لا يحتاج المرء إلى كثير من التحليل ليكتشف أن الوضع في الجنوب قد تجاوز مرحلة التحذير إلى مرحلة الانهيار الشامل. فمجلس الرئاسة، وحكومة بن بريك، والسلطات المحلية في محافظات الجنوب، لم تعد تمتلك أدنى شرعية دستورية أو شعبية. والأخطر من ذلك أنها فشلت حتى في تبرير وجودها عبر تقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين، الذين باتوا يعيشون في ظلّ انهيار معيشي وخدمي غير مسبوق.

إذا كانت هذه السلطات قد تمسكت بذرائع سياسية أو اتفاقيات هشة لتبرير وجودها، فإنها اليوم فقدت حتى تلك الذرائع. فالدستور مفقود ولم يعد يحميها، والشعب لم يعد يطيقها، والواقع أثبت عجزها الذريع عن إدارة أبسط الملفات الخدمية. فكيف تُدار مدن دون كهرباء؟ وكيف تُحكم محافظات دون مياه نقية؟ وكيف تُفرض سلطة في ظل انتشار الفوضى والانعدام شبه التام للخدمات الصحية؟

الأسئلة كثيرة، والإجابات واضحة: هذه السلطات لم تعد تملك أي مبرر للبقاء، لا من الناحية القانونية، ولا من ناحية الأداء. بل إن استمرارها أصبح يشكل استفزازًا صارخًا لإرادة الناس، الذين بدأوا يرفضون الصمت ويخرجون إلى الشوارع ليُذكّروا هذه السلطات بأن شرعيتها منتهية.

خروج الجنوبيين إلى الشوارع ليس احتجاجًا عابرًا، بل هو صرخة أخيرة أمام سلطات فقدت كل شيء إلاّ قبضتها على مقاعدها وامتيازاتها الخاصة ومنهم من رفع الشعارات الوطنية الجنوبية. إنه رسالة واضحة: أنتم لستم شرعيين، ولستم قادرين على الحكم، ولستم حتى مؤهلين لتحمل المسؤولية. فإذا كانت هذه السلطات تعتقد أن بإمكانها تجاهل الغضب الشعبي، أو كبته بالقوة، فهي واهمة. فالتاريخ يُثبت أن الشعوب التي تصل إلى حافة اليأس لا تنتظر طويلًا قبل أن تُحدث التغيير بنفسها.

اليوم، لم يعد أمام هذه السلطات إلاّ خيار واحد، وهو أن تدرك أنها أصبحت في مرمى سخط الشعب، وأن تتراجع قبل فوات الأوان. أما إذا استمرت في سياسة التغطية على فشلها بالخطاب السياسي المُجوف، أو بالقمع، فإن مصيرها سيكون أسوأ بكثير من مجرد تذمّر شعبي. فالجنوب على صفيح ساخن، والشرارة قد تشتعل في أي لحظة.

الوضع في الجنوب لم يعد يحتمل المزيد من التجاهل. إما أن تبحث هذه السلطات عن مخرج مشروع يضمن انتقالًا سلميًا للسلطة، أو أن تنتظر حتى يُفرض عليها التغيير من أسفل، حيث لن تكون الكلمة الأخيرة لها، بل للشعب الذي أنهكته الوعود الكاذبة والفشل المتكرر.

الخيارات ضيقة، والوقت ينفد. فإما رحيلٌ يضمن الاستقرار، أو انفجارٌ لن تُحمد عقباه. والسلطات في الجنوب، إن كانت تعقل، عليها أن تختار قبل أن يُختار عنها!