سيؤتينا الله من فضله ورسوله

> علي بن عبدالله الضمبري

> لقد أمرنا الله جل في علاه أن نفرح بكل نعمائه وبكل رحمائه، وبكل آلائه فقال: {قُل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون} (يونس /58) وإن أظهر وأطهر، وأبهى وأبهر وأشهر هذه الرحمات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين} (الأنبياء/107).

وهذا الفرح العامر الغامر ليس محصوراً بيوم مولده، أو ذكرى هجرته، أو تاريخ غزواته فقط، بل هو فرح مستمر دائب دائم.. إنه الفرح بكلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، إنه الفرح بختام الرسالة ورسالة الختام، إنه الفرح بكمال الدين وتمام النعمة، والرضا بالإسلام المحمدي القرآني دينا وملة وشرعة ومنهاجاً.

أيام الله
وذكرى المولد النبوي محطة سنوية ليتذكر المسلمون يوماً من أيام الله، يوماً لو لم يكن لما عرف الناس ليلة القدر، ولا آيات القرآن، ولا شهر رمضان، ولا مناسك الحج، ولا حقيقة التوحيد، ولا عدل الإسلام، ولا رحمة النبوة.. لأن الله قدم في علمه، وقدر بمشيئته أن يختار هذا اليوم البهي البهيج من شهر ربيع الأول عام 571 للميلاد ليكون مولد الرحمة المهداة للعالمين وموعد البداية للرسالة الأخيرة الشاهدة على البشرية.

إن القرآن الحبيب قد وضح سمات شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتحدث عنه حديثاً ضافياً شافياً كافياً يهدي إلى الرشد، فأكد بوضوح على صفاته الإنسانية البشرية العامة، ولكنه أعطاها أبعادها النبوية الخاصة، وآفاقها الرسالية التبليغية، ومسؤولياتها الحضارية في إقامة العدل، وتحرير العقل، وحب الغير، ونشر الخير، وتعميم البر، وتعميق الحب «لا يؤمن أحدكم حتى يحب....».. لكن هناك خصوصيات خاصة به وله، رفعت ذكره، وأعلت قدره، وأبرمت أمره، وضاعفت أجره بأكثر وأفضل من بقية الأنبياء عليهم السلام، فهو وحده المبعوث رحمة للعالمين، وله ولأمته صارت الأرض كلها مسجداً كبيراً له وطهوراً دائماً لأتباعه، وهو وحده صاحب المقام المحمود، والحوض المورود واللواء المعقود والشفاعة الكبرى.. فلماذا يغضب المرجفون في المدينة، حينما نشيع ونذيع هذه المآثر والمفاخر {أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف اللهُ عليهم ورسولُه}( النور/50) والجواب: الله ورسوله أعلم.

ورفعنا لك ذكرك
لقد رفع الله ذكر نبيه الأعظم وحبيبه الأفخم محمداً صلى الله عليه وسلم فلم يناده باسمه بل ناداه بوظيفته الرسالية (يا أيها الرسول) ودرجته النبوية (يا أيها النبي) رغم ندائه لكل الأنبياء بأسمائهم الخاصة (يا آدم اسكن) (يا نوح اهبط) (يا موسى لا تخف).. بل لقد أقسم الله بعمره الطاهر الشريف قال {لعمرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} (الحجر/72)، وأقسم ببلده فقال{وهذا البلد الأمين} تقديراً لزمانه وتقديساً لمكانه حياً وميتاً ولذلك ظل ما بين بيته أو قبره ومنبره روضة من رياض الجنة كما رواه مسلم في كتاب الحج برقم 500.

وأما كلمة التوحيد فلا يقول قائلها: لا إله إلا الله، إلا ويقول بعدها (محمد رسول الله) وقد قرن الله اسم نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم مع اسمه الأعظم (الله) في مواضع ومواقع كثيرة منها:

< في الإيمان { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسولِه}(النساء/136) {تؤمنون بالله ورسولِه} (الصف/ 11).

< في الاستجابة {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} (الأنفال/24).

< في الطاعة {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}( المائدة/92)، بل جعل طاعة الرسول هي عين طاعة الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء/80)، وراجع الآية الأولى و46 من سورة الأنفال.

< في الحكم {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} (النساء/59). وراجع سورة النور آية 51.

< في الولاء {إنما وليكم اللهُ ورسولُه والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} (المائدة/55).

< في البراء {براءة من الله ورسوله} (التوبة/1) {أن الله بريء من المشركين ورسولُه}( التوبة/3).

< في النصرة {يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله} (الحشر/8).

< في الهجرة {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} (النساء/100).

< في الرضاء {ولو أنهم رضوا ما آتاهم اللهُ ورسولُه} (التوبة/59)، وقوله {واللهُ ورسولُه أحق أن يُرضوه} (التوبة/63).

< في الفضل {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا اللهُ من فضله ورسولُه} (التوبة/59).. {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللهُ ورسولُه من فضله}( التوبة/74).

< في رؤية العمل {وسيرى اللهُ عملكم ورسولُه} (التوبة/94).. {وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملكم ورسولُه والمؤمنون} (التوبة/105).

< في النصيحة {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للهِ ورسولِه} (التوبة/91).

< في القنوت {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين} (الأحزاب/31).

< في الوعد الصادق {هذا ما وعدنا اللهُ ورسولُه وصدق اللهُ ورسولُه} (الأحزاب/22).

< وفي المحاربة راجع الآية 279 من سورة البقرة، والآية 33 من المائدة، والآية 107 من التوبة.

< في المعصية راجع الآية 14 من سورة النساء، والآية 23 من سورة الجن

< في المشاقة الآية 13 من سورة الأنفال، وفي المحادة راجع الأية 63 من سورة التوبة وفي الكفر راجع سورة التوبة في الآية 54 والاية 80.. وفي الغنيمة راجع الآية الأولى والآية 41 من سورة الأنفال والآية 7 من سورة الحشر.

ويحق لنا أن نسأل: هل بعد تلك الآيات السابقات من دليل على مكانة ورفعة سيد الخلق أجمعين وحبيب رب العالمين؟ وصدق الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

وهل في تلك الآيات شرك مزعوم، أو تأليه موهوم للنبي صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله؟ وصدق الشاعر:

وكم من عائب قولاً صحيحاً

وآفته من الفهم السقيم

صلوا عليه وسلموا تسليما
إن التفكير الأهوج العقيم، والفهم الأعوج السقيم هو الذي يدفع بكثيرين من { الذين في قلوبهم مرض} (الأنفال/49) بالحكم على المسلمين بالشرك والبدعة والضلالة والانحراف فتجدهم يتحدثون عن وجوب تهديم القبة النبوية الخضراء بالمدينة المنورة ولكنهم لا يتحدثون مطلقاً عن وجوب تحرير قبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس.. يصدرون الفتاوى بوجوب إخراج القبر المحمدي من المسجد النبوي - راجع كتاب رياض الجنة في الرد على أعداء السنة صفحة 275 - ولم يتحدثوا ولن يتكلموا عن وجوب إخراج القواعد الأمريكية من بلاد المسلمين {وإن يقولوا تسمع لقولهم} (المنافقون/3).

ونقول لدعاة التكفير والتضليل والتبديع والتفسيق: يكفي ما مارستموه من النقيق والنعيق والنهيق على المسلمين الذين يحيون ما أمات الناس من ذكريات وتاريخ وقيم ومبادئ الإسلام {قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله} (التوبة/94).

إن الله جل في علاه، قد رفع قدر هذا النبي العظيم وفرض الصلاة والسلام عليه وعلى آله الطاهرين في مواطن كثيرة: بعد كل أذان (مسلم 1/288 برقم 384) و(سنن النسائي 1/510) وعند الدخول والخروج من المسجد (سنن النسائي 6/27) وعند كل دعاء (سنن الترمذي5/482) و(شعب البيهقي 2/216) وفي كل مجلس (مسند أحمد 2/463) و(ابن حبان في صحيحه 2/352) وبعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة.. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم «أكثروا علي من الصلاة فيه -يوم الجمعة- فإن صلاتكم معروضة علي»؟ كما رواه الحاكم في المستدرك 1/278 والنسائي 1/519 وأبو داؤود 1/635، وابن حبان 3/190 .. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم «إن لله ع زوجل ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام» رواه النسائي 1/380 والحاكم في المستدرك 2/421 وقال صحيح الإسناد. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم« وصلوا علي إن صلاتكم وتسليمكم يبلغني حيثما كنتم»؟ كما ورد في المصنف لابن أبي شيبة 2/375 .. وفي مسند أحمد 2/367. ألم يقل النبي [ «ما من أحد يسلم علي إلاّ رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام»؟ كما رواه أحمد في المسند 2/527 وأبو داؤود 2/534 والبيهقي في السنن 5/402.

اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين صلاة تشرح بها صدورنا، وتسهل بها أمورنا، وتنور بها قبورنا، وتغفر بها أوزارنا، وتحقق بها أوطارنا، وترفع بها ذكرنا، وتدفع بها ضرنا، وتجبر بها كسرنا، وتغني بها فقرنا وتيسر بها عسرنا .. آمين .

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى