بمناسبة حلول الذكرى الأربعين لاغتيال الشهيد محمد محمود الزبيري

> أبوبكر السقاف

> ظلم الزبيري مرتين: عندما نصبته جمعية المنتفعين بدمه قديساً، وعندما قذفت به في عالم النسيان بكلبية صارخة، وكأن الر جل لم يكن له وجود في يوم من الأيام. وبين هذا الإفراط المشبوه والتفريط الجاحد، لا بد أن يجد الرجل فرصة للإنصاف والتقدير, وأطرح هنا اليوم اقتراحاً أوردته في مقال لي بصحيفة «التصحيح» قبل نحو ربع قرن، مفاده تنظيم محاكمة لقتلة الزبيري، وقد كررت في ذلك الاقتراح ما قام به عدد من الفلاسفه والمفكرين في أوربا وأمريكا، عندما شكلوا محكمة لمحاكمة ستالين ودولته، بعد موجة الإعدامات التي جاءت بعد محاكمات صورية في موسكو لما سمي بالجواسيس التروتسكيين، وقد صور الكاتب آرثر كوستلر في كتابه «ظلام في الطهرة» تلك الأحداث.

تفرد بعض صحفنا صفحات لمناقشة ما حدث بين علي ومعاوية ، وكأن صفين والجمل معارك جرت قبل أسبوع ، ويتعالى صوت الاحتساب بوساطة النيابة العامة في وجه الكاتب أسامة أنور عكاشة، لأنه أساء إلى عمرو بن العاص. بينما لم يطالب أحد في مصر حتى اليوم بالكشف عن ما حدث في الهزيمة الطامة في حزيران 1967، ونحن في اليمن نتجنب حتى الحديث العابر عن اغتيال فيصل عبداللطيف الشعبي، ومحمد أحمد نعمان، وإبراهيم الحمدي.

نسيان هذا التاريخ القريب، والولع المذهل بأحداث موغلة في القدم، يعني أننا في تناقض مخيف «بين كوننا شكلاً في العالم الحديث، وكوننا جوهراً من خارجه، فنضطر إلى معاناة مجتمع قديم في عالم حديث، ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم» (يوسف الخال)، فنبدو موجودين في اللا مكان، لا في منزلة بين المنزلتين.

نقول في سياق التباهي إن ثقافتنا العربية ساهمت في بلورة مفهومات حقوق الإنسان، بالجاد على العدل وحق التقاضي، وبمبادئ ومقاصد الشريعة، والمصالح المرسلة.. الخ، ولكننا في الواقع نفكر داخل صمت العبودية، والتسليم ، ونجعل الإسلام بقصد أو دون قصد، قانون عقوبات في يد السلطان.

كشف التحقيق الدولي وحده جانباً من مأساة اغتيال الشهيد الحريري، ويبدو أن جرائم الأنظمة العربية لا يمكن كشفها إلا على الشاكلة نفسها، إذ يصعب تصور ازدهار العدالة وسط الطغيان الاقتصادي وإرهاب الدولة اليومي ضدا على المواطن، وقيام البنيان المجتمعي كله على احتقار الإنسان - المواطن، وجعل التعذيب ممارسة يومية في أقسام الشرطة والسجون والمعسكرات.

أعرف أن تنظيم محاكمة كالتي اقترحها لتبيان حقيقة ما جرى مع شهدائنا، في أي بلد عربي أمر يستحيل تحقيقه، ولكن إذا صدق العزم يمكن تكرار تجربة العام 1983 الناجحة، عندما عقد أول مؤتمر للديمقراطية وحقوق الإنسان في قبرص. ويمكن أن نتعلم في هذا الشأن من تجربة جنوب أفريقيا، حيث رأس القس دزدموند توتو، (نوبل للسلام) لجنة تحقيق وطنية في كل ما حدث من تجاوزات وجرائم في جنوب أفريقيا، في سنوات المقاومة الوطنية، وكان ذلك بداية المصالحة الوطنية، التي أرست قواعد العيش المشترك بين القوميات والثقافات المكونة لشعب جنوب أفريقيا.

15/3/2005م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى