حين تصبح الحياة سلسلة من الأزمات، وتتكرر الخيبات، يصبح الصمت خيانة، والمجاملة طعنة في خاصرة وطن ينزف من كل الاتجاهات.

فعندما نتأمل قصص القرآن الكريم نجد أن الحكم على الأمور لم يكن يسيرًا حتى على الأنبياء وهم صفوة البشر وأصحاب الحكمة والوحي ففي قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح نقرأ واحدة من أعظم الدروس في فقه الواقع والتصرف في الأزمات.

قال له العبد الصالح كما جاء في القران الكريم ((فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا)) ومع ذلك، أصر موسى عليه السلام أن يرافقه وأن يصبر ولكن عندما شاهد الظواهر خرق السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار لم يصبر فقد حكم موسى على الظاهر لأن ذلك هو ما يراه العقل والمنطق والعدالة فكان لا بد للعبد الصالح في كل مرة أن يبين له الحكمة الباطنة.

فالشعب الجنوبي ليس أفضل من نبي الله موسى الذي أنزل الله عليه الوحي واصطفاه، لنحسن الظن في كل ما نرى دون برهان أو نتائج، وكذلك أنتم قيادتنا لستم بعلم العبد الصالح أو آتاكم الله من العلم والاطلاع على الغيب ما يبرر الأفعال الموجودة اليوم على أرض الواقع.

شعب الجنوب جرب كثيراً وصبر أكثر مما ينبغي، وراهن على أن القادم أفضل لكن القادم لم يأت بل ازدادت المعاناة حتى أصبحت الحياة اليومية مزيجاً من الإهانة والفقر والعجز الخدمات تتدهور الكهرباء تنهار الرواتب لا تكفي الخبز العمل غائب ولا يوجد في الأفق ما يبعث بالطمأنينة.

في السياسة كما في الدين الحكم على الظاهر هو الأصل لأن القلوب لا يعلمها إلا الله لذلك أداء الدولة وقيادتها يقاس بالنتائج: هل تحسنت حياة الناس؟ هل هناك مشروع وطني؟ هل هناك خطة استراتيجية مزمنة؟ هل نتحرك إلى الأمام أم نتآكل؟

المجلس الانتقالي اليوم في وسط العاصفة ولسوء الحظ لا يتحرك لا إلى الأمام بخطى حقيقية ولا إلى الوراء بمصارحة أو مراجعة بل يراوح في نفس المكان بينما العاصفة تزداد شراسة والعاصفة إن لم تقاوم بالتغيير والعمل والحسم فلن تبقي لا على راكب ولا سفينة.

إن الشعوب لا تحكم على النوايا، بل على ما ترى وتلمس وما يراه شعب الجنوب اليوم يكاد يكون خيبة أمل وانتظار مميت ومسرح سياسي يعيد نفس السيناريو ونفس الخطابات دون أثر.

ولذلك نقولها بوضوح نحن اليوم على المحك إما أن نثبت أننا نحمل مشروعًا وطنيًّا حقيقيًّا يبدأ بخدمة الناس ويرتقي باقتصادهم وأمنهم وكرامتهم ومستعدين لتضحية من أجله مهما كانت التكلفة أو ستبتلعنا العاصفة، ومعنا كل أمال الشعب الجنوبي.