نقلتان

> محمد عبدالله الموس

> حين بدأت حشود أبناء لبنان في التوجه إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت صبيحة اليوم «الأخير» من شهر فبراير 2005م، كنت أهاتف أحد الأصدقاء: «لو لم تقدم الحكومة على خطوة إيجابية، فقد يكون من الصعب السيطرة على حشود كهذه».. ربما كان هذا الفهم نابعاً من تجاربنا كعرب وطريقة تعامل حكامنا العرب مع حشودهم، فهي مباحة حين تطبل لهم، ومحرمة حين تنتقدهم لكن الأمر كان خلاف ذلك تماماً، فكل ما في لبنان أثبت أنه يستحق الآخر، فالعسكري لم يكن ذلك العسكري العربي الذي عهدناه في مواقف كهذه، قمعياً، يعرف كلمة واحدة فقط: قال لي سيدي، فقد كان مدركاً أن العدو هناك خلف الجبل عند خط الحدود الجنوبية، وأن الذي أمامه في ساحة الشهداء مواطن يحمل علم الوطن في يد وفي اليد الأخرى وردة يرميها صوب جبهة شامخة لرجل أمن أو جيش وكلاهما يبتسم للآخر، حتى لو كان ذلك المواطن جاء إلى هذه الساحة ليقول (لا) للحكومة التي يأتمر ذلك العسكري بأمرها.

والمواطن كان يدرك أن العسكري هو بدون (القبعة والجاكت والبنطلون) مواطن هو الآخر له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، وأن تباين الآراء ظاهرة صحية طالما قبل كل واحد بالآخر واعترف بحقه في التعبير، وهكذا «مشاعر متبادلة» جعلت العسكر جزءاً من الحشد، ومنظماً له لا خصماً.

والمجلس النيابي لم يتعامل مع الأمر على طريقة (بوس اللحى) التي اشتهر بها العرب، وحمل كل طرف موقفه ومسؤوليته بجدارة وحزم، وصدى أصوات الاعتصام لم تغب عن أجواء جلسة المجلس، فالقضية في نظرهم لا تقبل الضحك على الذقون أو تقاسم الغنائم السلطوية، وكفى المؤمنين شر القتال.

والحكومة أدركت أن الثقة فيها أصبحت على المحك، بفعل توافد عشرات الآلاف من الناخبين وهم مصدر الثقة قبل ثقة البرلمان، وقدم رئيسها استقالة حكومته قبل طرح الثقة للتصويت في البرلمان.

والحاضر الغائب في كل ذلك كان شهيد لبنان رفيق الحريري، الذي قاد خروج لبنان من الصراع الطائفي والخراب إلى تماسك الأيدي والإعمار (في النقلة الأولى) وكان بين ظهراني أبنائها وفوق ترابها، وها هو يخرجها في (نقلة أخرى) إلى رحاب الديمقراطية الحقيقية وإن كانت هذه النقلة وهو في حضن هذا التراب جسداً وبين ظهرانيهم روحاً، ووحد الجميع لدرجة أن لم نر في حشودهم هلالاً أو صليباً.

ألا ترون معي أن كل من في لبنان، مواطنين وعسكراً وساسة وحريري، جسداً وروحا، يستحق الآخر، وتستحق الشعوب العربية وضعاً كهذا؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى