أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 04:00 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • الجنوب.. الحوثي والشرعية وما بعد تأثير إيران

    د. حسين لقور بن عيدان




    أي تحول جوهري في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية سواءً بإضعافه أو إعادة هيكلته أو حتى إسقاطه يخلق منعطفًا استراتيجيًا لا يقتصر تأثيره على الجغرافيا الإيرانية، بل سيمتد كموجة جيوسياسية تعيد تشكيل توازنات القوى في المنطقة من الساحل اللبناني إلى سواحل بحر العرب. وفي قلب هذه التحولات، يبرز اليمن والجنوب العربي كمسرحين حاسمين تتجلى فيهما تداعيات التراجع الإيراني لِما كان لإيران من تأثير في حربهما، بأبعاد بالغة التعقيد.

    لقد نجحت طهران خلال العقود الماضية في حياكة شبكات نفوذ عبر أدوات عابرة للحدود، وكانت جماعة الحوثي في اليمن أبرز تجليات هذه الاستراتيجية. الدعم العسكري والتقني الذي تدفق عبر قنوات متشعبة حوّل الجماعة الحوثية إلى قوة قادرة على تعطيل مسار العملية السياسية التي كانت جارية قبل سبتمبر 2014، وإحداث الفوضى والإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر، لكن هذا النفوذ الإيراني يتحول اليوم إلى نقطة ضعف وجودية للجماعة. فتراجع الدعم الإيراني سيخلق فجوة عميقة في بنية الجماعة، ويضعها أمام معادلات قتالية وسياسية أكثر هشاشة.

    وفي الجهة المقابلة، تواجه قوى ما يسمى الشرعية اختبارًا مصيريًا حيث تتكشف عوراتها وتضعها أمام الحقيقة. بعد أن وظفت أطراف الشرعية التدخل والدعم الإيراني للحوثي كشماعة علقت عليها إخفاقاتها لعقد كامل، فسوّغت به فسادها وعجزها عن تحرير صنعاء فضلًا على فشل بناء مؤسسات حكومية تدير الجنوب والمناطق المحررة. لكن مع انحسار الظل الإيراني، ستسقط ورقة التوت عن خطاب التبرير، وتنكشف أزمات الشرعية الحقيقية وممثلوها اليمنيين وسلوكهم الارتزاقي، مما يدفع نحو إعادة تشكيل تحالفات جديدة تستمد شرعيتها من الوجود على الأرض ومواجهة عدو مشترك إذا ظل هناك سببا لبقاء شرعية واحدة.

    أما الجنوب العربي الذي يقف اليوم عند مَفترق تاريخي، بعد أن عانى تحت وطأة الضغط المزدوج من تمدد الحوثيين المدعومين إيرانيًّا عبر الحدود، واستغلال قوى الشرعية اليمنية لتبرير عجزها باسم ورقة الدعم الإيراني للانقلاب في صنعاء لتجميد تطلعات شعب الجنوب.

    لذلك، انحسار النفوذ الإيراني يخلق فضاءً جديدًا لصياغة الهوية السياسية الجنوبية خارج عباءة الصراع اليمني التقليدي، ويفتح نافذةً لإعادة طرح القضية الجنوبية في سياق إقليمي متجدد.

    غير أن التأثير بفاعلية وكفاءة في هذا المشهد لا يخلو من مخاوف جادة تتطلب رؤية واضحة من الجنوبيين، لأن الفراغ الجيوسياسي الناجم عن غياب تأثير إيران قد يتحول إلى ساحة لتنافس قوى إقليمية ودولية، أو مرتعًا لجماعات متطرفة تبحث عن موطئ قدم في لحظة الاضطراب.

    لهذا، فأن هذا المخاطر تفرض على الفاعلين الجنوبيين وهنا أخص المجلس الانتقالي تطوير رؤية استباقية موحدة، تتحرك بذكاء لملء الفراغ قبل أن تسبقهم إليها أطراف خارجية او يمنية بصيغ وصاية جديدة.

    باختصار يمكن القول، إن التاريخ الجيوسياسي للمنطقة يعلمنا أن انهيار مركز قوي كبغداد في 2003 أو ما ينتظر طهران اليوم يولد دومًا زلازل سياسية، لكنه يخلق أيضًا فرصًا غير مسبوقة. المفتاح يكمن في القدرة على قراءة التحولات وهي في حالة المخاض، وبناء الأدوات السياسية برؤية استراتيجية بعيدة عن ردود الأفعال الانفعالية. إذا كانت طهران تفقد أوراق نفوذها تدريجيًا، فإن التحدي الأكبر يتمثل في عدم الاستغراق في معارك الماضي، والتطلع بجرأة إلى عالم ما بعد إيران، حيث تُكتب خرائط القوى الجديدة بقلم السياسة الواعية لا بدفع الأيديولوجيا العمياء.

المزيد من مقالات (د. حسين لقور بن عيدان)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال