استعصاء الحسم العسكري وتعقيدات الحل السياسي
ثماني سنوات انقضت على الحرب في اليمن، عجزت فيها أطرافها الكثيرة في مستوياتها الثلاثة: الأهلي، والإقليمي، والدولي، عن تحقيق حسم عسكري.
كان الطرف الدولي المساند للحرب، والمحرِّض عليها، هو الأكثر إدراكا لاستحالة الحسم العسكري، ولكن تدمير الكيان اليمني، وتعميم الصراعات العربية، واستنزاف الثروات النفطية، ووضع المنطقة كلها تحت الهيمنة الإسرائيلية، والارتهان لمخططات "الشرق الأوسط الجديد"، وجر إيران إلى التورط أكثر فأكثر مع جوارها العربي، وقطع الطريق على طريق الحرير، الذي تمثل المنطقة الموقع الأثير له - هو الهدف الرئيس.
كان في الصراع اليمني - اليمني إغراء للصراع الإقليمي، وجاذب له، وقد توهمت إيران أنها حققت انتصارا باكتساب عاصمة عربية جديدة إلى صفها، وأنها قد تمكنت من محاصرة النظام السعودي، وحققت السيطرة في صراع الخليج، وفي صراعها مع الاستكبار العالمي - حسب الخطاب الإيراني.
كما أن التوهم السعودي كان كبيرا وخطيرا، فقد تصورت العربية السعودية أن بإمكانها أن تعمل ما عمله التحالف الثلاثيني في العراق، وأنها تستطيع -عن طريق خلق تحالف عربي وإسلامي بدعم أمريكي وبريطاني وفرنسي ودول أوروبية أخرى- من إسقاط صنعاء في أشهر، إن لم يكن في أسابيع.
ومن تابع تصريحات العسيري، وطلعات مريم المنصوري، والطيران السعودي، والحشود العسكرية في جبهات الشمال والجنوب، وصفقات السلاح الباذخة - يشعر بالفزع.
كان قادة المليشيات والمقاتل اليمني الأكثر إدراكل لخيبة الحرب، ومآلها الفاشل، ويدركون أيضا طول أمدها، لأن المستفيدين منها كُثُر، وجيوبهم مفتوحة، وعيونهم على المدد، وكان شعار الحرب ضد الثورة السبتمبرية: "الله ينصر الجمهورية إلى النصف، والملكية إلى النصف" حاضرا في الأذهان، وكان الشعب - كل الشعب اليمني- هو الخاسر، والضحية.
حروب تأسيس المتوكلية اليمنية، وحروب 1934، 1948، وحروب الجمهوريين والملكيين، وحروب 1972، و1979، وحرب 1994 كانت السعودية فيها حاضرة، ولكن حروبها في عاصفة الحزم، ولاحقا الأمل، كانت جد مختلفة، وشديدة الخطورة.
الحرب في اليمن وعليها ليست معزولةً عن الحرب على العراق، وسوريا، وليبيا، ولبنان، وحاليا في السودان، فتدمير المنطقة العربية، وإخراجها من التاريخ، إن لم تكن قد خرجت فعلاً، كما يرى الباحث فوزي منصور في كتابه "خروج العرب من التاريخ" - هدف رئيس لأمريكا، وحلفائها الأوروبيين، وإسرائيل.
تراجع حلم حشد التحالف من ثلاثين دولة إلى تحالف عربي، ثم عمليا إلى دولتين، هما: العربية السعودية، والإمارات المتحدة، وقد تقاسم الحليفان الساحة اليمنية، فقد رمت الإمارات بثقلها في الجنوب مكونة جيشا: أحزمة أمنية، ونخبا من السلفيين، وانفردت السعودية بالشمال، وبدعم من الشرعية.
والواقع أن تعدد الأطراف المنخرطة في الحرب في المستويات الثلاثة: الأهلي، والإقليمي، والدولي قد عقد الأمور أكثر، كما أن طول الحرب قد أضعف الأطراف الداخلية الكاثرة، وقوى الصراع الإقليمي، والرباعية الدولية، وحول اليمن - كل اليمن- إلى ميدان حرب، وحول اليمنيين إلى أدوات قتال، ووضع اليمن تحت الفصل السابع، والقرار الأممي رقم (2216)، الذي فرضته الرباعية الدولية، زاد من تعقيد النزاع، وإطالة أمده.
في الحرب اليمنية لا يوجد منتصر، وحروب اليمن - على كثرتها في العصر الحديث- تؤكد هذه الحقيقة، ما دفع، ويدفع كل المتحاربين إلى البحث عن حل سياسي متوافق عليه، حيث يظهر العجز عن الحسم العسكري.
ولكن المأزق أن كل طرف يريد أن يحصل بالتفاوض ما عجز عن تحقيقه بالحرب، والمأساة الحقيقية أن كل الأطراف قد فرضت الحرب ضد إرادة الشعب، وإن خاضوها باسمه، وهم الآن أيضا يتفاوضون باسمه، ونيابة عنه، ويريد كل طرف أن يحقق المكاسب من الحرب، سواء من السلطة، أو من العوائد والمغانم، على حساب هذا الشعب.
الغموض الشديد والتكتم المطبق لا يبشر بخير، فطوال أشهر عديدة من المفاوضات، والصمت والتعتيم سيد الموقف، والتسريبات تضاعف الشكوك، وتؤكد سوء النوايا.
إن هذه الحرب أهلكت الشعب، ودمرت كيانه الوطني، ومزقت نسيجه المجتمعي، وحولته إلى كنتونات متعادية ومتصارعة، وموتته بالاحتراب، والمجاعة، والأوبئة، والتشريد.
لا ينتظر من صناع الحرب أن يكونوا رسل سلام، ولكن غياب المعارضة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأهلي، والشخصيات العامة مصدر خلل كبير، فغياب الرأي العام القوي، وغياب الأطراف المدنية والأهلية الرافضة للحرب، يزيد من تمادي الأطراف المتحاربة التي لا مصلحة لها في معالجة الآثار الكارثية للحرب، ولا تحقيق مصالحة وطنية أو مجتمعية، أو معالجة قضايا معيشية، حيث إن أكثر من 80 % تحت خط الفقر، كما يظهر أن هذه الأطراف المتحاربة غير مكترثة بقطع المرتبات، وإعادة توحيد العملة، وحل قضية الجنوب، وما أفضت إليه حرب 1994 التي دمرت الوحدة السلمية، وكانت سببا لما تناسل بعدها من حروب.
ما يهم أطراف الحرب الأهلية هو موقعهم في السلطة، ومساحة النفوذ، والعائد من الثروة.
لا تشكل اليمن لإيران الهم الأكبر، فهمها الأساس مصالح شعبها في رفع الحصار، ووجودها في الخليج، وتطبيع العلاقة مع جوارها الخليجي، وبالأخص السعودية، وتخفيف الضغط على سوريا، ولبنان، وسلامة برنامجها النووي، ومصالحها في العراق.
مطامع السعودية والإمارات هي الأخطر، لأنهما حريصان على استمرار التجزئة والتفكيك، والحصول على مزايا في اليمن المفكك في الموانئ، والجزر، وتريد السعودية مد أنابيب النفط إلى البحر العربي، كما أن مطامعها في الجوف، وحضرموت، والمهرة، ليست خافية.
بينما تحرص الرباعية الدولية على التجزئة والتفكيك، وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة في المنطقة العربية كلها، وتتواشج المطامع السعودية والإماراتية مع مخططات الرباعية الدولية، ما يجعل الوصول إلى حل سياسي عصيا كاستعصاء الحل العسكري، أما المليشيات هنا وهناك فلا مصلحة لها في حسم الصراع، أو الوصول إلى حل سياسي يعم اليمن كلها.
كان الطرف الدولي المساند للحرب، والمحرِّض عليها، هو الأكثر إدراكا لاستحالة الحسم العسكري، ولكن تدمير الكيان اليمني، وتعميم الصراعات العربية، واستنزاف الثروات النفطية، ووضع المنطقة كلها تحت الهيمنة الإسرائيلية، والارتهان لمخططات "الشرق الأوسط الجديد"، وجر إيران إلى التورط أكثر فأكثر مع جوارها العربي، وقطع الطريق على طريق الحرير، الذي تمثل المنطقة الموقع الأثير له - هو الهدف الرئيس.
كان في الصراع اليمني - اليمني إغراء للصراع الإقليمي، وجاذب له، وقد توهمت إيران أنها حققت انتصارا باكتساب عاصمة عربية جديدة إلى صفها، وأنها قد تمكنت من محاصرة النظام السعودي، وحققت السيطرة في صراع الخليج، وفي صراعها مع الاستكبار العالمي - حسب الخطاب الإيراني.
كما أن التوهم السعودي كان كبيرا وخطيرا، فقد تصورت العربية السعودية أن بإمكانها أن تعمل ما عمله التحالف الثلاثيني في العراق، وأنها تستطيع -عن طريق خلق تحالف عربي وإسلامي بدعم أمريكي وبريطاني وفرنسي ودول أوروبية أخرى- من إسقاط صنعاء في أشهر، إن لم يكن في أسابيع.
ومن تابع تصريحات العسيري، وطلعات مريم المنصوري، والطيران السعودي، والحشود العسكرية في جبهات الشمال والجنوب، وصفقات السلاح الباذخة - يشعر بالفزع.
كان قادة المليشيات والمقاتل اليمني الأكثر إدراكل لخيبة الحرب، ومآلها الفاشل، ويدركون أيضا طول أمدها، لأن المستفيدين منها كُثُر، وجيوبهم مفتوحة، وعيونهم على المدد، وكان شعار الحرب ضد الثورة السبتمبرية: "الله ينصر الجمهورية إلى النصف، والملكية إلى النصف" حاضرا في الأذهان، وكان الشعب - كل الشعب اليمني- هو الخاسر، والضحية.
حروب تأسيس المتوكلية اليمنية، وحروب 1934، 1948، وحروب الجمهوريين والملكيين، وحروب 1972، و1979، وحرب 1994 كانت السعودية فيها حاضرة، ولكن حروبها في عاصفة الحزم، ولاحقا الأمل، كانت جد مختلفة، وشديدة الخطورة.
الحرب في اليمن وعليها ليست معزولةً عن الحرب على العراق، وسوريا، وليبيا، ولبنان، وحاليا في السودان، فتدمير المنطقة العربية، وإخراجها من التاريخ، إن لم تكن قد خرجت فعلاً، كما يرى الباحث فوزي منصور في كتابه "خروج العرب من التاريخ" - هدف رئيس لأمريكا، وحلفائها الأوروبيين، وإسرائيل.
تراجع حلم حشد التحالف من ثلاثين دولة إلى تحالف عربي، ثم عمليا إلى دولتين، هما: العربية السعودية، والإمارات المتحدة، وقد تقاسم الحليفان الساحة اليمنية، فقد رمت الإمارات بثقلها في الجنوب مكونة جيشا: أحزمة أمنية، ونخبا من السلفيين، وانفردت السعودية بالشمال، وبدعم من الشرعية.
والواقع أن تعدد الأطراف المنخرطة في الحرب في المستويات الثلاثة: الأهلي، والإقليمي، والدولي قد عقد الأمور أكثر، كما أن طول الحرب قد أضعف الأطراف الداخلية الكاثرة، وقوى الصراع الإقليمي، والرباعية الدولية، وحول اليمن - كل اليمن- إلى ميدان حرب، وحول اليمنيين إلى أدوات قتال، ووضع اليمن تحت الفصل السابع، والقرار الأممي رقم (2216)، الذي فرضته الرباعية الدولية، زاد من تعقيد النزاع، وإطالة أمده.
في الحرب اليمنية لا يوجد منتصر، وحروب اليمن - على كثرتها في العصر الحديث- تؤكد هذه الحقيقة، ما دفع، ويدفع كل المتحاربين إلى البحث عن حل سياسي متوافق عليه، حيث يظهر العجز عن الحسم العسكري.
ولكن المأزق أن كل طرف يريد أن يحصل بالتفاوض ما عجز عن تحقيقه بالحرب، والمأساة الحقيقية أن كل الأطراف قد فرضت الحرب ضد إرادة الشعب، وإن خاضوها باسمه، وهم الآن أيضا يتفاوضون باسمه، ونيابة عنه، ويريد كل طرف أن يحقق المكاسب من الحرب، سواء من السلطة، أو من العوائد والمغانم، على حساب هذا الشعب.
الغموض الشديد والتكتم المطبق لا يبشر بخير، فطوال أشهر عديدة من المفاوضات، والصمت والتعتيم سيد الموقف، والتسريبات تضاعف الشكوك، وتؤكد سوء النوايا.
إن هذه الحرب أهلكت الشعب، ودمرت كيانه الوطني، ومزقت نسيجه المجتمعي، وحولته إلى كنتونات متعادية ومتصارعة، وموتته بالاحتراب، والمجاعة، والأوبئة، والتشريد.
لا ينتظر من صناع الحرب أن يكونوا رسل سلام، ولكن غياب المعارضة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأهلي، والشخصيات العامة مصدر خلل كبير، فغياب الرأي العام القوي، وغياب الأطراف المدنية والأهلية الرافضة للحرب، يزيد من تمادي الأطراف المتحاربة التي لا مصلحة لها في معالجة الآثار الكارثية للحرب، ولا تحقيق مصالحة وطنية أو مجتمعية، أو معالجة قضايا معيشية، حيث إن أكثر من 80 % تحت خط الفقر، كما يظهر أن هذه الأطراف المتحاربة غير مكترثة بقطع المرتبات، وإعادة توحيد العملة، وحل قضية الجنوب، وما أفضت إليه حرب 1994 التي دمرت الوحدة السلمية، وكانت سببا لما تناسل بعدها من حروب.
ما يهم أطراف الحرب الأهلية هو موقعهم في السلطة، ومساحة النفوذ، والعائد من الثروة.
لا تشكل اليمن لإيران الهم الأكبر، فهمها الأساس مصالح شعبها في رفع الحصار، ووجودها في الخليج، وتطبيع العلاقة مع جوارها الخليجي، وبالأخص السعودية، وتخفيف الضغط على سوريا، ولبنان، وسلامة برنامجها النووي، ومصالحها في العراق.
مطامع السعودية والإمارات هي الأخطر، لأنهما حريصان على استمرار التجزئة والتفكيك، والحصول على مزايا في اليمن المفكك في الموانئ، والجزر، وتريد السعودية مد أنابيب النفط إلى البحر العربي، كما أن مطامعها في الجوف، وحضرموت، والمهرة، ليست خافية.
بينما تحرص الرباعية الدولية على التجزئة والتفكيك، وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة في المنطقة العربية كلها، وتتواشج المطامع السعودية والإماراتية مع مخططات الرباعية الدولية، ما يجعل الوصول إلى حل سياسي عصيا كاستعصاء الحل العسكري، أما المليشيات هنا وهناك فلا مصلحة لها في حسم الصراع، أو الوصول إلى حل سياسي يعم اليمن كلها.