دلالات العلاقة الغامضة بين أمريكا وإيران
في عالم المصالح الدولية المتشابكة، تبرز حالة العلاقة بين أمريكا وإيران كواحدة من أكثر الحالات تعقيدًا وفهمًا، ورغم العداء الظاهر الذي يتم تسليط الضوء عليه من قبل الإعلام الغربي والعربي بين الطرفين، فإن الواقع السياسي والاقتصادي يكشف عن مصالح خفية تؤثر في ديناميكيات هذه العلاقة بعيدًا عن الأضواء. فما هي حقيقة العلاقة بين هذين الطرفين، وما الأسس التي تقوم عليها الخصومة المعلنة؟
إن الجدل القائم حول العداوة بين أمريكا وإيران يتغذى غالبًا على سرديات إعلامية وسياسية تهدف إلى تشكيل الرأي العام وتضليله عن الحقيقة حيث تُعرض قضية البرنامج النووي الإيراني كسبب رئيسي للخصومة المزعومة، لكن من الثابت أن تصعيد التوترات العسكرية والإعلامية لا يتناسب مع المصالح الحقيقية للطرفين. فهل فعلًا تتناقض مصالح أمريكا مع مصالح إيران؟ أم أن هذا مجرد ستار يُستخدم لتحقيق أهداف سياسية غير معلنة من خلال الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة تحقيقًا لسياسات ومصالح أمريكا وشركائها الغربيين؟
عند تفحص البنية الاقتصادية والسياسية لكل من الدولتين، نجد أن مصلحة أمريكا في الشرق الأوسط كانت دائمًا تتمحور حول تأمين نفوذها الاستراتيجي والحفاظ على توازن القوى، وفي هذا الإطار، تعد إيران، بمواردها الطاقوية واقتصادها المتنوع، شريكًا محتملًا لا يمكن التفريط فيه، وتعزز هذه الديناميكية من احتمالية وجود قنوات للتفاوض والتعاون رغم التصريحات العدائية الظاهرة.
فالواقع يظهر بوضوح أن أمريكا وإيران يمكن أن يحققوا فوائد استراتيجية هائلة من التعاون والتقارب بينهما، فإيران، التي تواجه مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية، تعرف تمامًا أن تحسين علاقتها مع أمريكا يمكن أن يؤدي إلى تيسير دخول استثمارات أجنبية، وتحقيق استقرار في المنطقة. بدلًا من تعزيز العداوة، على نحو يؤكد على وجود مصلحة واضحة لإيران في تحقيق التقارب مع الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تشهد تحولًا مستمرًا. حيث إن المصالح الاقتصادية تُفضل في كثير من الأحيان التعاون مع الدول التي تمتلك القدرة على تصدير النفط والغاز بدلًا من العداوة معها، مما يجعل إيران لاعبًا استراتيجيًا في هذه المعادلة، فالعداء غير مُربح لأمريكا في سياق يُعتبر فيه النفط واحدًا من أهم الموارد الاقتصادية العالمية.
يعد الحديث عن الطموح الإيراني لتطوير أسلحة بيولوجية أحد الأسس التي يُتم الترويج لها لتبرير العداوة القائمة في الظاهر بينهما، ومع ذلك، فإن الادعاء بأن إيران تسعى لامتلاك قدرات بيولوجية ونووية هو ادعاء يفتقر إلى الأدلة القاطعة، فمن الواضح أنه لا يمكن لإيران أن تحقق مكاسب طويلة المدى من خلال سعيها نحو التسليح، في ظل إدراكها للمخاطر الجسيمة الناتجة عن ذلك، وعلاوة على ذلك، فإن التعويل على الأسلحة البيولوجية لا يتناسب مع وضعها العسكري الحالي، حيث تفتقر إيران إلى بنية تحتية تسمح لها بأن تكون في مواجهة فعالة مع قوى عظمى مثل أمريكا.
وفي المجمل، يمثل الحديث عن العداوة بين أمريكا وإيران جزءًا من سردية أكبر تُهيمن فيها المصالح الاقتصادية والسياسية على القضايا الأمنية والعسكرية. والتهديدات التي تُقدم عن إيران غالبًا ما تُستخدم لتبرير سياسات تقسيمية تتبناها القوى العظمى في المنطقة، مما يشير إلى وجود خطة مدروسة تحاول تحقيق أهدافها بعيدة المدى.
قد يكون الحديث عن العداوة جزءًا من لعبة سياسية، ولكن الحقيقة هي أن هناك فرصًا حقيقية للتعاون يمكن أن تعود بالفوائد على كلا الطرفين. إن فهم هذه الديناميكيات يتطلب النظر بعيدًا عن العناوين البراقة والخطاب التقليدي، وتحليل المصالح الحقيقية التي تحكم العلاقات الدولية.