> طهران "الأيام" وكالات:

​أطلقت إيران عبر رئيسها مسعود بزشكيان إشارات متضاربة تحمل في طياتها انفتاحا حذرا على الاستثمارات الأميركية ورفضا قاطعا لأي محاولة لتغيير نظام الحكم، وذلك عشية لقاءات نادرة ومفصلية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي المتنازع عليه.

ويأتي هذا التباين اللافت في الخطاب قبل ساعات من انطلاق المحادثات المقررة السبت في سلطنة عمان، والتي تمثل فرصة نادرة للبلدين، اللذين قطعت علاقاتهما الدبلوماسية منذ عقود، للتداول في ملف بالغ الأهمية يهدد بتصعيد التوترات الإقليمية والدولية.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليل الاثنين أن هذه المحادثات ستكون "مباشرة" مع مسؤولين ايرانيين، في حين أكّدت طهران أنها "غير مباشرة".

وقال بزشكيان في كلمة بثها التلفزيون الرسمي إن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي "لا يمانع وجود مستثمرين أميركيين في البلاد"، لكنه تدارك "نعارض سياساتهم المضللة، وبينها المؤامرات ومحاولات تغيير النظام"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.

وهذا التناقض الظاهر يعكس معضلة إيران، المتمثلة في حاجتها الماسة للاستثمارات الأجنبية لإنعاش اقتصادها المنهك تحت وطأة العقوبات الدولية، من جهة، وخشيتها العميقة من النفوذ الأميركي من جهة أخرى، حيث تتهم الحكومة الإيرانية واشنطن بالوقوف وراء محاولات تدخل وزعزعة استقرار منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979، في أعقاب ثورة أطاحت حكم الشاه المدعوم من الولايات المتحدة.

وفي ديسمبر، أعلن وزير الخارجية الأميركي آنذاك أنتوني بلينكن أن محاولات تغيير النظام في إيران "لم تحقق نجاحات باهرة".

ويكتسب توقيت هذه التصريحات أهمية مضاعفة، حيث تأتي قبل محادثات نووية بالغة الحساسية مع الولايات المتحدة.

ولا يزال البرنامج النووي الإيراني يثير قلقا دوليا متزايدا، خاصة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين يشتبهون منذ عقود في سعي طهران لامتلاك أسلحة نووية، لكن طهران تنفي هذه الاتهامات بشدة مؤكدة أن برنامجها مخصص حصرا لأغراض مدنية، ولا سيما في مجال الطاقة.

وقد أثار الإعلان عن هذه المحادثات، التي وصفها الرئيس ترامب بـ "المباشرة" بينما أصرت طهران على كونها "غير مباشرة"، ترقبا واسعاً يعكس حساسية التواصل بين الخصمين.

وفي مارس الماضي، كشف ترامب أنه بعث برسالة إلى طهران يعرض عليها فيها إجراء مفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد بعدما انسحبت بلاده خلال ولايته الرئاسية الأولى في العام 2018 من الاتفاق النووي الدولي المبرم مع إيران في العام 2015.

وهدد ترامب بقصف إيران وبفرض عقوبات إضافية على قطاع النفط الإيراني في حال فشل المساعي الدبلوماسية.

وأتاح الاتفاق المبرم عام 2015 بين طهران وكل من واشنطن وباريس ولندن وبرلين وموسكو وبكين، رفع عقوبات عن الجمهورية الإسلامية لقاء تقليص أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.

وأفضى الاتفاق إلى عودة استثمارات غربية إلى إيران والحد من عزلتها على الساحة الدولية.

ومع ذلك، ظلت الشركات الأميركية بعيدة إلى حد كبير من السوق الإيرانية.

وفي العام 2015، قال المرشد الأعلى بعد توقيع الاتفاق "لن نسمح بالتسلل الاقتصادي الأميركي إلى بلادنا، ولا بحضورهم السياسي ولا بتسللهم الثقافي".

ويواجه الاقتصاد الإيراني تحديات جمة نتيجة للعقوبات الدولية، مما يدفع طهران للبحث عن أي منفذ لجذب الاستثمارات الأجنبية، فيما ينظر بعض المراقبين إلى إبداءها ليونة تجاه الاستثمارات الأميركية، رغم العداء السياسي، كمحاولة براغماتية لتخفيف الضغوط الاقتصادية.

وتأتي تصريحات بزشكيان كجزء من استراتيجية تفاوضية تهدف إلى تحقيق مكاسب في المحادثات النووية، حيث أن إظهار استعداد للتعاون الاقتصادي قد يُستخدم كورقة ضغط أو كحافز للولايات المتحدة لتقديم تنازلات في الملف النووي.

ومن غير المستبعد أن تكون هذه التصريحات بمثابة مناورة سياسية تهدف إلى تهيئة الأجواء قبيل المحادثات النووية، إذ تسعى إيران لإظهار استعدادها للانخراط في مجالات تعاون أخرى مقابل تخفيف الضغوط على برنامجها النووي.

لكن التأكيد المتكرر على رفض "تغيير النظام" يعكس استمرار حالة عدم الثقة العميقة والعداء التاريخي بين البلدين. وهذا يشير إلى أن أي تقارب سيكون محدودا للغاية وسيواجه عقبات كبيرة.

ويمثل الاتفاق النووي لعام 2015 سابقة مهمة، حيث أتاح لفترة وجيزة عودة بعض الاستثمارات الغربية إلى إيران. إلا أن الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق في عام 2018 قوض الثقة وأعاد فرض العقوبات، مما يلقي بظلاله على أي محاولة جديدة للحوار.

يبدو أن إيران، في هذه اللحظة الحرجة التي تسبق المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، تحاول رسم مسار دقيق يجمع بين الحاجة الاقتصادية والصلابة الأيديولوجية. فبينما تلوح في الأفق فرصة نادرة للتواصل مع واشنطن، تظل الشكوك العميقة والعداء التاريخي هما السائدان.

ويعتقد أن طبيعة المحادثات في عُمان ومخرجاتها ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الإشارات المتبادلة ستؤدي إلى اختراق حقيقي في الملف النووي المعقد، أو أنها ستبقى مجرد مناورة سياسية في ظل استمرار حالة اللايقين التي تهيمن على العلاقات الإيرانية الأميركية،

ومع ذلك أي انفتاح اقتصادي محتمل من جانب إيران سيظل مشروطا بضمانات بعدم استغلاله كأداة لتغيير النظام، وهو ما يبدو هدفا بعيد المنال في ظل استمرار التوترات الإقليمية والأيديولوجية.