بداخل كلٍ منا بذور لكل شيء؛ الخير والشر، الحُب والكره، الغضب والسكون، الجحود والتسامح. لم نختر أن نولد وكل هذا في دواخلنا، لكننا نختار يوميًا ما نرعاه ونغذّيه، وما نسمح له بالنمو في أرض حياتنا.

وفي هذه الحياة..!

الناس من حولنا بذور، لا نعلم نوعها، حتى نغرسهم في حياتنا، فنكتشف طبيعتهم، ونتعامل وفقها بما يتماشى مع المبادئ والقيم..

هنا ينادونني..!

"الآنسة اليمنية" وهذا التعريف يملؤني فخرًا واعتزازًا. لا يعلم الكثيرون كم تسعدني هذه الكلمة، فهي تحمل بين طيّاتها هويتي، وأصلي، وخدمتي، ودوري. كلما سمعتهم يرددون: "هي من اليمن" ويجيب الآخر: "والنعم باليمن وأهلها الطيبين"، أذوب امتنانًا، كمن يتذوق شهدًا مصفّى.

نعم فنحن، أبناء اليمن..!

وإن تفرّقنا كأسراب الطيور، وبكينا كهطول المطر، وتألمنا كجذوات النار، وصمدنا كجبالها، فقد حملنا معنا شيئًا لا يُرى بالعين.. بذورًا صغيرة من وطننا الحبيب، "البلدة الطيبة"، كما وصفها الله. بذورًا من الحب، الأمل، الشغف، والخبرة. بذورًا من رغبة صادقة في البناء، والانفتاح، والتغيير.

واليوم..!

نزرع تلك البذور في حقول الغربة، في ميادين العمل، في ممرات الخدمة، وفي كل زاوية من زوايا الحياة، نغرسها ونرعاها، فتثمر خيرًا، ويشتمّ الناس منها عبق اليمن. ولهذا نسمعهم يرددون: "والنعم بأهل اليمن الطيبين".

لقد أرادوا دفننا..!

لكنهم نسوا أننا بذور، ومن كل واحد منا ستنبت سنبلة أو زهرة أو شجرة ظل. أرادوا حبسنا في الظلام، ونسوا أننا أرواح لا تُقيّد. أرادوا إسكاتنا، وجهلوا أننا لا نُجيد إلا التحدّث بالأعمال الطيبة، والأقوال الراضية المرضية التي تنشر التعايش والحب والسلام.

نرجوكم..!

غيّروا معاملتكم. فالله شرّع لنا قاعدة عظيمة:"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟"، والرسول قال: "الخير لا يأتي إلا بالخير". على هذا الأساس نطالب بسلام يليق بكرامتنا، وبحقنا في أن نعيش دون قيد أو مساس.

إننا بذور اليمن الطيبة..!

شاءت لنا الأقدار أن تنثرنا في بقاع الأرض، فاحتضنتنا أوطان جديدة، صافحتنا تربتها، وقبلتنا بملامحنا وقلوبنا.

واليوم ..!

وفي أيام الرضوان السعيدة ونحن نتذكر صورة تلك الورود التي وضعت عند تلك الخيمة المباركة ، نعيد تجديد عهدنا بأن نكون ورودًا تنشر عبير التسامح والتعايش، نحترم كافة ألوان وروائح وأشكال ورود حديقة الوجود.. لأننا نؤمن أن للجمال ألف وجه، وللإنسانية وطن واحد كبير يحتضنهم رب غفور هو (محبوب العالمين).