> "الأيام" العرب:

​لم يسلم مهاجرون أفارقة تركوا بلدانهم بحثا عن الأمن والعمل من النزاع في اليمن، حيث اعتقلوا في صعدة بشمال البلاد في مركز تحول دمارا وأشلاء بعد غارة جوية نُسبت إلى الجيش الأميركي.

وأعلنت سلطات الحوثيين الاثنين أن ثمانية وستين شخصا على الأقل قُتلوا في قصف أميركي أصاب المركز المذكور.

ووقعت الضربة فجرا بينما كان المهاجرون نائمين في مبنى يشبه المستودع. وأظهرت حينها لقطات بثتها قناة المسيرة التابعة للحوثيين مشاهد مروّعة لجثث تحت الأنقاض، فيما عملت فرق الإنقاذ على انتشال الضحايا.

وداخل مجمّع السجن الاحتياطي في صعدة الخاضعة للجماعة الموالية لإيران بدت عدة مبان مدمرة كليا، تتناثر فيها بقايا صواريخ بين الركام.

واستقبلت المستشفيات المحيطة أعدادا كبيرة من الجرحى، وسط مشاهد مأساوية للجرحى المصدومين.

ونجا عبدإبراهيم صالح، وهو مهاجر إثيوبي يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما بأعجوبة من الضربة ونقل إلى المستشفى الجمهوري

وقال صالح لوكالة فرنس برس “في البداية ضرب الطيران مرتين قربنا، ثم الثالثة كانت علينا.”

ويضيف “كل القتلى غدوا أشلاء مقطعة، يد هنا ورجل هناك.. لا أريد أن أتذكر المشهد.”

ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان كارثة مركز احتجاز المهاجرين في صنعاء في العام 2021، حين قضى أكثر من ستين مهاجرا إثر حريق شبّ في أحد العنابر.

ورغم مرور أكثر من أربع سنوات يبدو أن معاناة المهاجرين لا تزال مستمرة في بلد تمزقه الحرب.

ويخوض عشرات الآلاف من المهاجرين سنويا غمار الطريق الشرقي من القرن الأفريقي، هربا من الصراعات والكوارث الطبيعية وضعف الآفاق الاقتصادية، بعبور البحر الأحمر نحو الخليج الغني بالنفط.

ويأمل كثيرون في الحصول على عمل في السعودية ودول الخليج، رغم أنهم يواجهون رحلة محفوفة بالمخاطر عبر اليمن.

ومن أمام أنقاض المركز، يقول إبراهيم عبدالقادر محمد المعلم، رئيس الجالية الصومالية في اليمن، بنبرة غاضبة “نحن اليوم موجودون في مكان الجريمة البشعة، السجن الاحتياطي الخاص بالمهاجرين الأفارقة”، داعيا الدول الأفريقية ورؤساءها إلى اتخاذ “موقف بحجم الجريمة”، كما توجه إلى المنظمات الدولية قائلا “اخرجوا عن صمتكم. هذه جريمة بحق البشرية.”

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة إثر هجوم الحركة الفلسطينية على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر 2023، شنّ الحوثيون العشرات من الهجمات الصاروخية ضدّ إسرائيل وضدّ سفن في البحر الأحمر يقولون إنها على ارتباط بها.

وشلّت هجمات الحوثيين حركة الملاحة عبر قناة السويس، وهو شريان مائي حيوي يمرّ عبره عادة نحو 12 في المئة من حركة الملاحة العالمية، ما أجبر العديد من الشركات على اللجوء إلى طرق بديلة مكلفة حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.

وبسبب ذلك تتعرّض مناطق الحوثيين في اليمن لغارات شبه يومية منذ أعلنت واشنطن في منتصف مارس الماضي إطلاق عملية عسكرية ضدهم لوقف هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن.

واستهدف الجيش الأميركي منذ ذلك التاريخ أكثر من ألف موقع في اليمن وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الثلاثاء.

وقال الناطق باسم البنتاغون في بيان إن القيادة المركزية الأميركية للشرق الأوسط “سنتكوم” استهدفت منذ الخامس عشر من مارس أكثر من ألف موقع بضربات أودت بمقاتلين وقياديين حوثيين.

وصباح الأربعاء أعلن الجيش البريطاني أنّه شنّ بالاشتراك مع الجيش الأميركي ضربة جوية في اليمن استهدفت منشأة لإنتاج طائرات مسيّرة تابعة للحوثيين المدعومين من إيران.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إنّ “القوات البريطانية شاركت في عملية مشتركة مع القوات الأميركية ضدّ هدف عسكري حوثي في اليمن”، مشيرة إلى أنّ المنشأة المستهدفة تبعد نحو خمسة وعشرين كيلومترا جنوب العاصمة صنعاء.

وأوضح البيان أنّ الضربة الجوية نُفّذت “ليلا عندما يكون احتمال وجود مدنيّين في المنطقة منخفضا.”

وبحسب الوزارة، فإنّ الضربة نفّذتها مقاتلات تايفون البريطانية واستهدفت “مجموعة مبان يستخدمها الحوثيون لتصنيع طائرات مسيّرة من النوع المستخدم في مهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.”

وأكّد وزير الدفاع البريطاني جون هايلي أمام مجلس العموم أنه “تمّ بلوغ الأهداف المحدّدة كلّها بنجاح” ولم يسجّل سقوط ضحايا مدنيين.

وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء بيانا يفيد بأن القوات الأميركية “قصفت مركزا لاحتجاز المهاجرين في صعدة في اليمن.”

وأضافت أن الغارات الأميركية “أسفرت على ما يبدو عن أذى بالغ بالمدنيين، ومن المرجح أن تكون قتلت وجرحت المئات منهم”.

واعتبرت المنظمة أن “التقاعس عن اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار بالمدنيين يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي. والهجمات المتعمدة على المدنيين والبنية التحتية المدنية هي جرائم حرب”.

ونُقل عن باحثة اليمن والبحرين في المنظمة نيكو جعفرنيا قولها “يبدو أن الغارات الجوية الأميركية تسببت في قتل وجرح المدنيين في اليمن بمعدلات مثيرة للقلق على مدار الشهر الماضي في ظل إدارة ترامب.”

ولفتت المنظمة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها الأطراف المتحاربة في اليمن مركزا لاحتجاز المهاجرين وتقتل أعدادا كبيرة منهم.