الخميس, 22 أبريل 2021
17,256
مع نهاية الحرب، تتلقى السعودية ضربات صاروخية، وطائرات مسيرة، بشكل يومي، من قبل سلطة صنعاء، وأظهر العالم تعاطفه فِي الوقت نفسه، واستهجانه لهذا التصرف؛ لأن أهداف تلك الضربات منشآت اقتصادية، وتجمعات سكانية، ومطارات مدنية، لكن السؤال كيف امتلك الحوثي هذه الترسانة من الأسلحة، وهل سيصدق العالم بأن لديه مصانع حديثة لتصنيعها؟، وهذا من سابع المستحيلات، لكن هناك دولة معروفة تزوده بتلك الأسلحة بانتظام، وهنا يطرح الناس تساؤل، كيف تصل هذه الكمية الهائلة من الأسلحة، بينما الحوثي محاصر حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا ؟
هناك أخطاء عديدة تخللت سير العملية السياسية، والعسكرية للشرعية، ومن أهمها، سيطرة تحالف نظام 7:7، ناقص واحد، على مفاصل إدارتها وإقصاء الآخرين، أدى إلى تغيير الأولويات، وإرباك المشهد السياسي والعسكري بالكامل، أضاعت الشرعية عناصر النصر من بين أيديها،
وقد نتج عن تلك الأخطاء، بأن وضع التحالف الأن في حالة إرباك، خاصة وأن مليشيا الحوثي تضخ عشرات الصواريخ، ومثلها طائرات مسيرة، نحو أهداف في العمق السعودي، لتحدث أضرارًا مادية، ونفسية على مواطني المملكة، وأيضًا لتشكيل ضغط شديد، لكي ترضخ لشروطها، السؤال أين يكمن الخلل؟ ألم يلحظ التحالف بأن الشرعية جمدت جبهاتها؛ بل وانسحبت من المواجهة مع المليشيات الحوثية، منذ فترة ليست قليلة، وتوجهت جنوبًا، وأعطت الحرية الكاملة لهذه المليشيات، بأن تعبث بالأمن السعودي، من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، ولو كانت جميع جبهات الشرعية ساخنة، وتعمل بتنسيق وثيق فيما بينها، لكان الحوثي محاصرًا في مناطق تجمعه، ولن يجد الوقت الكافي حتى للتفكير في إرسال طماشة واحدة نحو الأهداف السعودية، أو التفكير في اقتحام مدينة مأرب، آخر معقل للشرعية.
لا أحد يعلم، ما هي وظيفة وزارة الدفاع التابعة للشرعية، وكيف تدير مئات الآلاف من العساكر والضباط المنضوين تحت لوائها، إذا لم يقوموا بتفعيل الجبهات، وفِي كل الاتجاهات، وبكامل قواهم العسكرية، فما الهدف من تواجدهم أصلًا، ولماذا يتواجدوا في المناطق المحررة؟ ولماذا التحالف لم يقم بإسناد مهام قتالية لهذه القوات الضاربة؟ وتوجيهها نحو الهدف التي قامت من أجله عاصفة الحزم، وهل كانت لديها مهام أهم من دحر الحوثي واستعادة عاصمة الدولة؟ لا أحد يعلم، لكن ما هي الحكمة من السير نحو الهاوية، بينما في إمكانية لتعديل المسار، باستخدام الحزم والصرامة تجاه من أدار البوصلة جنوبًا، وترك عدوه يسرح ويمرح، ويتوسع في كسب الأرض، وتوجيه الضربات لعقر دار مركز التحالف العربي.
التحول نحو الجنوب، لاحتلاله من قبل الشرعية، كان خطأً استراتيجيًا كبيرًا، سمح به التحالف، تحت غطاء الحفاظ على الوحدة اليمنية، بينما لم يفكر الجنوبيون بفك الارتباط عن الدولة اليمنية، أثناء الحرب، على الرغم من أن الأمر كان في متناول أيديهم، عند تحرير أرضهم، وتركوا ذلك لما بعد القضاء على التمرد الحوثي، وكانت غلطة الجنوبيون أنهم لم يطرحوا شروطهم للمشاركة في القتال مع التحالف، واعتبروا أنفسهم شركاء للتحالف العربي، في دحر الانقلاب، ومكافحة الإرهاب، دون قيد أو شرط، وسقط الألاف منهم ضحايا تحت راية التحالف العربي، عند مشاركتهم في تحرير أجزاء كثيرة، من خارطة الجمهورية العربية اليمنية، بينما هذه المهام ليست من مهام الجنوبيين تحرير أراضي الغير، كان ذلك كرم ونخوة منهم، بينما أهل تلك الأرض غير مكترثين لتحريرها؛ بل غير مبالين بالدفاع عن أرضهم، وتركوها وذهبوا إلى الجنوب أفرادا وزرافات، ليستوطنوا فيه بتشجيع من الشرعية.
لا توجد حرب مفتوحة إلى ما لا نهاية، خاصة وهي تدور على مقربة من أهم ممر دولي، يشرف على البحرين العربي والأحمر، وعلى تخوم مناطق تسبح بالنفط والغاز، لم ينتبه أحد عندما حذرنا منذ وقت مبكّر، بأن الوقت يجري سريعًا، وعلى التحالف أن يحسم المعركة، قبل أن تأتي ظروف تتدخل فيه قوى إقليمية، ودولية، وعندها سيكون وضع التحالف ضعيف، ولا يستطيع أن يقف أمام العالم، الذي يطالب بوقف الحرب، وها نحن اليوم أمام ذلك المشهد، وسيتم فرض شروط قد لا تكون في صالح التحالف والشرعية، وهذا ما سيحدث وفقًا للمؤشرات، التي تجري على الأرض، ومن خلال تحول ميزان القوى لصالح المليشيات الحوثية.
سوء إدارة الحرب، كانت واضحة للعيان، من البدايات الأولى التي جرت فيها المعارك، ولو لم يكن الانتصار الجنوبي في تحرير أراضي الجنوب، ولولا مبادرة القوات الجنوبية في تحرير مناطق شمالية، لكانت الهزيمة مؤكدة للشرعية والتحالف، منذ اليوم الأول لبدء الحرب، وفِي مثل هذه الحالات، وبحسب المتعارف عليه، كان يتطلب إعادة تقييم الوضع العملياتي، لسير المعارك، في كل جبهة على حده، وفِي مجموع الجبهات بشكل عام، وإجراء تغييرات ليست فقط في الخطط، والتكتيكات المتبعة، أو في إعادة النظر في الأولويات، أو في إعادة التسليح، وغير ذلك، ولكن كان الأهم هو تغيير القادة الفاشلين، ومحاسبتهم على تقصيرهم في أداء مهامهم، وإحلال بدلًا منهم قيادات عسكرية مقتدرة، وهذا عادة ما يتم في كل مراحل العمليات القتالية، إلا أن ذلك لم يحدث، وبدلًا من ذلك، يتم مكافئة الفاشلين، والمقصرين، واستبعاد أصحاب الكفاءات، الذين اثبتوا ذلك في الميدان، وكانت النتيجة، المزيد من الفشل، وهذا أضر بالأمن القومي العربي، بشكل مباشر، حيث تمكنت مليشيات من تحقيق تهديد جدي على أمن المنطقة والعالم.
انشغلت الرئاسة في المنفى بإصدار تعيينات، وفق توجهات حزبية ومناطقية ضيقه، لا تواكب سير المعركة، وكأنها في وضع طبيعي، وليست في حالة حرب، وحكومات تشكل بشكل فضفاض، تتصرف وكأنها في حالة سلم، ولا تدري من أين تبدأ، وما هي الأولويات، ولا أحد يعلم توجهاتها وبرامجها، غير إنتاج تعيينات على النمط نفسه، وإصدار قرارات ليست ذات أهمية تخدم إنجاح المعركة؛ بل تتحول كلها أعباء تثخن كاهل الاقتصاد الوطني، دون أي مبرر، وتترك حاجة الناس الأساسية، وتُنشئ هي والرئاسة طاقم حكومي جديد، وتترك الطاقم الحكومي المجرب، كل هذه مجتمعة كانت أحد عوامل الفشل، التي حصدته الرئاسة والحكومة، وبالمقابل توفرت لدى المليشيات الحوثية فسحة العمل دون عوائق تذكر.
كان اتفاق الرياض فرصة ثمينة لإعادة توجيه البوصلة، لكن تعثر تنفيذه، بل وضعت عراقيل يصعب تجاوزها، خاصة والبعض يريد أن ينتقي منها ما يريد تنفيذه فقط، ولا يوجد ما يلزمه بالتنفيذ، بحسب التسلسل الزمني، وفق الاتفاق، ويخيل لنا بأن ذلك الاتفاق لم يكن إلا استراحة أعطيت للمتحاربين ليرتب كل طرف وضعه، استعدادًا لمعارك جانبية، وعبثية قادمة، ونتيجة ذلك الفشل، أعطيت فرصة مجانية وثمينة أخرى للحوثي، لكي يعيد ترتيب أوراقه المحلية، والإقليمية، والدولية، وأصبح رقمًا صعبًا، الكل يستجدي الجلوس معه، لوقف الحرب، ولديه فرصه لفرض مشروعه السلالي، ومن جانب آخر، أصبح عنصرًا فاعلًا في الاستراتيجية الإيرانية، ولا أحد يستطيع تجاهل هذ الأمر، فقد أصبحت إيران ممسكة بعناصر كثيرة ومؤثرة في الإقليم، تعمل لإنجاح مشروعها الجيوسياسي، في الهيمنة على كامل المنطقة، لتصبح لاعبًا إقليميًا، يرفع رصيدها في التعامل مع العالم، حول قضاياها العالقة معه.
ومن أهم نتائج عدم تنفيذ اتفاق الرياض، تواجد كثيف وملحوظ للعناصر الإرهابية، (القاعدة والدواعش ) في مناطق سيطرة الشرعية في الجنوب، بعد أن تم اجتثاثهم من قبل قوات الأحزمة، والنخب الجنوبية، وليس من الحكمة والصواب السماح بعودة تلك العناصر تحت أي مظلة على أراضي الجنوب؛ لأن ضررها ليس على الجنوب وحسب، ولكن على المنطقة والعالم.
التحالف معني بإعادة ترتيب الأولويات، وضبط البوصلة نحو الاتجاه الصحيح شمالًا، وتوجيه القوى العاملة في إطار مشروع دحر الحوثي، نحو تحقيق الهدف، ويتم ذلك على وجه السرعة، وعليه أي –التحالف- أن يسابق الزمن، لتعديل ميزان القوى لصالحه، قبل فوات الأوان، وقبل أن تفرض عليه شروط قاسية، والذي بدون أن يملك عناصر القوة بيده، لن يتحقق أي سلام، وهذا الأمر يمكن أن يتم عبر مراجعة شاملة، وعند التخلي عن أدوات الفشل، التي رافقت مسيرة الست سنوات حرب الماضية، حيث ما وجدوا، ما لم فإن الأمر الواقع سيكون ملزم للجميع، فمن يبحث عن العدالة الدولية، فميزانها دائمًا يميل باتجاه القوي، ولا أحد يميل باتجاه الضعيف.
وفِي الأخير بعد حرب ست سنوات، وداخلين في السنة السابعة، الناس لديها أسئلة كثيرة يحتاجون إلى أجوبة مقنعة من أصحاب الشأن.