سيمر من أمامكم حضرة المحترم، سيملأ كؤوس الوطن بالذكريات والبطولات، سيخلد روحه في دوحة التاريخ، ستكون روحة الصخرة التي انتحر على أسوارها الغزاة ومن على شاكلته حصريا أصحاب المقام الرفيع، وبصدق الكلمة، الوطن كذبة كبرى، الوطن مصطلح أيديولوجي للتعبئة واستثارة العواطف، الوطن هو وطن السلطة والجاه، ومن يملك القوة والمال والنفوذ يملك الوطن، والوطنية، وكل من لا يؤيده فهو غير وطني، إذا كان الحكام ينتزعون الجنسية من المعارض السياسي وهي مفهوم قانوني طبيعي، فهل سيبقون لك الوطنية لتتمترس بها في معاركك ضد الطغاة.

التخلي عن الأيديولوجيا وعدم الانصياع لمصطلحاتها التي تخفي وراءها مصالح ونفوذ، مهم جدا، لاحترام العقل البشري عدم قبول الشعارات والأناشيد التي لا تحترم العقل، الأيديولوجيا والشعارات والتزييف للحقيقة كلها وسائل تحيل الناس من بشر عقلاء إلى قطعان، يقودهم أناس مهندمون ولبقون وفاتنون في تنميق المصالح وإخفائها خلف زخرف الشعارات والخطاب المفترس.

نستمع الآن إلى فيديوهات لنساء عدنيات، يضربن ويتم إهانتهن ويأخذن إلى مراكز الشرطة لمجرد أنهن خرجن يصرخن ويعبرن عن معاناة الناس من الجوع والكهرباء، وهذا شيء مؤلم.

الذين يمارسون هذه الأعمال اليوم الوطن ملكهم لوحدهم، بالأمس لما كانوا لا يملكون السلطة والنفوذ كانوا يطالبون بالعدالة ويتظاهرون ويعتصمون، ويطالبون بوطن يكونون فيه أحرارا. اليوم أصبح هذا الوطن وطنهم، هم لوحدهم، لا ينعمون بكل المميزات التي يحصلون بها باسم الوطن فقط، وإنما تضاءل الوطن ليكون لهم فقط وعلى مقاسهم، وكل من يعارض فهو غير وطني، ضد الوطن، يخدم أعداء الوطن، باختصار هم سادة الوطن، وباقي الشعب فليمت جوعا.

هنا دروس التاريخ تقول إنه كلما زادت ممارسة الظلم والقهر ضد الناس، كلما تآكل فائض القوة، كلما ضاقت مساحات تمدده، كلما أصبح معزولا في طريقه للانهيار.

نقول ذلك وننصح ذوي السلطة والجاه، أن يتعاملوا مع الوضع البائس الذي يتساقط فيه الناس جوعا، بنفس مشاعرهم عندما كانوا يحسون بالظلم ويقاومونه، فكروا وتأملوا للحظات بعيدًا عن موائد السلطة وضعوا أنفسكم مكان الناس المقهورين الباحثين عن لقمة عيش كريمة، وسترون أنكم إنكم أمعنتم الفجور والظلم والله المستعان.