> عدن«الأيام» خاص:

أعلن رئيس الوزراء بحكومة المناصفة أحمد عوض بن مبارك، أمس السبت، استقالته رسميًا من منصبه، في خطوة وصفها بأنها جاءت نتيجة "الصعوبات التي واجهها أثناء عمله"، وسط أزمات متعددة تعصف بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وتنامي الغضب الشعبي ضد الأداء الحكومي الهزيل.

وقال بن مبارك في منشور على صفحته في موقع "أكس":"انتهيت قبل قليل من اللقاء بفخامة الأخ رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي، وسلّمته استقالتي من منصبي كرئيس للوزراء".

وطالب بـ"دعم الشخص الذي سيتولى المنصب خلفًا له، للقيام بواجباته في هذا الظرف الصعب الذي تمر به بلادنا".
  • استقالة مفاجئة أم إقالة ناعمة؟
رغم أن بن مبارك حاول الظهور بمظهر المستقيل طوعًا، إلا أن مصادر سياسية مطلعة كشفت أن مجلس القيادة الرئاسي كان قد ناقش بالفعل قرار إقالته خلال الأيام الماضية، على خلفية التدهور المخيف في أداء الحكومة، خصوصًا في ملفي الخدمات وتدهور العملة وانهيار المعيشة، مما يشير إلى أن الاستقالة جاءت استباقًا للإقالة، كخطوة لحفظ ماء الوجه.

ولم يخفِ بن مبارك في نص استقالته الذي وُقّع فعليًا بعد اتخاذ قرار الإقالة، حجم العراقيل التي واجهها، مشيرًا إلى أنه لم يُمكَّن من ممارسة صلاحياته الدستورية كاملة، ولا من تنفيذ التعديل الحكومي الضروري، ما أعاق قدرته على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
  • سجل بن مبارك
تولى أحمد عوض بن مبارك رئاسة الحكومة في ظروف معقدة مطلع العام 2024، بعد مسيرة دبلوماسية وسياسية بدأت منذ تعيينه أمينًا عامًا لمؤتمر الحوار الوطني عام 2013، ثم سفيرًا لليمن في واشنطن، قبل أن يُسند إليه منصب وزير الخارجية في حكومة معين عبد الملك، وأخيرًا رئاسة الوزراء.

وعد بن مبارك، عند تعيينه رئيسًا للحكومة، بالتركيز على خمسة مسارات رئيسية: إنعاش الاقتصاد، إصلاح مؤسسات الدولة، تحسين الخدمات، استعادة ثقة المواطن، وتعزيز العلاقات الخارجية. إلا أن واقع حكومته على الأرض أفرز نتائج معاكسة تمامًا لتلك الوعود.

ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية، تدهورت العملة الوطنية بصورة مقلقة، ما أدى إلى موجة تضخم حادة، رافقها تردٍّ كارثي في الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصحة، وعجز شبه كامل في دفع رواتب موظفي الدولة بانتظام. كما تزايد السخط الشعبي بفعل انعدام الأفق الاقتصادي وغياب الشفافية.
  • إنجازات شكلية ومحاولات ترقيع
في استقالته دافع بن مبارك عن أدائه قائلًا إنه وفّر خلال عام واحد فقط نحو 133.5 مليون دولار في فاتورة وقود الكهرباء، ونجح في تطبيق سياسة "ترشيد إنفاق قاسية"، غير أن هذه الأرقام لم تجد ترجمتها في الواقع المعيشي للمواطن، الذي يئن تحت وطأة الغلاء وانقطع الكهرباء والغياب التام للدولة في كثير من المناطق.

كما اشتكى بن مبارك من أن "أهم الصعوبات التي واجهها كانت عدم تمكينه من العمل وفقًا لصلاحياته الدستورية"، ملمّحًا إلى تدخلات من قوى داخل مجلس القيادة الرئاسي الأمر الذي حال دون تحقيق إصلاحات مؤسسية حقيقية، على حد تعبيره.
  • صراع صلاحيات وانهيار ثقة
تشير مصادر سياسية إلى أن أداء حكومة بن مبارك كان موضع استياء واسع داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي اعتبر أن رئيس الوزراء أخفق في إدارة المرحلة، وأنه لم يكن على مستوى التحديات المفصلية التي تمر بها اليمن، كما لعبت الخلافات بين مكونات المجلس خصوصًا بين الشرعية والانتقالي الجنوبي دورًا محوريًا في عرقلة الحكومة.

ويرى مراقبون أن بن مبارك لم ينجح في كسب ثقة الأطراف المؤثرة، لا في الداخل ولا على مستوى التحالف الإقليمي، كما فشل في تشكيل تحالف سياسي صلب يدعمه داخل الحكومة والمجلس، ما جعل قراراته هشّة وغير قابلة للتنفيذ.

استقالة أحمد بن مبارك لا يمكن قراءتها كحادث معزول، بل هي انعكاس مباشر لأزمة مركّبة تعاني منها الشرعية اليمنية، تتجاوز الأشخاص إلى طبيعة بنية السلطة نفسها.

أولًا، يُظهر بيان الاستقالة المراوغة المعتادة في تحميل المسؤولية للآخرين، دون الاعتراف المباشر بالفشل الذاتي في تفعيل أدوات الحكم، وبناء جسور الثقة مع المجتمع المحلي والدولي، ورغم أنه أشار إلى تحديات الصلاحيات، إلا أن فشل حكومته في توفير الحد الأدنى من الخدمات لا يمكن تبريره فقط بهذه الذريعة، خصوصًا وأن هناك دعم إقليمي ودولي جزئي كان يمكن استثماره.

ثانيًا، تعكس هذه الاستقالة هشاشة العلاقة بين رئاسة الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، في ظل غياب وضوح هيكلي للصلاحيات، وغياب سلطة مركزية موحدة قادرة على فرض الانضباط السياسي والإداري على الأرض، وهذا ما يفتح الباب أمام استمرار حالة اللااستقرار الإداري، والتغيير المتكرر في رأس السلطة التنفيذية دون نتائج ملموسة.

ثالثًا، الاستقالة تترك فراغًا في ظرف حساس، مع تصاعد الخلافات بين مكونات المجلس الرئاسي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، وانسداد الأفق السياسي، سواء في مسار السلام مع الحوثيين أو في إدارة المناطق المحررة.

إن استقالة بن مبارك، سواء جاءت طوعًا أم بالإجبار، لن تغيّر من حقيقة الواقع المأزوم شيئًا، ما لم تُرفق بإصلاحات هيكلية شاملة في بنية الحكومة وآلية اتخاذ القرار، تبدأ بإعادة تعريف مفهوم الشرعية ووظيفة الدولة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن.

ختاما.. رحل أحمد بن مبارك لكن التحديات باقية بل متفاقمة، وسيكون على من سيخلفه في رئاسة الحكومة أن يتعامل مع تراكمات من الفشل والعجز الذي ورثة بن مبارك، وأن يُثبت أن المشكلة لم تكن فقط في من يقود الحكومة، بل في كيفية بناء حكومة حقيقية قادرة على العمل في بقايا دولة منهارة وسيادة منقوصة وشرعية ممزقة.