) فإنّ هناك (3) سجون أخرى في الحصاحيصا والمناقل والفاو، تشهد أحداثًا مشابهة؛ من اعتقالات تعسفية وتعذيب ممنهج وغياب كامل للعدالة.

وفقًا للشهادات التي حصل عليها فريق (الراكوبة)، فإنّ عدد المعتقلين في سجن ود مدني يبلغ (1796) معتقلًا، مع ارتفاع مستمر في أعداد المحتجزين نتيجة لاستمرار حملات الاعتقال التي تنفذها القوات العسكرية والميليشيات التابعة لها.

التوزيع التفصيلي للمحتجزين: في السجن الشمالي (912) معتقلًا، وفي السجن الجنوبي (884) معتقلًا، ويوجد (200) معتقل من كبار السن يعانون من أوضاع صحية متدهورة، و(300) معتقل يعانون من أمراض مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب، دون توفير العلاج اللازم لهم.

كما يقبع في السجن (170) امرأة، من بينهن حوامل ومرضعات، في ظروف احتجاز قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، ويوجد (5) أطفال برفقة أمهاتهم، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات حماية حقوق الطفل.

وبحسب التقرير يوجد (19) من الأطباء والممرضين ضمن المعتقلين، ولا توجد أسباب واضحة لاعتقالهم، ولم تُوجَّه لهم أيّ اتهامات رسمية حتى الآن.

وأكد التقرير أنّ حملات الاعتقال لا تقتصر على الأشخاص المرتبطين بأنشطة سياسية أو مجتمعية، بل امتدت لتشمل المدنيين العاديين، بمن فيهم النساء والأطفال، ممّا يعكس سياسة ممنهجة لقمع الأصوات المعارضة وإرهاب السكان المحليين.

وتشير الشهادات الحصرية إلى أنّ أوضاع الاحتجاز في سجن ود مدني تمثل انتهاكًا واضحًا للحد الأدنى من المعايير الدولية الخاصة بمعاملة السجناء، ويُمنح المعتقلون وجبة واحدة فقط يوميًا تتكون من عدس أو عصيدة بكمية لا تزيد عن (500) غرام للفرد، ويجلس (15) شخصًا على صينية واحدة لتناول وجبة العدس، ممّا يؤدي إلى نقص شديد في التغذية وانتشار الأمراض الناجمة عن سوء التغذية، هذا إلى جانب التعذيب الجسدي والنفسي، حيث يجبر المعتقلون على الجلوس في ساحة السجن الرئيسية تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة دون مبرر، ممّا أدى إلى إصابة بعضهم بضربات شمس والتهابات جلدية.

هذا إلى جانب منع الزيارات، ويُحظر على أقارب المعتقلين زيارتهم، إلا في حالة الحصول على وساطة أو دفع رشوة لأحد العاملين في السجن.

جميع المعتقلين في سجن ود مدني تحت "التحري" والانتظار دون تقديم تهم رسمية أو إجراءات قانونية واضحة، ولا يوجد بين المعتقلين من صدرت ضدهم أحكام قضائية.

وأكد التقرير أنّ وكيل النيابة والمتحرّين يحضرون إلى السجن مرة أو مرتين في الأسبوع فقط، دون اتخاذ أيّ خطوات جدية لتقديم المعتقلين للمحاكمة أو إطلاق سراحهم، ويرفض المسؤولون الإدلاء بأيّ تصريحات أو تبريرات قانونية حول أسباب الاعتقال أو استمرار احتجاز المعتقلين لفترات غير محددة.

وتشير التقارير إلى أنّ الظروف الصحية داخل السجن متدهورة إلى درجة خطيرة، وتنتشر الأمراض المعدية مثل الدرن والجرب بين المعتقلين نتيجة الاكتظاظ وانعدام النظافة، وتفاقم الإصابات والجروح الناجمة عن التعذيب بسبب غياب الرعاية الصحية، ممّا أدى إلى حالات غرغرينا تتطلب بترًا للأطراف.

وبلغ متوسط الوفيات داخل السجن (3) حالات يوميًّا بسبب الإهمال الطبي وسوء التغذية، وفي بعض الحالات تُترك الجثث في العنابر لساعات طويلة بعد الوفاة قبل أن يتم نقلها.

وذكر التقرير بعض الفظائع التي تحدث في سجن الكاملين الذي يحتجز فيه بعض المعتقلين دون توجيه تهم رسمية أو الخضوع لإجراءات قانونية واضحة.

وتخضع إدارة السجن لسيطرة الخلية الأمنية المشتركة، التي تتبع مباشرة لأوامر القيادة العسكرية في الجيش السوداني، والمسؤول المباشر عن السجن ياسر عبد الله عبد الرسول، وهو من حركة العدل والمساواة التابعة للحركة الإسلامية ويقودها قيادات إخوانية.

بالإضافة إلى ذلك، تفيد المعلومات الموثوقة بأنّ السلطات العسكرية تقوم باحتجاز المعتقلين أيضًا في مستشفى علوب للأمراض النفسية والكاملين في ظروف غير إنسانية تتعارض مع القوانين المحلية والدولية.

وختمت (الراكوبة) تقريرها بالقول: إنّ ما يحدث في سجون ود مدني والحصاحيصا والمناقل والفاو ومستشفى علوب والكاملين يمثل انتهاكًا صارخًا لكافة المواثيق الدولية. وإنّ استمرار الاعتقالات العشوائية، والتعذيب المنهجي، وانعدام العدالة القانونية، يعكس نهجًا منظمًا لقمع الحريات وانتهاك الكرامة الإنسانية.

*صحفي أردني
"حفريات"