> أحمد بن يسلم:
مع انبلاج صباح الاثنين، كانت وجهتنا من خنفر باتجاه قلعة القارة التاريخية للمشاركة في المهرجان الثقافي الثالث الذي يقام في كل عطلة عيد أضحى مبارك، كان قائد الرحلة الدكتور محمود علي عاطف الكلدي في صفته الاجتماعية شيخًا لمكتب الكلدي وطبعًا سياسيًا وأكاديميًا عضو اللجنة العليا لمشايخ وسلاطين الجنوب العربي وعضوًا في الجمعية الوطنية للانتقالي الجنوبي.

كما كان رفيق رحلتنا الدكتور بسام محمد الطالبي مدير عام مديرية سرار، وفي الطريق لاحظنا بعض الآليات المتوقفة نظرا لإجازة العيد تقوم باستكمال الشق في بعض مقاطع بين الكيلو 40-44 من طريق باتيس رصد الاستراتيجي التي يتولاها فرقة من ألوية العمالقة وبمعدات الطريق بنظر القائد والنائب أبي زرعة.
المهم وبعد مضي ساعتين إلا ربعا وصلنا عاصمة المديرية سرار وهناك استقبلنا الشيخ محمد حسن العمري أمين عام المجلس المحلي للمديرية والمهندس الشيخ بدر العطوي نائب شيخ كلد عضو اللجنة العليا لمهرجان القارة والشيخ حمود فاضل وآخرين. وعند التاسعة صباحا تناولنا وجبتي الفطور والغداء جمعًا وقصرًا ثم انطلقنا من سرار العاصمة باتجاه القارة فمضينا ومعنا وخلفنا موكب مديرية سرار المشارك.

وبعد استراحة قصيرة في سوق رصد العاصمة كان لابد من اجتياز نقيل جار وعلى اليمين من قمة جار المجاورة للقارة انحرفت سياراتنا يمينا باتجاه القارة الشماء، وفي أقل من نصف كيلو متر أوقفنا جنود الحراسة لتفحص هوياتنا وبمجرد معرفة أشخاصنا أُذِن لنا وسيارتنا بالدخول إلى صحن القارة الأسطوري.
وللقارة مدخلان تاريخي ما يعرف بسدة القارة وهي بوابة للسور الطبيعي (بغير سور طبعا) لأن حوافيها الدائرية تجعلها محصنة تماما يصعب الدخول إليها قديما عدى من بوابة السدة، وهناك مدخل آخر حديث بالسيارات يوصلك إلى صحن القارة الدائري.

وما أن تطأ قدماك قمة القارة ينتابك شعورا بالمهابة وأهمية المكان لتتفحص معالمها التي ماتزال على ما كانت من قصور بنيت بحجار الياجور في فترات مختلفة حتى الاستقلال وفيها وحواليها سدود حفظ المياه، إضافة إلى مدافن الحبوب وحتى مقابر وقبب وأضرحة لبعض سلاطين السلطنة العفيفية وما يزال مسجد القارة مسقوفا بطريقة القبب الدائرية وهو أسلوب معماري تنفرد به يافع في مساجد العبادة.
وفي القارة ماتزال آثار القصف لطيران سلاح الجو البريطاني التي استهدفت دار نائب السلطان محمد بن عيدروس خلال الفترة من 1958-1962م.
- السبقة لكلد
في الدخول إلى القارة في الاحتفالات والدعوات التي كان يدعوا لها سلطان القارة وفي احتفال الأمس فعلا، تقدم مكتب كلد ببرعته وزوامله المعتادة إلى أمام ساحة المنصة بالجنابي والبنادق القديمة مع زي خاص بفرقة البرع والزامل. ليتتابع بقية مكاتب يافع، اليزيدي، السعدي والناخبي.

وشاركت فرقة حد يافع والمفلحي هذه المرة كما فعل مكتب كلد طبعا وكان هناك تمايز في البرعة والزوامل بالتأكيد ثم إلى كلمة راعي المهرجان السلطان نواف بن فضل العفيفي ألقاها نائبه السلطان محمد غالب العفيفي وتلي ذلك إفساح المجال للشعر والشعراء لتقديم كل ما لديهم من قصائد شعرية محورها مكانة القارة التاريخية ودورها التاريخي على مر العصور.

تخللها وصلات غنائية تراثية باللون اليافعي مصحوبة برقصات البرع والرجالية التي أداها راقصون محترفون، ورغم أشعة الشمس اللافحة أصرت الجموع المحتشدة على الوقوف حتى نهاية فقرات المهرجان. وخارج أسوار القارة تكدست المئات من ارتال السيارات ذات الدفع الرباعي على طول الطريق والميدان خاصة.

وحضر المهرجان كضيوف شرف معظم مدراء عموم مديريات يافع الثمان والقيادات العسكرية والأمنية في العاصمة عدن والمحافظات.

وبعيدا عن فقرات المهرجان الذي شارف على النهاية كان لابد من الإشارة إلى أهم معالم القارة التي اختفت بكل أسف والتي كانت تمثل يوما معالم من معالم القارة ومنها:
- طبل النحاس
وتفيد بعض المصادر إلى أن حطاط كانت خط قوافل رئيس بين عواصم الدول القديمة كأوسان وقتبان وحمير وميناؤها الرئيس ميناء عدن ثم إنها أي حطاط صارت مزارا لملوك تلك الدول لغرضين أما لعبادة الشمس بحكم وجود حيوانات المها التي من شروط عبادتها إراقة دم حيوان المهاء تحديدا بدليل أن أمها حطاط وأمها حمة تحتوي على مسميات لها علاقة بعبادة الشمس القمر وابنتهما عثتار (نجمة الصبح)، كما يسميها الأهالي خذ على سبيل المثال أمها حطاط تحتوي على شعاب بنفس مسميات أنواع المها ومنها امبارية. الأورة، الوضيحي أو الواضح، وكل هذه المسميات تحويها "أمها حطاط"، إضافة إلى أن منطقة أمها حمة تعني الشمس ومنها ذات الحميم من معاني الشمس أيضا.
- مدفع القارة
يعد مدفع القارة أشهر معالم القارة الذي جلبه الضابط الإنجليزي "الكابتن M . S ليك" عام 1925م، وهو أول أوربي يصل إلى القارة التي وصفها في مذكراته بأنها أجمل معالم البلاد العربية وكان قد حمل مدفعه الهدية على ثلاث جمال انطلاقا من عدن ثم الحصن ومنها عبر وادي حطاط وصولا إلى القارة الذي استقبل بموكب شعبي وكرنفالي كبير من قبائل مكاتب يافع، كما أشار.

ويقول ليك أن السلطان عيدروس بن محسن اشترط عليه ومرافقيه تدريب بعض من جنود سلطنته على إطلاق قذائف المدفع وهو ما فعلوا طوال 12 يوما قضاها في القارة. وقال لي أحد أبناء القارة المعلم التربوي المتقاعد محمد محسن العفيفي أن قذائف المدفع ماتزال مدفونة في أحد مدافن القارة.
- متحف القارة
كما ذكر لي بعض من مقتنيات متحف القارة الذي كان موجودا إلى عام 1994م وتعرض للنهب فيما بعد ومنها أواني خشبية ونحاسية ومنها (الكعاد الكبيرة) صحنات عصيد ضيوف السلطان . نقود رسولية وعثمانية. وتحف أثرية متنوعة. أسلحة غير نارية رماح، جنابي. ونماذج من أسلحة نارية قديمة بندقية العربي (تركية)، وجرمل( ألمانية وفرنساوية)، مسدسات إيطالية، والأخيرة سربت إلى يافع من عامل الإمام في البيضاء الرويشان في منتصف الخمسينات تقريبا.
- المهرجان في سطور
- التحضير والإعداد للمهرجان تبين أنه لم يكن كافيا.
- الميدان المخصص للاحتفال لم يكن قادرا على استيعاب الأعداد الكبيرة الوافدة والمشاركة.
- أفضل في مهرجانات قادمة اذكاء المساجلات الشعرية لما فيها من بلاغة وفطنة تميز بين شاعر وآخر.
- هناك شعراء الزوامل والزامل هو من بيتين لأكثر فيها الشاعر الحاذق يختزل الفكرة لأن الشعر لمح يكفي إشارته.
- ألا يختصر الشعر على لون معين وتنوع مضامينه ويجب أن تخصص جائزة خاصة لأفضل قصيدة وأفضل زامل.
- الشكر لجنود الحزام والأمن العام الذين أدوا واجبهم بما يكفي.
- ضرورة الاستعانة برجال مرور في المهرجانات القادمة لتسهيل مرور الأعداد الكبيرة من السيارات.
- إعادة النظر في توقيت المهرجان ومكان إقامته كأن تنفذ بعض الفعاليات في القارة وأخرى في المدينة رصد.
- عقب انتهاء أي مهرجان ضرورة تقييمه سلبا وايجابا لاستمرار الايجاب وتلافي الأخطاء وعدم تكرارها.
- الاستعانة ببعض الخبرات في مجال الفلكلور والأزياء للفرق المشاركة وتواجدها بوقت كاف قبل المهرجان.
- جديد المهرجان معرض للصور أعده المهندس جلال عمير.